هل يعتبر تراجع حكومة الانقلاب عن الإبقاء على نسبة تفوق 50% من بيع الشركات الوطنية تحت السيطرة المحلية، بمثابة انفراج في الأزمة، أم رضوخًا للأمر الواقع؟

الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، أيمن سليمان، صرح بالقول "لن تكون هناك حدود قصوى للحصص المزمع طرحها للبيع من شركتي "وطنية" و"صافي" في الفترة المقبلة"، مؤكدًا على "المرونة" فيما يخص النسبة المطروحة أو المدى الزمني للطرح.

سليمان كشف على هامش حفل جوائز "ديلي نيوز إيجيبت" مساء أمس الأربعاء، أن الطرح لن يكون لحصة 10% فقط من الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية "وطنية"، والشركة الوطنية لتعبئة المياه الطبيعية "صافي"؛ "بل لن يكون هناك حدٌّ أقصى"، وفقًا لـ"اقتصاد الشرق".

هذا التساهل المستجد من قِبل الصندوق لناحية إمكانية التخلّي عن حصص أكثرية في بعض الشركات المستهدف طرحها، يذلل إحدى العقبات أمام عودة تدفق أموال الصناديق الخليجية إلى صفقات الاستحواذ على شركات مصرية، حيث مثّل الموقف المصري المتمسك بالإبقاء على نسبة تفوق 50% تحت السيطرة المحلية عائقًا أمام إنجاز عدد من الصفقات، في مقدمتها تعثر عملية شراء جهاز قطر للاستثمار لحصة في "فودافون مصر".

وأفصح مصدر ذو صلة وثيقة بالملف القطري-المصري حينها أن السبب الرئيس وراء تأخر قطر في ضخ استثمارات جديدة في شركات مصرية، يعود إلى "اختلاف الرؤى الاستثمارية بين البلدين بشأن الحصص المستهدفة بالشركات، فصندوق قطر السيادي يخطط لاقتناص حصص أغلبية في الشركات المستهدفة بعمليات الاستحواذ، فيما ترغب مصر بأن يقتصر الأمر على حصص أقلية".

 

تحدّي سعر صرف الجنيه

يبدو أن هذا التعديل بالموقف المصري، يعود بشكلٍ جزئي إلى الإقبال الكبير الذي شهده بدء طرح شركتي "صافي" و"وطنية" لمستثمرين إستراتيجيين؛ حيث نوّه سليمان بأن الاهتمام "لم يكن فقط من مستثمرين محليين وإقليميين، بل من شركات عالمية"، لافتًا إلى إقبال "كبير" من مستثمرين خليجيين.

إلى جانب تحدّي الحصص، شهدت الاستثمارات الخليجية في مصر عائقًا إضافيًا، تمثل بالخلاف حول تقييم الصفقات في ظل تدهور سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأمريكي. وشكّل توقف المحادثات بين السعودية ومصر في فبراير الماضي بشأن الاستحواذ على "المصرف المتحد" نموذجًا لتأثير هبوط العملة المحلية على تدفق الاستثمار الأجنبي إلى مصر، والتي تعاني من شحّ في العملة الصعبة، تفاقم منذ اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية.

وفي تصريحات سابقة، قالت وكالة "بلومبرج" الأمريكية، إن مصر تعمل على المضي قدمًا في برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل الذي يستهدف جمع العملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها وسط أزمة عمقها الغزو الروسي لأوكرانيا.

وذكرت "بلومبرج" أن مصر حصلت بالفعل على حزمة قروض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، وخفضت قيمة العملة ثلاث مرات في العام الماضي.

لكن الوكالة أشارت إلى أن مصر تنتظر أن يضخ الحلفاء الخليجيون العرب مزيدًا من الاستثمارات بمليارات الدولارات. ورغم أن هذه الأموال قد تم التعهد بها سابقًا، إلا أنه لم يصل سوى القليل منها حتى الآن، وفقًا لموقع "الحرة".

وكشف المسؤولون المصريون عن طرح قائمة تضم 32 شركة مملوكة للدولة، بما في ذلك العديد من البنوك، والتي إما سيتم إدراجها حديثًا في البورصة، أو ستشهد مبيعات إضافية للحصص، أو ستُعرض على مستثمرين استراتيجيين.

