علق قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، على التراشق الإعلامي بين كتّاب من مصر والسعودية خلال الأيام السابقة، وانتشار الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي.

وادّعى - ضمن فعاليات افتتاح المرحلة الثانية من المدينة الصناعية الغذائية «سايلو فودز»، صباح أمس الخميس - أن وسائل الإعلام، حتى غير التابعة للدولة، لا تكتب دائمًا إلا ما يعمل على تدعيم العلاقات مع الأشقاء، وليس العكس.

مواقع مغرضة!

وقدم قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي اعتذارًا ضمنيًا للمملكة العربية السعودية، عن إساءات أوردتها وسائل إعلام مصرية، واصفًا التقارير بشأن أزمة في العلاقات بين البلدين بأنها "فرضية غير موجودة".

وقال السيسي "في موضوع عايز أتكلم فيه". وأضاف: "سياسة مصر دائمًا تتسم بالاعتدال والتوازن والانضباط الشديد تجاه الجميع في الداخل وفي الخارج، وبالتالي عايز أقول إن أنا أتابع مواقع التواصل وبشوف إن ساعات بيبقى فيه حماس زيادة أو حتى.. لن أقول تجاوزات.. أنا أتكلم عن موضوعات خاصة بأشقائنا وهذا أمر يا جماعة ننتبه ليه".

وطالب السيسي ممن يخاطبهم الانتباه إلى أن هذا الأمر "يعكس مدى فهمنا ومدى تقديرنا للعلاقات مع الأشقاء"، وأنه لا أساس لتناول هذا الموضوع "يعني مالوش خلفية"، على حدّ تعبيره، مضيفًا "نحن نتكلم ونقول أمور قد لا يكون لها أساس من الصحة بصراحة"، متسائلًا: "هل نسير وراء بعض المواقع المغرضة اللي عايزة تعمل فتنة بينا وبين الأشقاء؟".

إسكات الإعلاميين

ووجه قائد الانقلاب حديثه للإعلاميين آمرًا إياهم بالسكوت عن الإساءة للسعودية ومحمد بن سلمان، قائلًا: "أقل حاجة نعملها أن نسكت"، مضيفًا إن لم نقل كلامًا طيبًا "نسكت"، مضيفًا أن هذا ينطبق "على وسائل إعلامنا" التي لا نتدخل فيها.

وقال السيسي: إننا نكتب "لصالح تحسين ودعم العلاقات" وليس العكس، مشددًا على أن علاقات مصر "طيبة بالجميع"، وأن هذا منهج تسير عليه البلاد منذ "توليت المسؤولية"، وأنه مسار دولة حتى في الأزمات وفي الخلافات"، مؤكدًا أنه "(لا يجوز) أن نسيء لأشقائنا"، داعيًا إلى عدم نسيان "وقفة أشقائنا معنا".

لا تنسوا الفضل بينكم

وعلى الرغم من نفيه أي أزمة، قال السيسي سأقول "فرضية غير موجودة يعني: لو فيه أزمة هل أطوّل لساني؟ أو أقول كلام مش مضبوط؟ فين لا تنسوا الفضل بينكم؟ متابعًا: "إننا حين نقوم بهذا الأمر كمواقع تواصل أو حتى بعض المقالات (حول) أشقائنا في السعودية أو مع أي دولة أخرى"، قبل أن يضيف "أنا بتكلم.. لا لا. نحن حريصون" وهذا توجه دولة. ودعا المواطنين لئلا ينساقوا إلى ما وصفها بـ"مواقع تقصد الفتنة بيننا"، مضيفًا: "علاقتنا طيبة بالجميع"، قبل أن يتابع "لا أريد أن أقول أسماء دول"، موضحًا "لو فيه خلاف مع دولة شقيقة من خلال السنين الفائتة، سنتجاوزها".

وختم السيسي قائلًا: "حتى الأزمة مع دولة زي إثيوبيا، في موضوع سد النهضة... نحن (لا نقول) كلمة واحدة أو تصرف واحد يسيء".

بداية الأزمة

كانت بداية الحملة للإعلامي المقرب من الجهات الأمنية عمرو أديب، الذي يراه البعض أنه عميل سعودي يتبنى الأجندة السعودية بحسب رئيس تحرير جريدة الدستور محمد الباز.

