أحمد عبده

كاتب صحفي 

 

مع ارتفاع تكلفة الحج، ووصولها إلى أكثر من 300 ألف جنيه، وإحجام عدد كبير من المواطنين عن الحج هذا العام، فإن الإسلام لم يتركهم هباءً، وإنما أوضح لهم أن هناك أعمالاً يمكن لمن يفعلها خلال الأيام العشر من ذي الحجة أن تضيف له ثواب الحج، مع أنع لم يذهب إلى البيت الحرام حقيقة.

هذا الصنف من الناس تعلقت قلوبهم ببيت محبُوبِهم، فكلما ذكر لهم ذلك البيت حَنّوا، وكلما تذكروا بعدَهم عنه أنّوا، فهؤلاء كالذين قال الله فيهم: "وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ"(التوبة 92).

يا راحلين إلـى منـى بقيـادي    هيجتموا يوم الرحيـل فـؤادي

سرتم وسار دليلكم يا وحشتـي    الشوق أقلقني وصوت الحـادي

يُروى عن عبد الله بن المبارك (رحمه الله) أنه َخَرَجَ مَرَّةً إِلَى الْحَجِّ، فَاجْتَازَ بِبَعْضِ الْبِلَادِ، فَمَاتَ طَائِرٌ مَعَهُمْ، فَأَمَرَ بِإِلْقَائِهِ عَلَى مَزْبَلَةٍ، وَسَارَ أَصْحَابُهُ أَمَامَهُ وَتَخَلَّفَ هُوَ وَرَاءَهُمْ، فَلَمَّا مَرَّ بِالْمَزْبَلَةِ إِذَا جَارِيَةٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ دَارٍ قَرِيبَةٍ مِنْهَا، فَأَخَذَتْ ذَلِكَ الطَّائِرَ الْمَيِّتَ، فَكَشَفَ عَنْ أَمْرِهَا وَفَحَصَ، حَتَّى سَأَلَهَا، فَقَالَتْ: أَنَا وَأُخْتِي هَاهُنَا، لَيْسَ لَنَا شَيْءٌ إِلَّا هَذَا الْإِزَارَ، وَقَدْ حَلَّتْ لَنَا الْمَيْتَةُ، وَكَانَ أَبُونَا لَهُ مَالٌ عَظِيمٌ، فَظُلِمَ وَأُخِذَ مَالُهُ وَقُتِلَ. فَأَمَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ بِرَدِّ الْأَحْمَالِ، وَقَالَ لِوَكِيلِهِ: كَمْ مَعَكَ مِنَ النَّفَقَةِ؟ فَقَالَ: أَلْفُ دِينَارٍ. فَقَالَ: عُدَّ مِنْهَا عِشْرِينَ دِينَارًا تَكْفِينَا إِلَى مَرْوَ، وَأَعْطِهَا الْبَاقِيَ، فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ حَجِّنَا فِي هَذَا الْعَامِ. ثُمَّ رَجَعَ (البداية والنهاية لابن كثير، ج 13، ص: 611).

تقول بعض الروايات: حين عاد الحجيج ذهب بن المبارك ليهنئهم بسلامه العودة، فقالوا له: نهنئك أنت يا ابن المبارك فقد كنت معنا فى كل موقف وعند كل نسك!! فقال لهم هل رأيتموني؟ فيقولون له: نعم لقد هيأ الله سبحانه وتعالى ملكًا على صورتك فحج عنك جزاء صدقتك على اليتامى.

يا راحلين إلى البيت العتيق لقد     سرتم جسومًا وسرنا نحن أرواحًا

إنا أقمنا على عذر وعـن قدر     ومن أقـام على عذر فقـد راحـا

ولمّا علم الله هذا من حالهم؛ فقد منَّ عليهم سبحانه بأعمال تثلج صدورهم، وتطفئ نار الشوق والحنين إلى بيت رب العالمين، فشرع لهم من الأعمال ما يعطيهم به أجر الحجاج والعُمّار، وهذه الأعمال كالماء البارد على الظمأ، وهي البلسم الشافعي والدواء الكافي التي تروي غليل القلوب المشتعلة شوقًا لرؤية البيت العتيق، ومسجد الحبيب (صلى الله عليه وسلم)، وإليك طرفًا من هذه الأعمال:

 

1) أداء الصلاة المكتوبة في المسجد

أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أبي أمامة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة ومن مشى إلى صلاة تطوع (أي صلاة الضحى) فهي كعمرة نافلة".

