ممدوح الولي

خبير اقتصادي، نقيب الصحفيين الأسبق

 

أعلن مجلس الوزراء المصري مؤخرًا موافقته على قيام مؤسسة التمويل الدولية بإصدار سندات بالجنيه المصري في الأسواق الدولية، دون تفسير لذلك الإجراء الذي يتنافى مع تصريحات الحكومة عن التوجه لخفض الاقتراض، ووجود إمكانية للأجانب لشراء السندات المصرية منذ سنوات، لكن توقع خفض جديد بقيمة الجنيه جعل الأجانب يعزفون عن التوسع بشراء أدوات الدين الحكومي المصري من أذون وسندات خزانة.

ويأتي قرار مجلس الوزراء في إطار سلسلة من القرارات المتتالية الساعية لزيادة الحصيلة الدولارية، في ظل أزمة كبيرة لنقص العملة منذ أكثر من عام ونصف. وكان من بين الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية لجلب المزيد من الدولارات:

1- مبادرة لمنح المصريين بالخارج إعفاءات جمركية بنسبة 70 في المئة لإدخال سيارات خاصة، نظير إيداع قيمة تلك الرسوم بالدولار في حساب بأحد البنوك المصرية لمدة خمس سنوات بدون فوائد، على أن يتم استردادها بالجنيه المصري بسعر الصرف بتاريخ الاسترداد. لكن المبادرة التي توقع لها وزير المالية تحقيق 2.5 مليار دولار، لم تحقق سوى أقل من 400 مليون دولار، من بين حوالي 900 مليون دولار تمثل قيمة السيارات المسجلة بالمبادرة، رغم تمديد الحكومة للمبادرة لشهرين.

2- طرح أراض من خلال هيئة المجتمعات العمرانية للأفراد والشركات في العديد من المدن الجديدة، شريطة أن يتم الدفع بالدولار، واستمرت بمنح المزايا لتلك الطروحات عبر آلية التخصيص المباشر، بإتاحة مساحات كبيرة تصلح للمشروعات العمرانية، وخصم نسبة 15 في المئة من قيمة الأرض في حالة السداد الفوري لكامل القيمة. ورافق ذلك طرح وزارة الإسكان وحدات سكنية للمصريين في الخارج بالدولار في المدن الجديدة. كما سمحت الحكومة المصرية للأجانب بشراء أي عدد من العقارات، بعد أن كان الشراء المتاح لهم مسبقا لعقار واحد، لكن الوزارة لم تعلن حصيلة تلك الطروحات.

 

الجنسية والإقامة المؤقتة مقابل الدولار

3- عدلت الحكومة قانون الجنسية المصرية لتسهيل حصول الأجانب على الجنسية، والحصول على جواز السفر المصري نظير شراء العقارات أو الاستثمار في المشاريع المحلية أو إيداع الأموال في البنك المركزي، ولم تعلن الحكومة بعد عن الحصيلة التي تمت من خلال ذلك منذ إقرار البرلمان لتلك التعديلات في مايو الماضي، كما صدر قانون يعطي للمولودين في مصر لأب أو أم من أصل مصري وبلغوا سن الرشد، حق طلب التجنس بالجنسية المصرية نظير رسم عشرة آلاف دولار يحول من الخارج.

كما رخصت وزارة الداخلية للأجانب في الإقامة المؤقتة لغير السياحة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، لمن يتملك عقارا أو أكثر في مصر بمبلغ لا يقل عن مائتي ألف دولار أمريكي، ولمدة ثلاث سنوات لمن يتملك عقارا أو أكثر بمبلغ لا يقل عن مائة ألف دولار، ولمدة سنة لمن يتملك عقارا أو أكثر في مصر بقيمة لا تقل عن خمسين ألف دولار. وكذلك منح الإقامة المؤقتة لغير السياحة لمدة ثلاث سنوات بموجب وديعة مصرفية بقيمة مائة ألف دولار أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية، أو إقامة مؤقتة لمدة سنة بموجب وديعة مصرفية بمبلغ خمسين ألف دولار أو ما يعادلها بالعملات الأخرى.

4- إعفاء واردات الذهب بصحبة القادمين من خارج مصر من الضريبة الجمركية والرسوم الأخرى، فيما عدا ضريبة القيمة المضافة على المصنعية فقط بنسبة 14 في المئة منذ شهر مايو الماضي لمدة ستة أشهر، مما ساهم بدخول كميات من الذهب بلغت 194 كيلوغراما حتى منتصف يونيو الماضي، وانخفاض حالات التهريب واستقرار أسعار الذهب محليا لأشهر، حتى عاود الصعود بالشهر الحالي رغم انخفاضه عالميا.

وكان البنك المركزي قد حدد سبعة أيام لتوريد حصيلة تصدير الذهب من تاريخ الشحن في ديسمبر الماضي، وهو ما أسهم بتهدئة الأسعار في السوق السوداء لبضعة أسابيع ثم عاد السعر بها للصعود.

 

إعفاء من التجنيد وشهادات مرتفعة العائد

5- رفع سعر الفائدة على شهادات الإيداع الدولارية في البنوك الحكومية التي تبلغ مدتها ثلاث سنوات، من 2.25 في المئة إلى 5.3 في المئة أكتوبر الماضي، ثم إصدار شهادات إيداع دولارية بالشهر الماضي لمدة ثلاث سنوات بفائدة 7 في المئة يصرف عائدها بالدولار، وشهادات دولارية أخرى لنفس المدة بعائد 9 في المئة يصرف عائدها بالجنيه مقدما، لقطع الطريق على أصحاب الشهادات في إمكانية استردادها في حالة خفض قيمة الجنيه أمام الدولار.

