في ظل عجز المؤسسة الحكومية بأجهزتها ووزاراتها ونقاباتها والمجتمع المدني في وضع حلول لمواجهة الفقر والانحراف المجتمعي تصاعدت ظاهرة الانتحار لدى الفئات الأصغر نتيجة لسوء التوعية وعدم قدرة الدولة حل المشاكل الاجتماعية والنفسية، بسبب قمعها للحراك المدني واعتقالها للعديد من الأدباء والمثقفين ورجال المجتمع بجانب العديد من الدعاة والعلماء، لتعجز عن توفير علاج نفسي مباشر لمعالجة هذه الظاهرة.

ولإلقاء الضوء على ظاهرة الانتحار التي تطال يوميا العديد من الشباب قامت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان (غير حكومية)، بإعداد تقريرا عن حالات الانتحار في مصر خلال الأشهر الستة الماضية في الفترة ( أبريل - سبتمبر 2022)، ووضعت له عنوان "حالات الانتحار في مصر: الإحباط الاجتماعي وغياب الدولة".

وطالبت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، الحكومة بعدم تجاهل ظاهرة الانتحار بدعوى أنها لأسباب فردية تخص المنتحر ذاته دون مناقشة أسبابها، والتي تفشت في المعدلات الأصغر سنا خاصة لدى الطلاب، والذي  يشير ذلك إلى تقصير حكومي في مواجهة هذه الظاهرة.

 

توثيق 186 حالة انتحار في 6 شهور

وعن عدد حالات الانتحار التي وثقت في الستة أشهر قال المحامي والمدير التنفيذي للمؤسسة، شريف هلالي، إنها بلغت خلال فترة التقرير 186 حالة، وجاءت أعلى النسب في شهر يونيو بـ43 حالة بنسبة 23.11%، ثم شهر  يوليو بـ39 حالة بنسبة 20.96%، تلاه شهر أغسطس بـ36 حالة بنسبة 19.35%.

بينما جاءت أكبر النسب انخفاضا في شهور سبتمبر، ومايو، ونيسان بـ (25، و22، و21) حالة، بنسب (13.44%، و11.82%، و11.29%) على التوالي.

 

القاهرة الأكثر توثيقا

ورغم أن القاهرة أقل المحافظات في نسب الأمية؛ إلا أنها جاءت كأكثر محافظة تم توثيق حالات انتحار بها، حيث يبدو أن التعليم وحده لا يكفي، فغياب رجال المجتمع عن أداء دورهم في التوعية والتحذير من الانحراف الأخلاقي بسبب قمع حكومة الانقلاب لهم أو بسبب، امتلاء المعتقلات بهم، ليقع المجتمع فريسة سهلة، للانعدام الأخلاقي، والتفكك الأسري، حيث إن جميع الحالات التي تم توثيقها جميعهم إما في مرحلة التعليم سواء الأساسي أو الجامعي أو حاصلين على مؤهلات عليا.

وتصدرت محافظة القاهرة الترتيب الأول بـ48 حالة بنسبة 25.8%، تليها محافظة الجيزة في المركز الثاني بـ34 حالة بنسبة 18.27%، ثم محافظة القليوبية بـ14 حالة 7.52%، ومحافظة الشرقية بـ12 حالة بنسبة 6.45%، تليها محافظتا المنوفية وسوهاج بـ11 حالة لكل منهما بنسبة 5.91%..

وبالنسبة للتوزيع الجغرافي فجاءت محافظات القاهرة الكبرى الثلاث (القاهرة والجيزة والقليوبية) في الصدارة بما يزيد على ضعف حالات الانتحار المسجلة في باقي المحافظات بمعدل 96 حالة بنسبة 51.61%، تليها محافظات الدلتا مضافا إليها محافظة الإسكندرية بـ52 حالة بنسبة 27.95%، وفي المركز الثالث جاءت محافظات الوجه القبلي بمعدل 30 حالة بنسبة 16.12%، تليها محافظات القناة في الترتيب الأخير بـ4 حالات بنسبة 21.5%.

 

الذكور الأعلى انتحارا

وأشار التقرير إلى أن عدد الذكور كان الأعلى في معدل حالات الانتحار، حيث بلغ 123 حالة، وهو ما يقترب من ضعف عدد الإناث تقريبا بنسبة 66.12%، بينما وصل عدد الإناث إلى 63 حالة بنسبة 33.87%.

وتابع: "جاء الانتحار شنقا في المرتبة الأولى بـ73 حالة بنسبة 39.24%، يليه تناول قرص غلة سام أو كيماوي أو مبيد حشري أو أقراص دوائية زائدة في المرتبة الثانية بـ46 حالة بنسبة 24.73%، يليه في الترتيب الثالث الانتحار بالقفز من طابق عال بمنازل المنتحرين أو من مبان تابعة بأماكن عامة بـ31 حالة بنسبة 16.6%".

وأوضح أن الطلاب والطالبات بمراحلهم المختلفة (الابتدائية، والإعدادية، والثانوية العامة والأزهرية) جاءوا في المرتبة الأولى بـ38 حالة، منهم 8 طلاب وطالبات جامعيين بنسبة 3.33%. يليهم تصنيف العامل، وربة المنزل بـ17 حالة لكل منهما بنسبة 14.91%.

ولفتت المؤسسة إلى أن الأرقام التي رصدتها لعدد المنتحرين تعتبر "مجرد مؤشرات، ولا تمثل كافة حالات الانتحار الفعلية التي قد تصل إلى الآلاف سنويا".

ويرجع استشاري الطب النفسي في مصر  الدكتور جمال فرويز، أسباب توثيق نسب الذكور بأنها الأعلى رغم أن الإناث هن الأكثر إقداماً على محاولة الانتحار، إلى أن النسبة الأكبر في تحقيق الانتحار تكون من نصيب الذكور ذلك أنهم يلجأون لوسائل أكثر قسوة في تنفيذ مخططاتهم.

وتابع أنه عادة ما تلجأ البنات إلى الوسائل الخفيفة كابتلاع الأدوية في سبيل التخلص من حياتهن، أما الذكور فغالباً ما يلجأون لوسائل شرسة كإلقاء أنفسهم تحت عجلات المترو، أو القفز من مكان مرتفع فيصعب إنقاذهم.

 

الشباب هم الأكثر إقبال على الانتحار

ويعتبر الدكتور جمال فرويز ، أن ظاهرة الانتحار في مصر، من الظواهر التي يجب أن يتم التنبه لها، لا سيما أنها أصبحت أكثر من المعتاد، ومعظمها يأتي في سن المراهقة الذي يحتاج فيه الشاب إلى معاملة خاصة واحتواء من الأسرة، خاصة أنه السن الأكثر عرضة وإقداما على الانتحار.

وقال فرويز في تصريحات صحفية، إن سن المراهقة الذي يبدأ طبقاً للتعريف الطبي من سن الـ12 حتى 28، يحتاج معاملة خاصة، حيث إن أغلبية من يقدمون على الانتحار هم في سن المراهقة.