لم ينطلق الرصاص من بنادق الحرس الجمهوري، على الساجدين فجر يوم 27 يوليو، إلا بعد أن ضغط (مدنيون) على زناد الكراهية والتحريض..

ولم ينقض الإنقلابيون على الشرعية، قبل ذلك بنحو شهر، إلا بعد مؤازرة ودعم (مدنيين)، تغنَوا طويلاً بمدنية الدولة وحقوق الانسان! لكنهم في لحظة ما، إنقلبوا على تلك المبادئ! فوَأَدوها بعدما رفعوها! وبصرف النظر عن دوافعهم في تأييد الإنقلاب، فإن الأمر بعد عشر سنوات من الانقلاب، يستوجب المراجعة والتقويم، لكيلا تتكرر المأساة، وتستمر الخديعة..

وبرغم أن دستور 2012، نظَّم عملية تداول السلطة وتغييرها، وبرغم طرح مبادرة، تتلخص في الإستناد للمادتين 141 و142 من الدستور، فيفوض رئيس الجمهورية رئيساً توافقياً للوزارء، يدعو إلى انتخابات مجلس النواب، ثم إنتخابات رئاسية مبكرة، ثم إجراءات لتعديل الدستور.

إلا أن العسكر ومؤيديهم من التيار (المدني)، رفضوا احترام الدستور والإحتكام إليه، كما رفضوا مناقشة تلك المباردة، وأصروا على السير بعيداً عن المسار الديمقراطي! فكانت مظاهرات 30 يونيو، وجمعة التفويض..

فمن دعى إلى مظاهرات 30 يونيو، التي كانت الفصل الأول فى انقلاب 2013، كانت وجوهٌ (مدنية) طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة! دون سند من دستور أو قانون! لكن العسكر خدعهم، فعطلوا دستوراً أقره الشعب، واختطفوا الرئيس، واعتقلوا برلمانيين وإعلاميين، وأغلقوا صحف وقنوات!

وحين فشلت مظاهرات 30 يونيو، أن تكون سنداً شرعياً للانقلابيين، بسبب كثرة حوادث التحرش والإغتصاب فيها، وبسبب مظاهرات أنصار الشرعية واعتصاماتهم من جهة أخرى...

بدأ عهد (المذابح)، بعدما استعان العسكر بسلاح (البلطجية) فى مواجهة مظاهرات أنصار الشرعية! وبمباركة أو تغافل الجناح المدني الإنقلابي:

  • مذبحة بين السرايات 2 يوليو، وسقط فيها عشرات القتلي والجرحى
  • مذبحة الحرس الجمهوري في 8 يوليو، وسقط فيها 200 مواطن
  • مذبحة رمسيس الأولى 15 يوليو، وسقط فيها أكثر من 100 مواطن
  • مذبحة المنصورة 20 يوليو، حيث استشهد فيها أربعة من النساء

 

وكان المتصَور أن تلك المذابح ستدفع الطرف المدني في الانقلاب، إلى التراجع عن تأييده للعسكر، أو على الأقل ينأى بنفسه عنه، لكن شيئاً من هذا لم يحدث! حيث استمرت تلك الوجوه فى مؤازرة الانقلاب والثقة به!

فلما فشلت تلك المذابح في وقف المظاهرات المناصرة للشرعية، أو على الأقل التقليل من أعدادها، لجأ الإنقلاب إلى جناحه (المدني) مرة أخرى..

فجاءت جمعة التفويض، كوسيلة أخيرة لإنقاذ شرعية الإنقلاب المهددة، حيث طلب قائد الإنقلاب من الوجه (المدني) النزول، لإعطائه تفويض بمواجهة العنف والإرهاب المحتمل! ومرة أخرى، إستجاب هؤلاء للعسكر، فنزلوا يوم 26 يوليو، ليُكمل الإنقلابيون مذابحهم في حق المصريين!

لتكون مذبحة المنصة فجر اليوم التالي (27 يوليو)، وتتبعها بعد أقل من شهر، المذبحة الأكبر في تاريخ مصر، مذبحة رابعة العدوية والنهضة.

كانت تلك الوجوه المدنية التي آزرت الإنقلاب ودعمته، طوال محطاته، لمثقفين وكتَّاب وفنانين وإعلاميين، وكذلك سياسيين قوميين وليبراليين، بعضهم شارك فى حكومة الانقلاب (أغلبهم لم يستقيل حتى بعد المذابح، وظلوا في الحكومة حتى استغنى الانقلاب عن خدماتهم)، وبعضهم لم يشارك في حكومة الإنقلاب، لكنه تابعها مؤازراً وداعماً، ومن هؤلاء:

رئيس حزب الوفد السيد البدوي الذي أيد مظاهرات التفويض، ورئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، الذي أشاد بخطاب السيسي ودعى المصريين إلى مساندته، وكذلك المحلل والصحفي الناصري عبد الله السناوي،  والروائي بهاء طاهر وعلاء الأسواني وكلاهما من مؤيدي 30 يونيو، وهشام قاسم الرئيس السابق للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، ومؤسس التيار الليبرالي الحر بعد ذلك، والذي قال: (دعوة السيسي هي الحل الوحيد للخروج من هذه الدوامة)، ومثله عماد جاد من مؤسسي التيار الليبرالي الحر بعد ذلك، والدكتور جمال زهران والدكتور محمد غنيم والدكتور أبو الغار، الذي شارك فى وضع دستور الإنقلاب فيما بعد..

هذه ليست دعوة للمحاكمة، فهذه متروكة للتاريخ وللشعب، إنما هى دعوة للتقويم والمراجعة، حتى لا تتكرر المأساة وتستمر الخديعة.