استعرضت صحيفة "واشنطن بوست" ما أسمته بالمشاهد الكئيبة - في وصف استقبال جامعة الدول العربية للرئيس السوري "بشار الأسد" قائلة: "كان هناك الرئيس السوري (بشار الأسد) يبتسم ابتسامة عريضة وهو يسير على مدرج المطار بعد هبوطه في مدينة جدة. وكان هناك مفوضون من المملكة، بمن فيهم ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، رحبوا به في أحضان دافئة. وهناك جلس "الأسد" في جلسة مع قادة الدول العربية الأخرى، ورحب بعودته إلى الحظيرة".


وقالت في تحليل كتبه "إيشان ثارور": "قبل عقد من الزمن، كان المسؤولون في دول الخليج يتآمرون على طرق للإطاحة بـ"الأسد"؛ حيث  ضخوا الموارد والأسلحة في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، ودعموا مجموعة متنوعة من المتمردين المناهضين لـ"الأسد". بينما وجه "الأسد" بنادقه إلى شعبه وقصف المدن السورية وأطلق العنان للأسلحة الكيماوية على المدنيين، ووضع النظام في حالة جمود عميق، أخرجوه من جامعة الدول العربية".
لكن "الأسد" يسيطر بحكم الواقع على غالبية بلاده، وفي حين أن المتمردين السوريين وأنصارهم خاضعون للقمع والتشتت، إلا أن القوى الإقليمية التي استثمرت ذات مرة في إقالته حولّت اهتمامها وأولوياتها في مكان آخر. 


وقالت الناشطة البريطانية السورية "رزان صفور" معلقة على عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية: "لقد خذلنا المجتمع الدولي تمامًا".
وقالت "وفاء علي مصطفى" 32 عاماً، وهي منفية سورية في ألمانيا، لصحيفة "واشنطن بوست": "بدلاً من تحميل الأسد المسؤولية عن جرائمه الشنيعة ... يتم الترحيب به وحتى مكافأته، كما لو أن السنوات الاثنا عشرة الماضية من المعاناة وإراقة الدماء لم تحدث أبداً". وحذرت "وفاء" من عملية "تطبيع" نظام الأسد التي تبدو جارية بين جيرانه العرب.

 

القادة العرب يواصلون محاولة دفن الربيع العربي
ولفتت الصحيفة إلى استخدام "الأسد" ظهوره في جدة ليصور نفسه مرة أخرى على أنه دعامة للاستقرار في منطقة مضطربة. وقال في الاجتماع: "من المهم ترك الشؤون الداخلية لأبناء البلاد لأنهم هم الأقدر على إدارتها". 
 طوال الوقت، يطحن الديكتاتور السوري فأسه الأيديولوجية؛ حيث أطلق ضربة قوية على تركيا المجاورة، التي يمثل وكلائها بعض المعاقل الرئيسية لحكم دمشق. وحذر "الأسد" من "خطر الفكر العثماني التوسعي". 
هذا الخطاب، إلى حد ما، هو مخزون وتجارة بعض نظراء "الأسد" في جامعة الدول العربية. وفي الأشهر التي سبقت وصول "الأسد" إلى السعودية، وقدم نظامه مبادرات ناجحة لبلدان مثل تونس ومصر، وكلاهما عزز قادتهما الاستبداديين قواعدهما من خلال حملات القمع ضد الإسلاميين.
بالنسبة للمضيفين السعوديين للجلسة، فإن عودة الأسد إلى الحظيرة هي جزء من محاولة أوسع لتخفيف الاحتكاكات في الشرق الأوسط، بعد سنوات من الاستقطاب الجيوسياسي والحروب المدمرة والاضطرابات الاجتماعية. وعبر ولي العهد عن أمله الجمعة في أن تؤدي عودة "الأسد" إلى جامعة الدول العربية "إلى إنهاء أزمتها".