وأخرج أبو داود من حديث أبي أمامة أيضًا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين". (والمقصود بتسبيح الضحى: يريد صلاة الضحى وكل صلاة يتطوع بها فهي تسبيح وسُبحة. ومعنى: لا ينصبه: أي لا يتعبه ولا يزعجه إلا ذلك).

فكل من يحافظ على الصلوات يكون شريكًا للحاج يوم حجه، فأجره كأجر الحاج المُحرم كما أخبر بذلك النبي (صلى الله عليه وسلم).

 

2) ذكر الله حتى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين

أخرج الترمذي من حديث أبي أُمامة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله عزَّ وجل حتى تطلع الشمسُ ثم قام فصلى ركعتين كتب له أجر حِجة وعمرة تامة تامة تامة".

فإذا جلست عن هذا العمل الجليل وهو الحج وذلك لعذر، فهاك الأجر فلا يفوتك، إذا كنت صادق النية.

وعند الترمذي من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكُرُ اللهَ حتى تطلع الشمسُ ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجةٍ وعمرةِ تامة تامة تامة متقبلتين".

 

3) صلاة العشاء والغداة في جماعة

أخرج الإمام مسلم من حديث أبي ذر (رضي الله عنه): "أن أناسًا من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): أو ليس قد جعل الله لكم صلاة العشاء في جماعة تعدل حجة، وصلاة الغدة في جماعة تعدل عمرة".

 

4) الأذكار بعد الصلاة

أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه): "أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المُقيم، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال: يحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون. فقال (صلى الله عليه وسلم): ألا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين".

قال أبو صالح الراوي عن أبي هريرة: "لما سئل عن كيفية ذكرهن قال: يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاثًا وثلاثين".

 

5) حضور مجالس العلم في المسجد

فقد أخرج الطبراني والحاكم عن أبي أمامة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يعلمه كان كأجر حاج تامًا حجته".

 

6) الدعوة إلى حضور مجالس العلم والترغيب فيها

فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا".

فربما تدعو مسلمًا إلى درس علم، فيحضره، فتأخذ مثل أجره – أجر حاج تامًا حجته – وربما تدعوه ولا تستطيع أنت الحضور لعذر ألمَّ بك، فيذهب صديقك وتأخذ الأجر مثله.

 

7) عمرة في رمضان

 فإن عجزت عن الذهاب إلى الحج لقلة النفقة فاجتهد أن تعتمر في رمضان فإن هذا فيه ما فيه من الأجر فهو يعدل كحجة مع النبي (صلى الله عليه وسلم). فقد أخرج البخاري ومسلم واللفظ لمسلم عن عبد الله بن عباس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لامرأة من الأنصار يُقال لها أم سنان: "ما منعك أن تكوني حججت معنا؟ قالت: ناضحان كانا لأبي فلان- زوجها- حج هو وابنه على أحدهما وكان الآخر يسقي غلامنا. قال: فعمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي".

وفي رواية أحمد والترمذي: "عمرة في رمضان تعدل حجة".

 

8) بر الوالدين

‌أخرج أبو يعلى بسند جيد أن رجلًا جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال: "إني اشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برِّها، فإذا فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد".

وعند الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب من حديث أنس (رضي الله عنه) بلفظٍ أخر: "أنه أتى رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: إني أشتهي الجهاد وإني لا أقدر عليه، فقال له الرسول (صلى الله عليه وسلم) هل بقي أحد من والديك؟ قال: أمي، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اتقِ الله فيها، فإن فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد".

ولا عجب ولا غرور في ذلك، فأمتنا أمة مرحومة كتب الله عليها أعمال هي صغيرة في العمل ولكنها كبيرة في الأجر، ككلمة آمين خلف الإمام، وكليلة القدر، وكصيام يوم عرفة، وكصيام يوم عاشوراء، وكالذكر الذي هو غراس الجنة، وكالدعاء عند الانتهاء من الطعام، وكالسعي للجمعة.. وغير ذلك.