بعد شهر كامل من الصيام اليومي والصلوات والأجواء الروحانية، يحتفل المسلمون حول العالم بعيد الفطر، وهو احتفال يستمر ثلاثة أيام.
هذه المناسبة ينظر إليها على أنها فرصة للمسلمين لإظهار الشكر والامتنان، والاجتماع مع الأصدقاء والأقارب من أجل الاستمتاع بأطباق خاصة وحلويات شهية. كما يتبادل المسلمون الهدايا والزيارات مع أشخاص لم يروهم منذ فترة طويلة، ويتذكرون أيضا أحبتهم الذين رحلوا عن الحياة.
و يحرم على المسلمين الصيام في أول أيام العيد. وعوضا عن ذلك فإنهم يبدؤون الشعائر بإخراج زكاة الفطر، وهو تبرع خيري إجباري يتم تقديمه للفقراء. بعد ذلك يلتقي الناس في صلاة العيد، بعد أن يرتدوا أجمل ملابسهم.
بعد ذلك يتبادل المسلمون التهاني بمناسبة العيد، وفي دول الشرق الأوسط على سبيل المثال تتردد كلمة "عيد سعيد"، "كل عام وأنتم بخير"، أو تستخدم العبارة البسيطة "عيد مبارك".
هذه العبارات الثلاثة هي الأكثر استخداما من طرف المسلمين سواء كانوا من العرب أو غير العرب، إلا أن بعض الجاليات المسلمة في دول أخرى تستخدم ثقافتها ولغتها المحلية للتعبير عن الفرح بهذا العيد.
وفي ما يلي ستة طرق للتهنئة بالعيد والاحتفال به في دول مختلفة.
شبه جزيرة شعب المالاي.. سلامات هاري رايا
بعد الانتهاء من صلاة العيد في المسجد أو في ساحة كبيرة في إحدى المنتزهات أو الميادين، يتبادل المسلمون التهاني باستخدام عبارة "سلامات هاري رايا"، والتي تعني يوم احتفال سعيد بلغة الملايو. هذه اللغة يتحدثها شعب الملايو في ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وبروناي.
هذه التهاني غالبا تعقبها كلمات مثل "ماف زهير دان باتين" والتي تعني أنا أطلب منك الصفح، وهي تقال غالبا للأصدقاء والأقارب الأكبر سنا. ويحصل الأطفال على مغلفات خضراء صغيرة تحتوي على مبلغ مالي بسيط، وهي تسمى "سامبول دويت رايا"، ويتم منحها للأطفال لشراء حلويات وألعاب.
وغالبا ما ترتدي العائلات ملابس تقليدية تكون كلها متشابهة، كعلامة على الوحدة العائلية. ومن المعتاد في هذه الدول أن يشاهد الزائر مختلف الأجيال داخل العائلة ترتدي نفس اللون ولكن بدرجات ضوئية مختلفة، ويقفون كلهم لالتقاط صورة للذكرى.
ولاحقا يجتمع المحتفلون لمشاركة الطعام، على غرار طبق كيتوبات وهي فطائر كعكة الأرز، وطبق كو ناستار وهي فطائر الأناناس، وطبق ليمانغ الذي يصنع من الأرز المطبوخ بحليب جوز الهند داخل سيقان الخيزران المجوفة، إلى جانب ريندانغ، وهو جوز الهند الحار المطبوخ ببطء مع اللحم والكاري.
ويوجد اليوم أكثر من 16 مليون مسلم في ماليزيا، وقد انتشر هذا الدين ببطء في شبه الجزيرة بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر عبر التجار العرب والهنود.
غانا.. ني تي يون بالي
في غانا يوجد الكثير من المسلمين في شعب أكان الذي يعد أكبر مجموعة عرقية في البلاد. ويتبادل هؤلاء التهاني بعبارة "ني تي يون بالي" التي تعني موسم أعياد جديد سعيد.
ويتوجه المصلون في العاصمة أكرا نحو مسجد كوماسي المركزي، أو مسجد غانا الوطني الذي بني حديثا على الطراز التركي وبتمويل من أنقرة.
وفي شمال غانا حيث تستخدم لغة الهاوسا، يتبادل المسلمون التهاني في عيد الفطر بعد صلاة العيد بعبارة "باركا دا صلاه"، التي تعني صلوات عيد مباركة. كما يحصل الأطفال على مبالغ صغيرة من المال ليشعروا بالغبطة.
