واصلت سلطات الانقلابي قيس سعيد الأمنية مداهمة بيوت أعضاء وقيادات حزب حركة النهضة في تونس، وكان رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي أحدث الضحايا؛ حيث تعرض للاعتقال صباح الثلاثاء الماضي 5 سبتمبر، إذ ذكرت إذاعتا "موزاييك" و"شمس إف إم" (خاصتان)، أن "قوات الأمن التونسي أوقفت الجبالي بعد مداهمة منزله في محافظة سوسة شرق البلاد".  
 
ومنذ 11 فبراير الماضي، اعتقلت السلطات الأمنية التونسية قادة وناشطين في المعارضة، يعتبرون الإجراءات التي فرضها قيس سعيّد انقلابا على دستور الثورة (دستور 2014) وتكريسا لحكم فردي مطلق.
 
 ومن أبرز السياسيين المعتقلين، رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي وعدد من قيادات حركة النهضة، أبرزهم؛ علي العريض الوزير السابق ونور الدين البحيري رئيس الكتلة البرلمانية للحركة والقيادي بالحركة سيد الفرجاني.
 
وبحسب وحيدة الطرابلسي، زوجة الجبالي، فإن "قوات أمن تونسية بزي مدني داهمت المنزل في الثامنة من صباح الثلاثاء، واعتقلته دون معرفة التهم المنسوبة إليه".
 
وأضافت أن "قوات الأمن اقتادت الجبالي إلى ثكنة الحرس الوطني بالعوينة في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس"، مشيرة إلى أنها "أخبرت قوات الأمن بالأمراض التي يعانيها، ورغم ذلك تم اعتقاله".
 
وأوضحت أن زوجها رئيس الحكومة السابق، يمر بظروف صحية حرجة خاصة وأنه أجرى مؤخرا عملية جراحية في شرايين القلب، محملة الجهات الأمنية المسؤولية عن صحة الجبالي.
 
وكان حمادي الجبالي رئيسا للحكومة التونسية في ديسمبر 2011 وحتى فبراير 2013، كما ترشح لرئاسيات 2019.
 
وفي 12 مايو 2022، أوقفت وزارة الداخلية الجبالي وزوجته بتهمة "حيازة مواد خطيرة"، وجرى الإفراج عنهما في يومه، بعد ضغوط حقوقية.
وفي يونيو 2022، أوقف الجبالي على خلفية "الاشتباه بضلوعه في قضية غسل أموال تتعلق بتحويلات من الخارج لجمعية خيرية في تونس" وفق ما أعلنت وزارة الداخلية حينها.
 
الإقامة الجبرية
 
وقبل ساعات من توقيف الجبالي، أعلنت حركة النهضة التونسية، أن السلطات الأمنية فرضت الإقامة الجبرية على رئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني في منزله، الأمر الذي استنكرته جبهة الخلاص المعارضة، ووصفت القرار بـ"التعسفي" بحق القيادات التاريخية للحركة، وخطوة جديدة من استهداف الديمقراطية والحريات في تونس.
 
ومساء السبت 2 سبتمبر 2023، وضعت سلطة الانقلاب رئيس مجلس الشورى والوزير الأسبق عبد الكريم الهاروني رهن الإقامة الجبرية، دون أي مسوغات قانونية".
وقالت الحركة في بيان لاحق: إن "الإجراء التعسفي يأتي استباقاً لاجتماع مجلس الشورى المقرر عقده عن بُعد صبيحة الأحد، في محاولة للضغط على مجلس الشورى، الذي يتابع الاستعدادات لعقد المؤتمر الحادي عشر للحركة أواخر شهر أكتوبر القادم".
 
وطالبت الحركة رفع الإقامة الجبرية عن رئيس مجلس شورى الحركة، معتبرة إياه إجراء مدانا وظالما ومخالفا للقانون والمعاهدات الدولية والحقوق الكونية في التنقل والنشاط السياسي والمدني، بحسب البيان.
 
واعتبرت الحركة أن القرار جائر ويؤكد مرة أخرى النزعة التسلطية، وتعمد السلطة الاعتداء على الحقوق والحريات الفردية والعامة، والتضييق على الأحزاب ومحاصرتها، بهدف نسف المسار الديمقراطي برمته، والعودة ببلادنا إلى مربع الحكم الفردي.
 
وحمّلت النهضة السلطة القائمة تبعات هذا السجن المقنّع على الوضع الصحي للأستاذ كريم الهاروني، الذي لا يزال يخضع لعلاجات دقيقة منذ حادثة احتراق المقر المركزي للحركة أواخر سنة 2021.
 