وتحولت صفحات منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة تراشق لفظي واتهامات في مصر والسعودية بين إعلاميين مقربين من السلطات في البلدين، فضلًا عن التذكير بـ"أفضال" كل بلد على الآخر

ويرى الكاتب الصحفي، سليم عزوز أن "الحملة خطت خطوة أخرى بالتحاق نشأت الديهي بها عبر قناة "تن" ثم انتقلت إلى مستوى آخر بمقال رئيس تحرير الجمهورية، عبدالرازق توفيق، بعنوان "الأشجار المثمرة.. وحجارة اللئام والأندال"، الذي استهدف فيه السعودية وقال فيه في وصف السعوديين ما قال مالك في الخمر! وفي هذا رسالة لمن يهمه الأمر، أنها حملة السلطة، وليست إرادة إعلاميين، وإن كان الكاتب لم يذكر اسم السعودية صراحة، بيد أن كل من قرأ المقال أو سمع به وقف على الدولة المقصودة بهذا التجريح!

ويرى في مقاله " القاهرة والرياض وبينهما الإخوان!" الذي نشره على موقع "عربي 21"، أن الحملة انتقلت إلى مستوى آخر بعد دخول إعلاميين ومسئولين سعوديين فيها، ليردوا هجوم إعلاميي مصر على المملكة، فيقول: " فالأيام أثبتت أن الحملة تستهدف السعودية، كما أن حديث المسؤول السعودي عن أن زمن تقديم المساعدات للدول بدون شروط قد ولّى؛ يقصد مصر على سبيل الحصر"

اعتذار صحيفة الجمهورية

ويذكر الكاتب الصحفي أن الهجوم والهجوم المضاد أخذ منحى آخر، كان لا بد معه من إيقافه؛ خوفًا على "الرز" أو أن تسحب السعودية ودائعها في البنك المركزي، وقد حان وقت استحقاقها، ولم تمدد تاريخ هذا الاستحقاق بعد الهجوم، كما أن من بين الكتاب السعوديين من انطلقوا يصدون الهجوم، ويتحدثون عن أن أزمة مصر الاقتصادية سببها هيمنة الجيش على الاقتصاد!".

ومن هنا كان لا بد من اعتذار جريدة الجمهورية في مقال، والذي نشر بعنوان: "اعتذار للسعودية"، حول اعتذار الجريدة عن مقال رئيس التحرير، وإذ بدا هذا سابقة في تاريخ الصحافة المصرية، أن تعتذر الجريدة عن رأي لأعلى سلطة تحريرية فيها!

القاهرة والرياض والإخوان!

وقام رئيس تحرير الجمهورية بنشر مقال بعنوان "القاهرة والرياض.. القلب النابض للوطن العربي"، وبيّن فيه أنهما صمام أمان للأمة، ولم يعتذر عن المقال السابق وإنما انطلق يدين التطاول على الدول العربية ويقول: "لا يمكن ويستحيل أن تصدر من مواطن مصري شريف وكاتب وطني أي إساءة لدولة عربية"! مع انه هو من كتب مقال الهجوم على السعودية!

الطريف في الأمر أن رئيس التحرير زَج اسم الإخوان في الموضوع، وحمّلهم السبب في هذه الإساءات، فكتب "سيظل الإخوان المجرمون رمزًا للخيانة والعمالة والخداع والتزييف والاجتراء وتزييف الحقائق أملًا في إحداث الوقيعة وهي أضغاث أحلام"!

ولو رجعت إلى مقاله الأول الذي سب فيه السعودية لقرأت فيه وصفه لها بأنها دولة ضئيلة تعاني الهشاشة البشرية والحضرية؟ فهل فبرك الإخوان أن المقال احتوى وصفًا للقوم بأنهم سفلة (وردت نصًا في المقال) وأنهم أقزام (وردت نصًا في المقال) وأنهم كانوا حفاة عراة (نقلتها نصًا من المقال)؟! إنهم لم يستطيعوا كنس قذاراتهم، فقاموا بتعليق الاتهام في رقبة الإخوان!

ويؤكد عزوز أن "الإخوان لم يصفوا القوم بـ"الأقزام، والسفلة، والحفاة العراة"، ولم يصفوا الدولة السعودية بالهشاشة البشرية والحضرية، إلا إذا كان الكاتب خلية إخوانية نائمة!".

أسباب التوتر

كشف مصدر حكومي، رفض الإفصاح عن اسمه - أن رسالة تحذير من البعثة الدبلوماسية في السعودية، وراء صدور تعليمات مباشرة من مستويات تنفيذية رفيعة بكتابة رئيس تحرير جريدة "الجمهورية" الحكومية مقالًا يعتذر فيه عن مقال سابق، شن فيه هجومًا غير مسبوق على المملكة ردًا على انتقادات كتاب سعوديين لسيطرة الجيش المصري على اقتصاد بلاده، حسبما أورد موقع "مدى مصر".

وحذرت البعثة المصرية بالرياض حذرت من "تبعات محتملة في إطار العلاقات الثنائية"، وتحدثت عن "أجواء استياء شديدة" داخل البلاط الملكي السعودي من لغة المقال الهجومية.