وتتزين طاولة الطعام في العيد بأطباق غانية خاصة، مثل جولوف وهو أرز متبل مطبوخ في مرق اللحم وصلصة الطماطم، وطبق واكيه وهو يحضر من الأرز والفاصوليا مع توابل مختلفة.
ويستمتع الناس في الشوارع خلال هذا العيد بمباريات كرة القدم والعروض الموسيقية والحفلات المفتوحة.
ويوجد في غانا أكثر من خمسة ملايين مسلم، وقد وصل هذا الدين إليها من خلال التجار في القرن 15.
ويعتبر مسجد لاربانغا في منطقة السافانا في وسط غانا واحدا من أقدم المعالم الإسلامية في هذا البلد، حيث تأسس في العام 1421.
ألبانيا.. جوزوار بجرامين
يجتمع المصلون في ساحة سكندربيغ في العاصمة تيرانا، ويتبادلون التهاني بعبارة "جوزوار بجرامين" التي تعني أتمنى لك السعادة خلال هذا العيد.
وتأتي عبارة بجرامين من عبارة بايرام، التي تعني باللغة التركية الاحتفال. وفي تركيا يتم استخدام عبارة "بايرام كوتلو أولسون" للتهنئة بهذه المناسبة.
ويحصل الأطفال في العيد على ملابس جديدة ومبالغ مالية ليشغلوا أنفسهم بالطعام وشراء الحلويات. وغالبا ما يتم قضاء اليوم الأول في المنزل، للاستمتاع بأطباق تقليدية مثل بيريك، وهي فطيرة محشوة بالجبن والسبانخ. وفي اليوم الثاني والثالث تبدأ زيارات الأصدقاء والأقارب.
وتعتبر ألبانيا واحدة من ثلاث بلدان أوروبية فقط يمثل فيها المسلمون أغلبية، حيث يتجاوز عددهم 1.7 مليون. والبلدان الآخران هما البوسنة والهرسك وكوسوفو.
وقد وصل الإسلام إلى ألبانيا إبان الحكم العثماني في القرن الخامس عشر، وبعد مئات السنوات بات هذا البلد معقلا لمجموعة صوفية تنحدر من تركيا تسمى البكتاشية. وقد تم نفي مؤسس هذه المجموعة من تركيا في 1928، واستقر في تيرانا أين انتشر فكره الصوفي بين الناس.
ولكن لاحقا تم حظر كافة أشكال العبادة في ألبانيا لمدة خمسين سنة تحت الحكم الشيوعي، حيث تم منع اعتناق الأديان. وقد قام أنور خوجة الحاكم الشيوعي للبلاد بإعلان ألبانيا دولة ملحدة في عام 1967، ودمر أو صادر كل مساجد وكنائس ومعابد البلاد، وكل من يقبض عليه بصدد التعبد كان يتم سجنه.
ولكن الصيام تواصل خلال هذه السنوات باعتبار أن الصائم يمكنه إخفاء هذه الشعيرة، ولذلك فقد تمسك كثيرون من مسلمي ألبانيا بشهر رمضان.
وبعد سنوات قليلة من وفاة خوجة، وبالتحديد في 1991، تم رفع الحظر على الممارسات الدينية، وفي العام الموالي، انضمت ألبانيا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي.
الأكراد.. جزنت بيروز
عبارة "جزنت بيروز" تعني عيد سعيد باللهجة السورانية التي يتحدثها أكراد العراق وإيران. وتعتبر الكردية رابع أكثر اللغات استخداما في الشرق الأوسط، بعد العربية والتركية والفارسية.
وفي العيد يتم أداء الصلاة في الصباح ثم تناول الطعام مع العائلة. ومن الأطباق المميزة في هذه المناسبة هنالك الكوليشا وهي حلويات محشوة بمعجون التمر، وتشبه المعمول الذي يتم تحضيره في عدة بلدان في الشرق الأوسط.
وينتشر أيضا باعة الألعاب والبالونات في الشوارع، ويقبل عليهم الأطفال بعد أن يحصلوا على الهدية المالية. ورغم أن كردستان ليست دولة مستقلة، فإنها منطقة جغرافية يوجد فيها بين 20 و25 مليون كردي، منتشرين حاليا بين تركيا وسوريا والعراق وإيران.