وذكرت "بلومبرج" أنه بالإضافة إلى ذلك، قالت حكومة الانقلاب إنه يمكن أيضًا طرح شركات أخرى غير مدرجة في القائمة، خاصة تلك التي تعتبرها ذات قيمة عالية.

 

شروط صندوق النقد

وكانت مصر قد وعدت صندوق النقد الدولي بالعمل على تقليص هيمنتها على الاقتصاد والسماح بدور أكبر للقطاع الخاص، ورغم ذلك تُظهر العديد من التحركات الأخيرة استمرار الحكومة في توسيع ممتلكاتها وإحكام سيطرتها.

ففي مقابل إعلان صندوق النقد في أكتوبر تشرين الأول الماضي عن حزمة دعم مالي تبلغ ثلاثة مليارات دولار على مدى 46 شهرًا، تعهدت مصر بتحقيق تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز مناخ الأعمال وتقليص دور الدولة والجيش في الأعمال بالمجالات غير الاستراتيجية.

وتحتاج مصر بشدة إلى عائدات الخصخصة بعد سلسلة من الأزمات الاقتصادية، إذ يمكن أن يحدد الإصلاح الاقتصادي مدى إمكانية تجاوز الأزمة المالية التي كشفتها الحرب في أوكرانيا، وتمهد الطريق أمام نمو مُستدام.

لكن الوعود السابقة بالإصلاح وخطط الخصخصة لم تتحقق في كثير من الأحيان، ويقول محللون إن سياسة ملكية الدولة التي تكشف المجالات التي ستتراجع فيها مصر، وينظر إليها صندوق النقد على أنها مُلزمة، تترك مجالًا كبيرًا للحكومة للمناورة.

وقال يزيد صايغ، الباحث البارز في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت، "في الواقع الكثير منها تبرير لتدخل ضخم للدولة في قطاعات يُفترض أنها استراتيجية".

وأضاف أن مصر أنشأت صندوقها السيادي الخاص لجذب مستثمرين من القطاع الخاص لتطوير أصول الدولة، لكن يبدو أنها خطوة لجذب رؤوس الأموال دون التخلي عن السيطرة.

وأكد صائغ أن مصر "تريد من الآخرين مساعدة الدولة في أعبائها المالية، لكن الدولة ما زالت هي التي تحدد الأولويات والاستثمارات".

 

إعفاءات ضريبية للجيش

يقول محللون إن مبيعات الأصول في المستقبل ستتعقد بسبب توغل الدور الاقتصادي الغامض للجيش تحت قيادة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في كثير من الأحيان.

ويُعفى الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى من ضرائب القيمة المضافة للسلع والخدمات اللازمة للتسلح والدفاع والأمن القومي بموجب قانون عام 2016، ومن الضرائب العقارية بموجب مرسوم عام 2015، ومن ضرائب الدخل بموجب قانون عام 2005، ومن رسوم الاستيراد بموجب قانون عام 1986. وتحدد وزارة الدفاع السلع والخدمات.

واشتكى رجال الأعمال سرًا من سلبيات أخرى، منها التعامل مع بيروقراطية غاشمة.

ووفقا لبيانات الرئاسة، فعادة ما يحضر ضباط كبار في الجيش الاجتماعات التي تُناقش فيها السياسة الاقتصادية.

وفي مقابل التمويل الجديد، فرضت دول الخليج شروطًا مشددة أكثر مما كانت تفعل في الماضي، بما في ذلك الدعوة إلى إصلاحات اقتصادية تتماشى مع توصيات صندوق النقد الدولي.

لكن محللين يقولون إنه حتى لو حدث ذلك، فإن استثمار مثل هؤلاء الحلفاء قد لا يحفز القطاع الخاص، وهو ما يعكس غياب إشارات واضحة على انسحاب الدولة.

فهل تكون تصريحات الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، أيمن سليمان، بأنه "لن تكون هناك حدود قصوى للحصص المزمع طرحها للبيع من شركتي "وطنية" و"صافي" في الفترة المقبلة"، مقتصرة فقط على هاتين الشركتين، أم يتعدى ذلك إلى الشركات الـ32 جميعها؟

الذي يظهر للعيان حتى الآن، أن حكومة الانقلاب تميل إلى بيع حصص الأقلية والإبقاء على سيطرتها، مما يجعلها أقل جاذبية للمستثمرين المحتملين.