ومن أهم أسباب هذا التوتر:

1 - قال المصدر أن «الأمر واضح» فيما يقصد بالتبعات المتوقعة على العلاقات الثنائية، لأن مصر لديها عدد كبير من العمالة في السعودية، كما أن الرياض تمد مصر بمنتجات نفطية بأسعار تفضيلية والتزامات سداد ميسرة.

2 - وجود "عتب" مصري لتخلي السعودية عن تقديم الدعم الاقتصادي لمصر في وقت أزمة، رغم ما اقترحته على المملكة في أن يكون هذا الدعم عبر صفقات استثمارية كانت الرياض أصلًا قد وعدت بها.

3 - ما وصفه بأنه «افتراض غير مفهوم» من قبل السعودية أن تبادر مصر، التي كانت أعلنت على لسان السيسي مرارًا عن التقدير للدعم الخليجي بما في ذلك الدعم السعودي، إلى تلبية كل متطلبات السعودية لكل أشكال الدعم السياسي والعسكري دون الاتفاق على صياغات واضحة لأي تحرك مصري وعلى تحرك سعودي مقابل للتحرك المصري.

4 - عدم التوصل لاتفاق مصري سعودي حول تفاصيل عديدة متعلقة بآلية عمل منتدى البحر الأحمر، والتي كانت القاهرة «قبلت» أن تكون أمانته العامة بالسعودية. غير أن الرياض لم تقابل ذلك بقبول أن تكون بعض الأجهزة والمراكز الرئيسية لهذا المنتدى في مصر. وقال إن مصر تتفهم أن السعودية لها مصالح لا يمكن إغفالها في البحر الأحمر، لكن على السعودية أن تدرك أيضًا أهمية البحر الأحمر بالنسبة لمصر ووضعيتها العسكرية والاستراتيجية في المنطقة.

5 - عرقلة استمرار التحرك للأمام في استكمال كل بنود اتفاقية تيران وصنافير، التي كانت مصر قد أعلنت نقل السيادة عليهما إلى السعودية قبل خمسة أعوام في لحظة تقارب بين السلطات التنفيذية في البلدين رغم غضب شعبي مصري عارم ضد الخطوة. وحسب المصدر «غير صحيح أن مصر تراجعت، فهذا اتفاق موقع، ولكن هناك تفاصيل باقية لم يتم الانتهاء منها وتنتظر حلحلة في الأجواء». وأصر السعوديون ــ حسب أحد المصادرــ أثناء زيارة سامح شكري، وزير الخارجية، الشهر الماضي، على تسوية هذا الاتفاق في أقرب وقت إذا كانت السلطات المصرية ترغب من الجانب السعودي الاستثمار في مصر.

ويبدو من القصة السابقة على طولها وسخافتها أن مصر لم تعد تستطيع أن تجابه السعودية لأن قائد الانقلاب جعلها (مصر) ذليلة ومتسولة وتبغي توفير قوتها وأرزها ودولاراتها من السعودية، وتصدق عليه الأمثال المصرية: " اطعم الفم تستحي العين‏"، "الإيد اللي ما تلويها بوسها".

كاتب سعودي يفجر الأزمة

وبدأ التراشق بعد سلسلة تغريدات للكاتب السعودي تركي الحمد، تطرّق خلالها للأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر، وقال إنّ "مصر بواقعها الحالي وصلت إلى الحضيض، هي مصر البطالة والأزمات الاقتصادية والسياسية ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة". 

وفي سلسلة تغريداته، يعزو الحمد أسباب انهيار الأوضاع في مصر إلى هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة، وخاصة الاقتصاد، بحيث لا يمر شيء في الدولة المصرية إلا عن طريق الجيش، وبإشراف الجيش، ومن خلال مؤسسات خاضعة للجيش، ولصالح متنفذين في الجيش، كما يرى بعض المراقبين مكامن الأزمة وجذورها، وكل ذلك على حساب مؤسسات المجتمع الأخرى، سواء كنا نتحدث عن القطاع الخاص، أو مؤسسات المجتمع المدني، والذي كان في أقوى حالاته في العهد الملكي". واتهم ثانيا البيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير، والتي تقف حجر عثرة في وجه أي استثمار اقتصادي ناجح، سواء داخليا أو خارجيا، رغم أن مصر عبارة عن كنز لا ينضب من الفرص الاستثمارية". وبعد ذلك بأيام خرج الكاتب السعودي خالد الدخيل، ليتحدث عن الوضع السياسي والاقتصادي المصري. وقال في تغريدة عبر حسابه في موقع تويتر إنّ "ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952".