أشار تقرير حديث للمعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية إلى قيام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بتعزيز نظامه "السلطوي" والذي رافقه زيادة كبيرة في الديون الخارجية للقاهرة، التي تضاعفت أكثر من ثلاثة أضعاف ما بين يونيو 2013 ومارس 2022.

وحذر التقرير من السياسات الاقتصادية والأمنية للنظام المصري، معتبرًا أن الاستمرار في هذه السياسات "سيؤدي قطعًا إلى كارثة محققة لن ينجو منها أحد".

وقال معد التقرير الدكتور ستيفان رول - الخبير في مجال الإصلاح السياسي والديمقراطية والحوكمة، والمتخصص في شؤون مصر ودول الخليج، ورئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا بالمعهد - إن سياسة الدولة للاستدانة ارتبطت بشكل مباشر بمركز السلطة.

 

الاستخدام السياسي للديون لتعزيز السلطة

وشدد التقرير على أن الحكومة أدارت مزيجًا محبوكًا بعناية من الحوافز والتهديدات والإخفاء والتمويه مع جهات التمويل الدولية المختلفة، وهو ما جعلها تحصل على المزيد والمزيد من القروض الجديدة.

وحذر التقرير من أن سوء تخصيص الموارد المالية الشحيحة، واستخدام سياسة الاستدانة لفرض سياسة القوة يزيد من خطر عدم قدرة مصر على خدمة التزاماتها المالية في المستقبل، فضلا عن أنه يقوض ويضعف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويعزز القمع البوليسي للدولة. وهذا بدوره - على حد ما جاء بالتقرير - من شأنه أن يدعم الاستخدام السياسي للديون لتعزيز السلطة، لأنه يمنع أي مراقبة فعلية على أعمال الحكومة.

 

الديون تساعد استثمارات المؤسسة العسكرية

وتناول التقرير أيضًا استفادة المؤسسة العسكرية - التي قال إن قائد الانقلاب السيسي يعتمد عليها لتوطيد سلطته - واقتصادها من التوسع في سياسة الاستدانة من الخارج، حيث يرى التقرير أن "الديون الخارجية تساعد في حماية وإيرادات استثمارات المؤسسة من خلال تمويل مشاريع كبرى"، قائلًا إن الدين الخارجي ساعدها على حماية إيراداتها وأصولها، وتمويل مشاريع كبرى تمكنها من كسب أموال طائلة.

يذكر أن التقرير تضمن عددًا من الفصول أبرزها، الاستدانة من الخارج لتوطيد السلطة، الجزرة والعصى والتعتيم، الإصلاحات الاقتصادية الجزئية، إخفاء حالة الديون الفعلية، المنتفعون: المؤسسة العسكرية وإمبراطوريتها الاقتصادية. كما شمل التقرير فصولًا بعناوين: حماية إيرادات وأصول المؤسسة العسكرية، مشاريع البنية التحتية الممولة من القروض، ونفقات الأسلحة الممولة من القروض.

 

شرطان لمواصلة الإقراض لمصر

وطالب التقرير الحكومة الألمانية والشركاء الأوروبيين في المستقبل بربط الإقراض ودعم مصر في مفاوضاتها مع المؤسسات المالية الدولية بشرطين، بتقليل الأنشطة الاقتصادية للمؤسسة العسكرية، واتخاذ خطوات ملموسة نحو إنهاء القمع البوليسي في مصر".

والمعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية هو أحد أكبر مراكز الأبحاث المستقلة بأوروبا المتخصصة في السياسة الخارجية، ويقدم المشورة للحكومة والبرلمان الألماني بشأن مسائل السياسة الخارجية والأمنية، كما يقوم بتقديم التوصيات لصناع القرار بالمنظمات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والأمم المتحدة.

 

نزعة استحواذية شرسة

وما ذهب إليه المعهد الألماني للشئون الدولية، من أن السيسي عزز نظامه السلطوي، يؤكده محمود النجار في سلسلة مقالاته بعنوان "السيسي ومتلازمة السلطة"، عندما يتحدث عن نزعة قائد الانقلاب الاستحواذية الشرسة (Illegal possession tendency) ؛ فهو لا يتوانى عن الاستيلاء على مكتسبات الآخرين وأموالهم وعقاراتهم ومصالحهم التجارية، وعن تمكين القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من ممارسة النشاط الاقتصادي بكل تنوعاته، والاستيلاء على أي قطاع يدر أرباحًا عالية، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية عنيفة.

ويضرب النجار العديد من الأمثلة على ذلك، وفق موقع "عربي 21"، فيقول: "الأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، ومنها استيلاء العسكر على كثير من المرافق التجارية والصناعية الحساسة، وطرد القطاع الخاص من السوق، وتدمير الاقتصاد لفائدته وفائدة أسرته والمنافقين من حوله، ومن ذلك ما حدث لمصنع جهينة للألبان الذي يقبع صاحبه السبعيني في السجن بغير جريرة، لا لشيء سوى أنه رفض التخلي عن أسهم شركته لفائدة العسكر، ومحاولة السيطرة على سوق الصيدلة من خلال صيدليات "19011" التي أعلنت إفلاسها بعد فشلها الذريع، والتي كانت تعمل تحت إشراف ابنه محمود السيسي".

 

الأزمة متعددة الأوجه

ولا يقف تعزيز النشاط السلطوي عند هذا الحد، بل يتفرع ليشمل دروبًا عديدة من أهمها الاقتصاد الذي دمره طوال السنوات العجاف السابقة، ولا يزال يتسلط عليه حتى يومنا هذا.

ويتابع النجار تقديم أزمات السيسي التي صدّرها للشعب المصري، فيقول: "لقد أوقع السيسي مصر وشعبها في مشكلات معقدة، يرتبط بعضها ببعضه الآخر، فالمديونية العالية وفوائدها تأكل الناتج المحلي، ولمزيد من الديون لتسديد فوائد الديون؛ يتم تعويم الجنيه، ويزداد حجم التضخم، والعجز عن حصول المواطن على غذائه الأساسي وعلى رأسه الخبز، ناهيك عن (بلاها لحمة، بلاها فراخ، بلاها سمك، بلاها بيض)..

وانتهاء بالدعوة من خلال حملة إعلامية رخيصة للاعتماد على أرجل الدجاج طعامًا سائغًا للجائعين؛ حتى باتت الأزمات تتدافع بعضها وراء الآخر كأحجار الدومينو بتسارع كبير، وهو ما اصطلح عليه بالأزمة متعددة الأوجه (Polycrisis)، وهو المصطلح المستخدم لوصف الطبيعة المتشابكة لأزمة واحدة تتفشى في أزمات ذات صلة بالأزمة الرئيسة، والمتمثلة في شخص السيسي وقراراته الباعثة على السخرية.

وقديما سُئل هتلر: من أحقر الناس الذين مروا في حياتك؟ فقال: "الذين ساعدوني على احتلال أرضهم"..!!