 

"زيلينسكي" يحضر القمة العربية
وحضر الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" القمة في جدة كمحطة توقف في طريقه إلى اجتماع مجموعة السبع في اليابان. ودعا القادة العرب إلى "إلقاء نظرة صادقة" على الحرب التي تخوضها روسيا في بلاده، مع انتهاكاتها لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي.
قال "زيلينسكي": "للأسف هناك البعض في العالم، وهنا بينكم، يغضون الطرف عن عمليات الضم غير القانونية". 
وذكرت الصحيفة أنه غرفة مزدحمة بأصدقاء الكرملين وحلفائه، كان "الأسد"، الذي أُنقذ نظامه بتدخل روسي في عام 2015، على رأس المجموعة.


ومع ذلك، فإن الحرب في أوكرانيا، والاضطرابات الواسعة النطاق للأسواق التي أثارتها، قد ركزت العقول في الشرق الأوسط على الحاجة إلى مزيد من الاستقرار في عصر من عدم اليقين. وتعمل السعودية على إصلاح العلاقات مع خصمها القديم إيران وتبحث عن مخرج من الحرب في اليمن، حيث تعطي الأولوية لخططها الطموحة للتنمية في الداخل.
نظر المسؤولون الأمريكيون والدبلوماسيون الغربيون بقلق إلى إعادة التأهيل السياسي للنظام السوري. ومع دعوة دول مثل الأردن والجزائر والإمارات إلى تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، يكثف المشرعون الأمريكيون جهودهم لتمرير جولة جديدة من التشريعات التي تعاقب نظام "الأسد" وتتجنب المزيد من التطبيع.


وقال مصدر خليجي مقرب من الدوائر الحكومية لرويترز: "الأمريكيون فزعون. نحن (دول الخليج) أناس يعيشون في هذه المنطقة، نحاول حل مشاكلنا بقدر ما نستطيع بالأدوات المتاحة لنا في أيدينا".
وذكرت الصحيفة أن هذا التحول قد يعكس أيضًا تراجع شهية الولايات المتحدة للانخراط في المنطقة، حيث تضع واشنطن أعينها على تحديات الشرق وتتخذ مقعدًا خلفيًا في الشؤون العربية.
وقالت"منى يعقوبيان"، نائبة رئيس مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الأمريكي للسلام، لقناة الجزيرة: "ربما تكون إدارة بايدن قد أجرت حسابات تفاضلية مفادها: حسنًا، المنطقة تمضي قدمًا في التطبيع. ربما تكون المشكلة إذن هي الحصول على شيء مقابل ذلك، والحصول على تنازلات".

 

احتضان العرب للأسد يؤكد الخلاف مع الولايات المتحدة 
من غير الواضح مدى أهمية هذه التنازلات. ويشير الخبراء إلى انتشار تجارة الكبتاجون غير المشروعة، وهو مخدر أصبح تصديره غير المشروع ضخمًا في سوريا والذي قد يكون تأثيره الخطير على المنطقة مصدر ضغط لدمشق.
لكن ليس من الجينات الوراثية للأسد التنازل، لذلك سيأتي وقت تصل فيه إعادة الارتباط إلى انسداد - حيث تصبح الخطوة التالية، الاستثمار الاقتصادي القوي، غير مقبولة دبلوماسيًا أو تمنعها العقوبات الغربية.


وختمت الصحيفة باقتباس قول "ويليام ويشسلر"، المسؤول السابق في البنتاجون الذي يرأس برامج الشرق الأوسط في "أتلانتيك كآونسل": "لكن في الوقت الحالي، فإن التطبيع في سوريا يسير بخطى سريعة. الدول العربية تحكم بدقة على موقف الولايات المتحدة من التطبيع، وهو أن الولايات المتحدة لا تريد أن يكون لها بصماتها، ولا تريد دعمه، لكن الولايات المتحدة لن تفعل أي شيء لمنع التطبيع".

https://www.washingtonpost.com/world/2023/05/22/assad-saudi-arabia-reflects-middle-easts-new-normal/