أ.د.فؤاد البنا 

من أهم مقاصد الحج والعشرية الأولى من ذي الحجة، مساعدة المسلم على إعادة ضبط حياته بعيدا عن الفوضى التي تصنعها الغفلات والنزوات بالتحالف مع كرّ الليالي وشياطين الإنس والجان!
إن هذا الموسم العبادي يمنح المؤمن الطاقة التي تساعده، إن أراد، في إعادة ترتيب أولوياته وفق بوصلة القرآن وخارطة الإيمان؛ بحيث يكبر ما هو كبير ويصغر ما هو صغير، ومن ثم فإنه يستعيد اليقين القلبي والعملي بأن (الله أكبر) من كافة الكبراء والطواغيت الذين يرهبونه طيلة العام بما يملكون من سطوة وسلطة، وبأن ما عند (الله أكبر) من سائر الشهوات والملذات التي تقف متزينة له في طريق استقامته، بما تمتلك من حبائل الإغراء والإغواء!

ومن هنا فقد كان (التكبير) هو العنوان الأبرز لعبادات الحج وعشرية ذي الحجة، وينبغي إشاعته بشكل فردي وجماعي كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بحيث يلهج اللسان بالتكبير، وينهمك العقل في التفكير، ويشتغل البدن في التحقيق العملي لعبارة (الله أكبر) في سائر مناحي الحياة، بحيث لا تكذب أفعالُ المسلم أقواله، ولا يجده الله إلا حيث أراد له أن يكون، مستجلبا عقيدة الولاء والبراء حتى تجده منحازا بجانب الضعفاء ومتخندقاً ضد الظالمين!

وبهذا المنهج يصير (التكبير) إكسيرا لبعث الحياة في القلوب التي غطاها ران الكسب الخبيث أو الغفلة السادرة، ويصبح ترياقا لتخليص فاعلية المؤمن من طعنات الخوف من غير الله ومن جروح السقوط في مهاوي الشهوات، فتجده متحررا من شتى الأغلال والقيود، ومقداما في مواجهة سائر الأنداد والطواغيت!

وبهذا يعود الوهج لإيمانه، والعافية لفاعليته، وينضم بكل طاقاته إلى صفوف المصلحين، ويتعاضد مع من يهمهم استعادة الأمة لخيريتها وشهودها الحضاري المنشود!