أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الثلاثاء 27 من سبتمبر الماضي، أمرًا ملكيًا بتعيين محمد بن سلمان رئيسًا لمجلس الوزراء في خطوة مفاجئة للجميع.

وتباينت ردود المحللين عن أسباب تخلي الملك سلمان عن رئاسة الوزراء لولي العهد الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء، ويعتبرونها خطوة مفاجئة تتعارض مع "النظام الأساسي" للمملكة والترتيب التقليدي المتمثل في تولي الملك منصب رئيس الوزراء.

 

حصانة سيادية

وقالت صحيفة "الجارديان" البريطانية، في تحليل لها إن تعيين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رئيسًا للوزراء، جاء لحمايته مع اقتراب موعد نظر القضاء الأمريكي بقضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول.

وأكدت أن الدور الجديد لابن سلمان، "من المرجح أن يمنح الأمير حصانة سيادية" بمواجهة التحديات القانونية أثناء سفره إلى خارج المملكة.

وأوضحت الصحيفة أنه "من غير المرجح أن يغير هذا التطور ميزان القوى في السعودية، حيث يُنظر بالفعل إلى الأمير البالغ من العمر 37 عامًا على أنه الحاكم الفعلي للمملكة، ووريث العرش".

وطلب قاض أمريكي من إدارة بايدن التفكير في ما إذا كان يجب حماية الأمير محمد بالحصانة السيادية في قضية رفعتها خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز. وعادة ما تُمنح هذه الحماية لزعيم دولة مثل رئيس الوزراء أو ملك أو رئيس.

ووفقًا لـ"فرانس 24" فإن ابن سلمان قد عمل على تحصين موقعه كحاكم فعلي ومستقبلي عبر إسكات كل معارضة، فقام بسجن منتقديه، وفي حملة تطهير واسعة النطاق شملت النخبة السياسية والاقتصادية في البلاد، اعتقل حوالي 200 من الأمراء ورجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون بالرياض في حملة مكافحة الفساد عام 2017 والتي أسهمت في تشديد قبضته على السلطة.

 

محمد بن سلمان: لن نُلدغ من إيران مرتين.. وسنعمل لتكون المعركة عندهم وليس في  السعودية - CNN Arabic

 

تنازل عن العرش

ومن جهته قال الخبير الأمريكي، سايمون هندرسون، إن تنصيب محمد بن سلمان رئيسا لمجلس الوزراء السعودي، بدلا من والده، سيؤدي إلى تعزيز سلطة الأمير، وربما قد يكون ذلك مقدمة لتنازل غير مسبوق للملك سلمان عن العرش، في خطوة غير مسبوقة بالنظر إلى أن الملوك السعوديين عادة ما يحكمون حتى وفاتهم.

وتابع هندرسون، الذي يشغل منصب مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، بأن "صحة الملك سلمان البالغ من العمر 86 عاماً قد تدهورت بشكل متزايد منذ توليه العرش في عام 2015، لكنه واصل بشجاعة في الظهور علناً (على سبيل المثال، مشاركته في الاجتماعات الأسبوعية لمجلس الوزراء، والتي من الواضح أنه سيواصل القيام بها على الرغم من أنه لم يعد يحمل لقب رئيس الوزراء)".

ووفقًا لـ"دويتشه فيله"، فإن الباحث حسن منيمنة، مدير مؤسسة بدائل الشرق الأوسط، يصف تعيين ابن سلمان رئيسا للوزراء بأنه "تحصيل حاصل" ولن يغير من الواقع الفعلي في السعودية، كما نقل موقع قناة الحرة. ويضيف منيمنة: "ليس في الأمر أي جديد أو تبديل أو تركيز للسلطة، لأنها أصلا مركزة بيد ولي العهد". وعن المغزى من تعيين ولي العهد السعودي رئيسا للوزراء، يرجح منيمنة أنها "قد تدخل في إطار تحضير الأجواء لانتقال سلس للسلطة، أو فقط لتثبيت ما هو ثابت".

أمر ملكي سعودي بتعيين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيسا للوزراء

 

تسريع التطبيع مع الكيان الصهيوني

وقد تكون هذه الخطوة – في رأي هندرسون – للمسارعة في ملف التطبيع بين المملكة والكيان الصهيوني، "حيث يُنظر إلى الملك سلمان على أنه عائق أمام هذه العملية، إذ إنه أبطأ مُعظم الجهود الرامية إلى إقامة علاقات عامة مع القدس. ولكن إذا كان تنازله عن العرش وارداً فعلاً، فقد يلين موقف الرياض إلى حد ما في هذا الصدد (على الرغم من أن استطلاعات الرأي السعودية الأخيرة تشير إلى أن المواطنين لن يتبنوا مثل هذه الخطوات)".

ولا يُتوقع أي تغيير في العلاقات مع الولايات المتحدة، على الرغم من أن المعلقين أشاروا إلى أن ابن سلمان كرئيس للوزراء سيتمتع بحصانة سيادية عندما يسافر إلى الخارج. ففي السابق، ربما كان يتوخى الحذر بشأن زيارة الولايات المتحدة خشية مواجهة إجراءات قانونية محتملة على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

وكانت خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، قد رفعت الدعوى المدنية ضد الأمير السعودي، في المحكمة المحلية الفيدرالية بواشنطن العاصمة، في أكتوبر 2020، وجاء في الدعوى أنه ومسؤولين سعوديين آخرين تصرفوا في "مؤامرة، ومع سبق الإصرار" باختطاف وتقييد وتعذيب وقتل خاشقجي، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.

وقالت جنكيز في تصريح لصحيفة "الجارديان": "الكفاح من أجل العدالة يجب أن ينجح، ولا يجب أن يتوقف بمجرد أن محمد بن سلمان يمنح نفسه لقبًا آخر".

 

هل حدث هذا الأمر سابقاً؟

عند النظر في تاريخ العائلة المالكة في السعودية، نجد أنه مع بداية إحداث مجلس الوزراء في عهد الملك عبد العزيز بن سعود في عام 1953، جرت تسمية ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز رئيسًا للمجلس.

ولي العهد في الخمسينيات والستينيات فيصل بن عبدالعزيز تولى أيضًا رئاسة مجلس الوزراء، ولكنه احتفظ برئاسته لمجلس الوزراء بعد توليه مقاليد الحكم مطلع عام 1964.

ومن حينها يتولى الملك فقط رئاسة الوزراء. لذلك يعتبر تولي الأمير محمد بن سلمان هذا المنصب حدثًا نادرًا وكسرًا للقاعدة السائدة منذ حوالي ستة عقود.