شهدت أسواق اللحوم في مصر منذ ما يقرب من شهر أزمة كبيرة، لارتفاع أسعارها بسبب استقبال عيد الأضحى المبارك، ما تسبب في حالة من الركود الكبير عند شراء لحوم الأضاحي وعزوف العديد من المواطنين عن شراء الأضحية هذا العام.

وقام أعضاء من مجلس النواب بتقديم بيانات لحكومة الانقلاب يطالبونها بالتدخل العاجل، لتوفير اللحوم والأضاحي بأسعار مناسبة، لتكون في متناول الأسر التي يلاحقها الغلاء من كل جانب.

بدورها، أحالت الحكومة إلى آلاتها الإعلامية، التي تقود حملات متواصلة، لبث الطمأنينة بين المواطنين، على توافر اللحوم، مع إظهار قدرتها على إحكام قبضتها على التجار، وتوزيع ما يطلبونه بأرخص الأسعار، وفق مراقبين.

لجنة طوارئ

وشكّلت حكومة الانقلاب لجنة طوارئ عامة، تضم كبار مسؤولي وزارات الزراعة والداخلية والتموين والإدارة المحلية والدفاع والمحافظين، وكأن الدولة في حالة حرب شوارع مع التجار والبائعين، وتفخر بقدرة الجهات الحكومية على التحكم في الأسعار بينما الواقع، الذي يدركه القادرون على شراء اللحوم، يؤكد أن من يرى ليس كمن سمع.

تحركت الحكومة لتوفير اللحوم والأضاحي، عبر أذرعها الأمنية، بمنافذ بيع "أمان و" كلنا واحد"، التابعة لوزارة الداخلية، ومعارض "تحيا مصر" وعربات البيع المتحركة، التي تديرها وزارة الدفاع، و1300 منفذ توزيع مملوكة لوزارة التموين، والشوادر التي تنظمها وزارة الزراعة والمحافظون في بعض فروعها بالمدن الكبرى.

ورغم اختلاف الجهات المشرفة، على أدوات البيع، إلا أن نوعية اللحوم والأسعار تكاد تكون متطابقة، وأماكن تواجدها يتركز حصريًا في العاصمة، بالمناطق كثيفة السكان، والقريبة من المؤسسات الحكومية.

وبينما تظهر معارض البيع، في الإسكندرية، وعواصم المحافظات، لا تراها في باقي أنحاء البلاد، إلا عبر المبادرات الشعبية التي ينظمها التجار تحت رعاية الجهات الأمنية والمحافظين في إطار اتفاق يحدد سقفًا للأسعار، وتترك الساحة شاغرة أمام ضعاف النفوس من التجار، للتلاعب في الموازين ونوعية اللحوم.

ارتفاع الأسعار

تعلن الجهات الحكومية أن سعر بيع اللحم البلدي، البقري والجاموس، يتراوح ما بين 110 و130 جنيها للكيلوجرام، واللحم السوداني الطازج ما بين 110 و115 جنيها، والضأن من 115 إلى 130 جنيهًا. إلا أن جولة في الأسواق أثبتت أن الأسعار المعلنة على خلاف الواقع، حيث يباع كيلو اللحوم الطازجة، ما بين 140 و160 جنيهًا، ويبدأ من 160 جنيها للضأن. ولم تفلت اللحوم المثلجة من زيادة الأسعار، حيث تتراوح ما بين 90 إلى 100 جنيه، بزيادة 30% عن أسعار العام الماضي.

وتعتبر مصر من صغار مستهلكي اللحوم، بمتوسط 7.3 كيلوجرامات للفرد سنويًا، يحتاج نحو مليون طن من اللحوم كل عام، ينتج نحو 52% منها فقط، تحول توفير العجز في اللحوم إلى أزمة خطيرة.

يقول وكيل وزارة الزراعة للثروة الحيوانية، طارق سليمان، إن أغلب الذبائح المصرية تأتي حاليا من السودان، بمعدل 111 ألف رأس، لأن مصر لديها 8 ملايين رأس ماشية فقط، تشمل الأبقار والجاموس والجمال والأغنام، لا تتناسب مع عدد السكان، ولا الزيادة السنوية في التعداد والاستهلاك.