ومن جانبها، تضامنت جبهة الخلاص الوطني التونسية مع عبد الكريم الهاروني ومع حركة النهضة ومؤسساتها السيادية".
وشددت على أن "التغاضي عن هتك الحقوق والحريات الدستورية، ودَوْس دولة القانون، إنّما يُعدّ مشاركة فيها، وسوف تدفع ثمنها كل مكونات المجتمع التونسي بلا استثناء".
 
وعلقت "جبهة الخلاص الوطني المعارضة" والنهضة جزء منها، أن القرار يأتي قبل "سويعات من انعقاد مجلس الشورى، الأحد 3 سبتمبر، للنظر في مسألة مؤتمر الحركة لهذا الخريف" معتبرة أن القرار تعسفي و"يأتي في سياق اعتقال القيادات التاريخية لحركة النهضة، وإغلاق جميع مقراتها، وتهديد كوادرها ومناضليها".
 
وفي بان لها، اعتبرت "جبهة الخلاص" الإجراء "حلقة من حلقات استهداف الديمقراطية والحريات في تونس، ومحاولة فرض التدخل في الحياة الداخلية للأحزاب، والتأثير على قراراتها السيادية".
 
حملة تشويه
 
وعوضا عن الاعتقالات وفرض الإقامة الجبرية، تشن السلطات التونسية حملة لتشويه رموز المعارضة وحركة النهضة أحد أبرز الفاعلين في المشهد التونسي.
حيث رفع منذر الونيسي الرئيس المؤقت لحركة النهضة -خلفا للشيخ راشد للغنوشي المعتقل بسجون قيس سعيد منذ 26 أبريل الماضي- دعوة قضائية للطعن في صحة تسجيلات مسربة نُسبت له، فيما قال راديو "موزاييك" الخاص إن "النيابة أذنت لفرقة أمنية بالبحث في ملابسات هذه التسجيلات"، بحسب وكالة "الأناضول".
 
ونفى "الونيسي" في فيديو بثه على منصته على "فيسبوك"، الإثنين 4 سبتمبر 2023، غداة نشر الصحفية التونسية شهرزاد عكاشة تسجيلا لجزء من اتصال هاتفي زعمت أنه جمعها بالونيسي في علاقة بالصراعات داخل حركة النهضة بالمرحلة القادمة.
وقال الطبيب والأكاديمي منذر الونيسي،56 عاما، في فيديو مسجل: إنه "لم يتواصل مع الصحفية التونسية المقيمة بالخارج، ولم يدلِ لها بأية تصريحات، ونفى رئيس الحركة بالنيابة أن يكون صرح للصحفية بمواضيع تخص حياة حزبه الداخلية".
 
وراج على صفحات التواصل الاجتماعي حديث عن تحالفات للنهضة مع رجال أعمال نافذين في منطقة الساحل (ولايات المهدية والمنستير وسوسة)، سعيا للتموضع مجددا في الخارطة السياسية، في ظل ما تشهده البلاد من تطورات وتغييرات سياسية منذ 25 يوليو 2021.
 
إلا أن "الونيسي" عضو مجلس الشورى بحركة النهضة منذ المؤتمر العام العاشر للحزب (2016)، نفى أيضا أن "يكون تقابل مع رجل الأعمال، رئيس فريق النجم الرياضي الساحلي لكرة القدم، عثمان جنيح وأبنائه، فضلا عن نفيه التداول معهم في مواضيع تخص الحياة السياسية في تونس ومساعٍ لترشيح جنيح للرئاسة"، بحسب مزاعم الصحفية عكاشة في التسجيل.
 
وقالت إذاعة موزاييك: إن "وكالة الجمهورية (النيابة) بالمحكمة الابتدائية أذنت للفرق الأمنية المختصة بمباشرة الأبحاث اللازمة للكشف عن ملابسات تسجيل صوتي منسوب إلى منذر الونيسي".
 
وأضافت الإذاعة، "تقرّر تكليف الفرقة الأمنية المختصة بإنجاز جملة من الإجراءات الفنية والعلمية اللازمة، بخصوص الأطراف ذات العلاقة بالتسجيل الصوتي والاطلاع على مدى صحته".
 
 
 
حملة توقيفات
ومنذ 25 يوليو 2021، تعاني البلاد من أزمة سياسية حادة، عوضا عن أزمة اقتصادية أكثر حدة بارتفاع معدلات التضخم والفقر وزيادة الأسعار، وارتبط ذلك بما بدأ الرئيس قيس سعيد من فرض إجراءات استثنائية، منها حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء.
وتعتبر قوى تونسية تلك الإجراءات "انقلابا على دستور الثورة (دستور 2014)، وتكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما قال سعيد، الذي تنتهي فترته الرئاسية في 2024، إنها كانت "ضرورية وقانونية" لإنقاذ الدولة من "انهيار شامل".