للشهر الرابع على التوالي، يستقر سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأمريكي وأمام العملات الأجنبية بالسوق الرسمية منذ شهر مارس الماضي، ولكن هذا الاستقرار لم يُحسّن نظرة المؤسسات الدولية والبنوك الغربية لمستقبل الجنيه.

ومن تعويم نوفمبر 2016 إلى تعويم مارس 2023، يتوالى تخفيض الجنيه، إضافة إلى انتظار مراجعات صندوق النقد الدولي لتنفيذ التعويم الرابع، وهو ما عزز التكهنات حول استمرار مسلسل الهبوط.

 

قلق لدى المستثمرين ووكالات التصنيف الائتمانية

وأشار تقرير بنك "ستاندرد تشارترد"، الذي صدر الخميس الماضي، إلى أن مصر بحاجة لسداد حوالي 25 مليار دولار سنويًا على مدى السنوات الأربع المقبلة (2024-2027) بما في ذلك 10.3 مليار دولار مدفوعات لصندوق النقد الدولي، و6.2 مليار يورو للسندات المقومة باليورو "يوروبوند"، وذلك خلال العامين الماليين المقبلين.

وأكد البنك الإنجليزي أن مخاطر التمويل السابق ذكرها، والتي ستواجه مصر الفترة المقبلة، من شأنها أن تسبب قلق لدى المستثمرين ووكالات التصنيف الائتمانية.

 

تراجع الجنيه نحو الـ 45

وأرجع التقرير الذي أعده المحلل الإستراتيجي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط لدى البنك السويسري، فهد إقبال، هذه التوقعات المتشائمة إلى الجمود الذي أصاب الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، خاصة فيما يتعلق ببرنامج الطروحات الحكومية وتطبيق سعر مرن للجنيه، وفقًا لـ"Investing".

وعلى الجانب الآخر، توقع البنك السويسري حدوث تراجعات قياسية بالجنيه أمام الدولار الأمريكي، حيث أشار إلى انخفاض قدره 30% مقارنة بالسعر الحالي، ليصل سعر صرف الجنيه إلى ما يقرب من 45 جنيهًا للدولار الواحد.

وعدّل "كريدي سويس" مستهدفه لسعر صرف الدولار أمام الجنيه خلال 3 أشهر إلى ما يتراوح بين 45 و50 دولار. فيما عدّل توقعاته للسعر خلال الـ 12 شهرًا إلى ما يتراوح بين 33 و34 جنيهًا لكل دولار، مشيرًا إلى أن هذا السعر يضيف علاوة بين 25 إلى 30% فوق سعر الصرف الفعلي الحقيقي، بشرط أن تنجح الحكومة خلال تلك الفترة في تحقيق تقدم بشأن الإصلاحات.

وأضاف التقرير أنه كلما طال الوقت الذي تستغرقه الحكومة في الشروع في خطوات الإصلاح التي طال انتظارها، كلما زادت شدة تسعير السوق لمخاطر تخفيض قيمة العملة. مشيرًا إلى أن حكومة الانقلاب تسير في خططها لطرح حصص في 32 شركة، لكن "التراجع الكبير في سعر صرف الجنيه أدى إلى وجود فجوة بين سعر البيع الذي كانت تخطط الحكومة له".

وأشار البنك أيضًا إلى أن القيمة العادلة للدولار مقابل الجنيه، والتي يتم قياسها بسعر الصرف الفعلي الحقيقي، تدهورت بسبب ارتفاع التضخم المحلي.

وعلى الجانب الآخر، أكد المصرف السويسري أنه في حين أن التضخم من المرجح أن يتراجع في الأشهر المقبلة، إلا أن التأخير في عملية الإصلاح قلل مع ذلك من احتمالية الاتجاه الصعودي طويل الأجل للجنيه.

 

دهورة الجنيه

واعتبر أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، حسن الصادي، أن مثل تلك التقارير تستهدف النيل من الاقتصاد الوطني وليس النيل من العملة المحلية فقط، لأن مثل تلك المطالب رغم تنفيذها أكثر من مرة كانت لها تداعيات قاسية على الحكومة والمواطن المصري دون تأثير إيجابي.

ويعتقد الخبير الاقتصادي، وفقًا لـ"الجزيرة"، أن "دهورة الجنيه" المصري لن تؤدي إلى تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، لأن المستثمر لن يستطيع احتساب قيمة مصروفاته وأرباحه في ظل تقلب سعر الصرف، ومن ثم فإن استقرار سعر الصرف هو مفتاح جذب الاستثمار.

 

تأثير خفض الجنيه على الديون

وتلقي حكومة الانقلاب باللوم على تغير سعر صرف الجنيه أمام الدولار في ارتفاع نسبة الدَّين إلى إجمالي الناتج المحلي هذا العام إلى 95% بدلًا من 80%.

وانعكس ذلك بالتبعية على ارتفاع نسبة الفوائد على الديون إلى نحو 37.4% من مصروفات الموازنة المقبلة البالغة نحو 2.9 تريليون جنيه بعد ارتفاع الفوائد إلى تريليون و120 مليار جنيه، (الدولار يساوي 30.9 جنيها).

واعتبر الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار أن "تخفيض الجنيه رسميًا أو انخفاضه فعليًا في السوق هو تعبير عن عجز هيكلي في الاقتصاد لا تصلحه الديون"، مشيرًا إلى أن "انخفاض الجنيه يعني ارتفاع التضخم، وارتفاع التضخم يأكل قيمة الجنيه فينخفض، ثم يؤدي الانخفاض الجديد إلى زيادة جديدة في التضخم".

وأكد في منشور له على موقع فيسبوك أن الادعاء بأن الأزمة التي تعيشها مصر هي بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا أو جائحة كورونا هو ادعاء كاذب، وقال إن "الحكومة المصرية تربحت من أزمة كورونا، وتربحت وما تزال من الحرب الروسية الأوكرانية".

ورأى نوار أن إرجاء اتخاذ إجراءات جادة في الإصلاحات الهيكلية هو "جريمة في حق هذا البلد لا يقبلها أي وطني عاقل، وكلما تأخرت الإصلاحات الهيكلية، زادت الخسائر وتدهور الوضع".