امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي منذ صباح الاثنين حتى نهايته بنعي الطبيب والصحفي الشاب محمد أبو الغيط الذي رحل عن 34 عاما مغتربا في لندن بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان. 

وتسبب شلال الحزن الذي انهمر عبر رفاقه ومحبيه على مواقع التواصل الاجتماعي منذ الصباح في دفع الكثيرين إلى الضغط على "رابط" صفحة الصحفي الراحل للتعرف على حياته القصيرة التي تغنى زملاؤه بإنجازاته ومتاعبه خلالها. 

تلك الحياة التي انتقل خلالها من الطب إلى الصحافة رغم أن الكثير من زملائه نصحوه بألا يغامر بترك مهنة الطب إلى أخرى لا مستقبل لها في مصر، إلا أن أحد هؤلاء الزملاء، محمد سعد عبد الحفيظ عضو مجلس نقابة الصحفيين، أبدى ارتياحه لأن زميله الشاب لم يأخذ بنصيحته المماثلة وأنه صمم على خوض غمار الصحافة حتى صار أحد فرسانها. 

عمل "محمد" في مجال الصّحافة الاستقصائية وكتابة المقال بصحيفة الشروق ومذيعًا بالإذاعة ومنتجًا لبعض البرامج التّليفزيونية، وله عدة إصدارات قيد الطًبع أهمها "أنا قادم أيها الضّوء".

وسجل "أبو الغيط" معاناته مع المرض من خلال يومياته في حسابه: Mohamed Aboelgheit جمعها في كتابه الذي نشرته دار الشروق قبل موته بأيام تحت عنوان: "أنا قادم أيها الضوء".

 

أديبا وكاتبا موهوبا

تصفه الأديبة حورية عبيد أنه "كان رحمه الله أديبًا مطبوعًا، وكاتبًا موهوبًا، امتهن الكتابة الصحفية وكان فيها فريدًا مميزًا بجانب كونه طبيبًا.." وأنه أعطى برحيله "درسًا للإعلاميين ذوي الحناجر البغيضة واللسان السّليط والعقول السّفيهة والمتسلقين و. . فالإنسان ليس بطول عمره وإنما بجميل أثره وأخلاقه.".

وهو سليل بيت كما كتبت على فيسبوك "من الصالحين، وغَرْس الكرام المصلحين، فوالده طبيب الجراحة الصالح التقي د. أبو الغيط - حفظه الله، ورزقه الصبر والثبات."

الكاتب والأديب إبراهيم عبدالمجيد عبر Ibrahim Abdel Meguid قال: "يوم حزين : كنت أعرف مما يكتبه محمد أنه لا نجاة مما أصابه إلا بالخروج إلى النهار لكن رغم ذك فصدمتي كبيرة في رحيلك يا محمد . ارتحت حقا من الآلام لكنك تركت وراءك فراغا كبيرا مذهلا في الصحافة والفكر والأدب. نم في سلام أيها العابر وخالص العزاء لأسرتك وللصحافة الحقيقية والمفكرين والأدباء".
وأضاف المذيع والصحفي سالم المحروقي:  "كان محمد أبوالغيط شخصا استثنائيا ترك أثرا فيمن عرفه ومن لم يعرفه ..رحمه الله رحمة واسعة ورزقه الفردوس الأعلى.. مع السلامة يا محمد".

واعتبر زميله الصحفي أحمد الشيخ Ahmed Elsheikh بعد استرجاعه ".. رحيل صحفي شاطر وكاتب ممتع وإنسان خلوق ومقاتل ملهم كافح السرطان بالكلمة والعلم والصبر".
 

رجل استثنائي

الصحفي والمذيع بالجزيرة زين العابدين توفيق، كتب: "خسرت الدنيا اليوم رجلا استثنائيا في كل شيء. كان صحفيا استثنائيا يتعلم منه الكبير قبل الصغير.  وعرفنا في مرضه كيف كان زوجا استثنائيا وابنا استثنائيا وأبا استثنائيا. عزاؤنا أن محمد ظل يقول ما يريد ويبوح بما يشعر حتى آخر لحظة. ومن حسن حظنا أنه ظل في كامل وعيه وعطائه حتى الساعات الأخيرة من عمره القصير (٣٤عاما) فترك لنا معاني جديدة لكل شيء: للحب للبر للألم للصدق للجدية للجد للصبر للضعف للقوة للتحمل للجلد للمثابرة للانتصار للاستسلام للهزيمة للتسليم بالقضاء والرضا والجمال والمعرفة والتعلم والتعليم للعطاء. كلها معاني أعاد تعريفها وأصبح لها مسطرة جديدة هي مسطرة محمد أبو الغيط.".

أما الأكاديمي بجامعة قطر د.عماد عبداللطيف فكتب "قلبي موجوع بسبب مأساة الصحفي المصري الشاب أ. محمد أبو الغيط. لم أعرف قصة أ. محمد إلا من منشورات أصدقاء أقدرهم، وأثق في نبلهم. قضيت ساعات المساء بالأمس أقرأ مذكرات محمد مع مرض السرطان اللعين، كما قرأتُ مناشداته لزملائه وأصدقائه بالسعي للإفراج عن والد زوجته، عميد كلية الهندسة السابق بجامعة حلوان، المعتقل منذ سبتمبر 2013، رغم صدور حكم ببراءته. أوشكتُ على البكاء وأنا أتخيل حالة زوجته التي ماتت أمها بالسرطان قبل عامين، ومات زوجها بالمرض اللعين نفسه صباح اليوم، في حين يقبع والدها ذو السبعين عامًا وراء القضبان. كيف تواجه الحياة مع كل هذا المرار!".
 