وتشير بيانات الودائع بالعملات الأجنبية في البنوك لعدم تحقيق شهادات أكتوبر حصيلة كبيرة، كما لم تصدر أية بيانات عن البنكين الحكوميين اللذين أصدرا الشهادة الجديدة حول ما حققته الشهادات من حصيلة دولارية.

6- مبادرة في الشهر الماضي للمقيمين في الخارج ممن حلّ عليهم الدور للتجنيد، من سن 19 الى 30 سنة وكذلك ممن تجاوزا سن الثلاثين، لتسوية موقفهم التجنيدي مقابل إيداع خمسة آلاف دولار أو يورو في حساب لأحد البنوك المصرية في أبو ظبي، وأنه لن يسمح بتجديد جواز السفر للمصريين المقيمين في الخارج إلا بعد تسوية موقفهم التجنيدي.

7- وفي الشهر الماضي أعلنت وزارة النقل عن تيسيرات لسياحة اليخوت من خلال النافذة الرقيمة الواحدة لليخوت الأجنبية، التي تصدر فاتورة يتم تحصيلها الكترونيا وموافقة على الزيارة خلال نصف ساعة من إدخال البيانات والمستندات المطلوبة، وتحديد تعريفة موحدة لرسوم التراكي على جميع الأرصفة ومحطات الركاب والموانئ السياحية التابعة لوزارة النقل، وترك الحرية لأصحاب البواخر في اختيار مكان الرسو والمغادرة، سواء كان ميناء تجاريا أو مارينا أو مرسى خاصا، وعدم التقيد بالمغادرة من ميناء الوصول.

8- والشهر الماضي أعلنت هيئة قناة السويس تحصيل رسوم مقابل مكوث السفن -الرسو- في منطقة الانتظار بمخطاف بورسعيد بعد مرور 48 ساعة من توقيت دخولها، بقيمة 30 سنت عن كل طن من الحمولة الكلية للسفينة لليوم الواحد بداية من الشهر الحالي، وهو أمر لم يكن معمولا به من قبل لزيادة موارد القناة.

9- والشهر الماضي وضعت هيئة السكة الحديد المصرية تسعيرة لتذاكر القطارات بكل أنواعها؛ بالدولار للعرب والأجانب المقيمين أو القادمين لقضاء موسم الصيف، مع تطبيق زيادة بنسبة تتراوح بين 20 و25 في المئة على قيمة التذكرة للعرب والأجانب، مقومة بسعر السعر الرسمي بالمقارنة بأسعار تلك التذاكر للمصريين بالجنيه. وذكرت الهيئة أن الجزء الأكبر من تلك الحصيلة الدولارية سيوجه لاحتياجات الهيئة التي يتطلب استيرادها من الخارج، من قطع غيار ومهمات وأنظمة تشغيل، وتحويل الفائض للبنك المركزي والحصول على ما يقابله بالجنيه.

 

تصاعد العجز الدولاري بالبنوك رغم المبادرات

10- والشهر الحالي تم طرح وثيقة تأمين بالدولار للمصريين في الخارج، لتوفير تغطيات متنوعة منها المعاش أو حالات العجز الكلي والجزئي، بالتعاون بين البنك الأهلي المصري وشركة مصر لتأمينات الحياة، وكلاهما شركة حكومية، وهي الوثيقة التي تتيح ثلاثة خيارات للحصول على قيمتها عند الوصول لسن الاستحقاق حسب رغبة العميل، سواء بتسلم المبلغ دفعة واحدة أو على دفعات شهرية لمدة عشر سنوات أو على 15 سنة.

ورغم تلك الأساليب لجلب المزيد من الدولارات فمن الواضح أنها لم تجلب الحصيلة المطلوبة، بدليل تصاعد العجز الدولاري بالجهاز المصرفي ليبلغ 27.1 مليار دولار في يونيو الماضي، وشكوى العديد من الصناعات من نقص مستلزمات الإنتاج المستوردة، وشكوى رئيس الوزراء من صعوبة تدبير ما بين 250 و300 مليون دولار لاستيراد المازوت، لتشغيل محطات توليد الكهرباء لتقليل فترات انقطاع الكهرباء التي بدأت الشهر الماضي وتستمر الشهر الحالي، خاصة مع تراجع قيمة الصادرات السلعية بالنصف الأول من العام الحالي، وتوقف صادرات الغاز الطبيعي من شهر يونيو الماضي، وتراجع حصيلة تحويلات المصريين بالخارج وكذلك صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في الربع الأول من العام الحالي حسب آخر بيانات متاحة للبنك المركزي.

ولهذا استمرت الحكومة المصرية في المسارين الرئيسين لجلب الدولار، وهما بيع حصص من الشركات العامة والمزيد من الاقتراض، لكن بيع الحصص من الشركات يكاد ينحصر في الزبون الإماراتي، حيث مضى عام كامل على آخر مشتريات للحصص من قبل الصندوق السيادي السعودي، ولم يشارك الصندوق القطري أو الكويتي بشراء الحصص المطروحة بعد.

واستمرت الوزارات والبنوك بالاقتراض الخارجي، وأعلن وزير المالية عن برنامج لاقتراض 3 مليار دولار في النصف الثاني من العام الحالي، لكن ماذا تفعل تلك القيمة أمام أقساط وفوائد دين خارجي متوسط وطويل الأجل تبلغ 11 مليار دولار في النصف الثاني من العام الحالي، حسب البنك المركزي المصري، بخلاف أقساط وفوائد الاقتراض الخارجي قصير الأجل. وترفع مصادر أجنبية تلك القيمة المطلوب سدادها بنفس الفترة إلى 22 مليار دولار، وذلك بخلاف الدولارات المطلوبة لاستيراد غذاء المصريين من قمح وذرة وزيت طعام وسكر وغيرها، وكذلك لاستيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج اللازمة للصناعة.