وتعتمد الدولة على استيراد الأعلاف من الخارج، وخاصة من أوكرانيا وروسيا، إذ أدت الحرب بينهما إلى زيادة أسعار الأعلاف بالسوق المحلية بنسبة 100%.

وباء الحمى القلاعية

يقول محمد الواعر، تاجر مواشٍ من المنيا، إن سعر طن العلف ارتفع من 5000 جنيه في الموسم الماضي إلى 9000 جنيه للطن حاليًا. وأوضح أن انخفاض أعداد رؤوس المواشي المستوردة زاد من الضغوط على المنتج المحلي، بما دفع الأسعار إلى أعلى.

وما زاد الأمر سوءًا هو انتشار وباء الحمى القلاعية السباعي، الذي اكتشفه الأطباء قادمًا مع الأبقار الواردة من البرازيل وألمانيا، ومع عدم قدرة المربين على شراء الأدوية البيطرية المستوردة للمكافحة، تمسك المربون والتجار بما لديهم من مواشٍ لحين بيعها في اللحظات الأخيرة، قبل العيد، ما أربك صغار التجار والموزعين في الأسواق.

وأوضح تاجر المواشي أن سعر بيع كيلو اللحم القائم للعجول المستوردة، بلغ 70 جنيهًا من كبار التجار، و74 لدى المربين، بينما يباع ما بين 77 جنيهًا إلى 80 جنيهًا. ويصل سعر الضأن البرقي الفاخر إلى 100 جنيه لكيلو القائم، والرحماني 95 والصعيد والبلدي 90، حسب الواعر.

يفسر الواعر عدم وجود فروق كبيرة في أسعار الجهات التي تديرها الدولة والقطاع الخاص، بأن الحكومة لا تملك الكميات الكافية لتلبية احتياجات السوق، كما أنها تتفق مع وسطاء لتوزيع اللحوم، مقابل تسهيلات في إقامة الشوادر في الشوارع العامة، التي يحرم منها القطاع الخاص، ويعتمد كثيرون على التلاعب في الموازين ونوعية اللحوم، لتعويض نقص الأرباح، لأن تكلفة المنتج مرتفعة لكل المربين، وفقًا لـ"العربي الجديد".

عجز الحكومة

تبيع منافذ الحكومة كيلو اللحم القائم بسعر يتراوح ما بين 80 إلى 90 جنيهًا، بدلا من 55 جنيهًا في العام الماضي، بما دفع النائب أحمد حته، عضو مجلس النواب، إلى التقدم بطلب إحاطة للحكومة، مطالبًا بتدخلها العاجل لخفض "الارتفاع الجنوني" في الأسعار.

ويبدي المربي وصاحب محلات جزارة بالجيزة، مصطفي حسين، استغرابه لعدم قدرة الحكومة على خفض أسعار البيع للجمهور، في وقت لا تتحمل المنافذ التابعة لها أية مخاطر في الإنتاج والتسويق، أو الضرائب وتمتعها بالعمالة الرخيصة، وعدم الملاحقات الأمنية والرقابية، التي تطاول القطاع الخاص، وتكلفه مبالغ طائلة.

ولفت حسين إلى أن تقارب الأسعار يرجع إلى قلة المعروض من المواشي. ويؤكد أن حالة الغلاء تؤثر بشدة على حركة المبيعات، التي تشهد حالة من الركود، مع تراجع قدرة الناس على الشراء، بما دفعهم لشراء كميات قليلة من اللحوم وعدم التفكير في شراء أضاحٍ أسوة بالأعوام الماضية.

أدت حالة الغلاء في الأسعار إلى ركود في الإقبال على شراء الأضاحي بنظام الصكوك، الذي ابتكرته وزارة الأوقاف، منذ 6 سنوات. ولجأت منظمات خيرية تشارك في دعم صكوك الأضاحي، إلى بيع الصكوك بالتقسيط، بعدما حصلت على فتاوى بشرعية تقسيط ثمن الصك، لمن يملك مرتبًا شهريًا ثابتًا وهو قادر على السداد، بدون الحصول على قروض للتمويل أو دفع فوائد ربوية. مع ذلك، لم تلق تلك الصكوك رواجًا، رغم الحملات الإعلانية التي توجهها للجمهور عبر الرسائل النصية على الهاتف وأجهزة الإعلام المختلفة.