الصحفي النابه

ومن الأدباء والصحفيين إلى السياسيين حيث نعاه المهندس أبوالعلا ماضي رئيس حزب الوسط قائلا: "انتقل إلى رحمة الله الشاب اللامع الطبيب والصحفى النابه د. محمد أبو الغيط ، بعد غربة وصراع مع المرض اللعين .. ولقد حزن عليه أُناس كثيرون ومنهم من لم يعرفه من قبل ولم يقابله ، فلقد كان انساناً خلوقاً ومهذباً ورقيقاً ومجتهداً ، فعلى مثله تبكى البواكى ، وإنا على فراقك يا محمد لمحزونون ولا نقول إلا مايرضي ربنا ..".

وبكلمات بسيطة علق د. محمد محسوب على رحيله قائلا: "رحم الله ‫#محمد_أبو_الغيط .. غادرنا اليوم للضوء الذي استشرفه من بعيد، أسأل الله له رحمة واسعة وقبولا ورضا لما قاسى من مرض وما جمعه حوله من حب، ولأهله الصبر والسلوان، خالص العزاء لأسرته وكل محبيه".

الثائر على الظلم

متحدث الإخوان المسلمون حسن صالح نشر نعيا للجماعة في وفاة الكاتب الصحفي محمد أبو الغيط الذي أصيب بمرض السرطان في معدته فاستأصله ثم انتشر ببقية جسده، وقال "صالح": " تتقدم جماعة " الإخوان المسلمون " بخالص العزاء والمواساة لعائلة  الطبيب والكاتب الصحفي النابه الأستاذ ‎محمد أبو الغيط ابن ثورة ٢٥ يناير المجيدة؛ الذي تُوفي اليوم بعد صبر طويل على المرض العضال وبعيداً عن وطنه".

وأضاف، "كان واحداً ممن آمنوا بأن ثورة يناير كانت حُلماً لأجل حياةٍ كريمة ووطنٍ حر، ولئن رحل اليوم فإن إخوانه ورفاقه سيكملون الطريق إن شاء الله".

وسأل الله له "أن يجعل كفاحه ومرضه وصبره رفعة لدرجاته؛ في الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ".
 

المغادر إلى الضوء

أما الإعلامي محمود سعد فقال: "يا ابني الحبيب الغالي.. سوف أتكلم عنك وأحكي.. ولكن الآن وأنت تغادر إلى الضوء كما قلت.. أذكر الكل أن هذا الجميل الذي رحل كان شعاره: الفقراء أولا…تذكروا!.. رحل محمد أبو الغيط صغيرا.. لكنه كان كبير الهمة والعطاء".

وعبر "دار الشروق" نعى المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس الإدارة وأسرة مؤسسة الشروق، محمد أبو الغيط، مشيرا إلى أنه بدأ مسيرته المهنية اللامعة انطلاقا من صفحات جريدة الشروق وموقعها الإلكتروني كصحفي استقصائي وكاتب رأي، وباحث نابغ وأحد أهم وأفضل الكُتاب الصحفيين في جيله.

وأضاف أن "أبو الغيط"  أبدى خلال مسيرته صمودا نادرا وشجاعة واستبسالا وقوة إرادة بلا حدود، وأشع إلهاما لمن تابعوا كتاباته وتجربته، مشيرا إلى الإرث الكبير الذي خلفه "من المحبة والاحترام بين قرائه وأصدقائه ومحبيه، وإرثا من التدوينات الملهمة التي كتبها عن فترة مرضه، لتكون سيرة ذاتية له ولجيله، بكل ما فيها من أحداث ومشاعر وتجارب وألم وأمل وإحباط وشغف".
 

معاناة.. وجوائز

ولد أبو الغيط، في 23 أكتوبر ١٩٨٨، بأسيوط، متدرجا في حب القراءة يبدأ بقراءة الكتب الإسلامية ثم يسجل إعجابا بكتابات أحمد خالد توفيق كأبناء جيله وروايات (رجل المستحيل) و(ما وراء الطبيعة)، ثم يكتب مقالات الهواة دفاعا عن الفقراء فتفتح له جريدة "الشروق" ثم "المصري اليوم" الأبواب، ومنهما انطلق إلى البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية بانحيازات دائمة للفقراء والمستضعفين.

وحصد محمد أبو الغيط خلال عمره القصير عدة جوائز منها جائزة مصطفى الحسيني لأفضل مقال صحفي عام ٢٠١٣، وجائزة سمير قصير لحرية الصحافة عام ٢٠١٤، وجائزة فيتيسوف للصحافة عن تحقيقه المتلفز "المستخدم الأخير"، وجائزة ريكاردو أورتيجا للصحافة المرئية والمسموعة المرتبطة بالأمم المتحدة، وجائزة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية عام ٢٠٢١.