الصين.. كوايشاي جي كوايلي
يعيش في الصين حوالي 28 مليون مسلم. وتوجد في هذا البلد 56 مجموعة عرقية، عشرة منها تضم أغلبية مسلمة.
وفي الصين يحتفل المسلمون بالعيد في مناطق معينة فقط، حيث يسمح لهم بإقامة الشعائر الدينية. ويقوم هؤلاء بحرق أعواد البخور في المنزل قبل الذهاب للمسجد وأداء صلاة العيد، ثم تبادل التهاني باستخدام عبارة "كايشاي جي كوايلي"، التي تعني عيد سعيد. وتتم أيضا زيارة قبور الأحبة في عادة لإظهار الاحترام للأجداد والأسلاف، قبل بداية الاحتفالات.
وبعد ذلك تعود العائلات للمنزل للاحتفال بالعيد من خلال أطباق شهية مثل سانغزا، وهو عبارة عن عجين دقيق مقلي ومكدس في شكل هرمي يتم تقديمه مع الشاي. ويستمتع الأطفال والكبار بعروض فرجوية في الشوارع، مثل الفنون القتالية والمشي على العصي ورقصة التنين الشعبية.
وينقسم مسلمو الصين أساسا إلى اثنين من أكبر المجموعات العراقية، هما شعب هوي الذي يقال أنهم ينحدرون من تجار طريق الحرير، وشعب الإيغور الذين ينحدرون بحسب الروايات من أصول تركية.
ويوجد أغلب أبناء هوي في منطقة نينغشيا التي تتمتع بحكم ذاتي في شمال وسط البلاد. ويتواجد الأيغور في محافظة شينجيانغ في شمال غرب الصين، ويتواجدون في الحدود مع منغوليا وروسيا والهند.
وفي الواقع تشير التقديرات إلى أن 1.8 مليون من الأقلية المسلمة الأيغورية محتجزون داخل معسكرات في هذه المنطقة منذ 2017، وهؤلاء تتم معاقبتهم بسبب القيام بأشياء بسيطة مثل الصلاة اليومية. وقد حاولت السلطات الصينية في البداية نفي هذا الأمر، ولكنها لاحقا باتت تسمي هذه المعسكرات مدارس داخلية لمكافحة التطرف.
هذه السياسة الحكومية وصفت بأنها تهدف لفرض إسلام صيني، حيث تسيطر الدولة على حرية العبادة.
روسيا.. عيد مبارك
يوجد في روسيا 20 مليون مسلم أغلبهم في العاصمة موسكو وفي جمهورية تتارستان وجمهورية باشكورتوستان، وفي الشيشان وسانت بطرسبرغ.
وفي مجتمع مسلمي الشيشان على سبيل المثال، تقضي النساء آخر أربعة أيام من رمضان في تنظيف المنزل من الداخل والخارج استعدادا للمناسبة السعيدة.
وعلى غرار بقية مسلمي العالم، فإن الروس أيضا يرتدون أفضل حلة لديهم بعد صلاة العيد في الصباح، ويهنئون بعضهم بعبارة "إيد مباراك" التي تشبه كلمة عيد مبارك بالعربية، ثم يذهبون لزيارة كبار السن والتجمع لتناول الأطباق الخاصة في هذا البلد.
وتتمثل هذه الأطباق غالبا في شوربة لحم الضأن، وطبق دولما، ومانتي، والعجينة المحشوة باللحم. هذا الطبق يعتقد أن أصوله من الصين، إلا أنه يختلف من بلد إلى آخر في مكوناته وحجمه، وقد بات جزء من الثقافة المحلية في أفغانستان وأرمينيا وتركيا والبوسنة.
هذا اليوم السعيد يفرح فيه بشكل خاص الأطفال، حيث يحملون حقائب فارغة تمتلئ لاحقا بالحلويات المقدمة من الأصدقاء والجيران. إلى جانب البالونات.
ويتواجد الإسلام كجزء من روسيا منذ القرن السابع، حيث وصل أوائل المسلمون إلى مدينة ديربنت في جنوب داغستان بعد سنوات قليلة من وفاة الرسول محمد.
وبعد مئات السنين تم إعلان الإسلام كديانة للدولة في عام 922 في فولغا بلغاريا، المعروفة الآن بتسمية جمهورية تتارستان.