يقترب العالم من الغرق في مجاعة بنهاية عام 2022، والسبب استغلال الدول سلاح القمح والحبوب لتحقيق مكاسب سياسية.

ومنذ 24 فبراير الماضي وحتى الآن، ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية بنحو 30% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب تقارير للأمم المتحدة، ولا يزال الغرب وروسيا كل يلقي بأوراقه للسيطرة على شرق أوروبا.

ولا تزال أوروبا تضغط بورقة العقوبات على روسيا التي بدأت بتجميد نحو 300 مليار دولار من أرصدة موسكو وذهبها، فيما يقسو "الدب الروسي" على "القارة العجوز" بأسلحة الغاز والحبوب، خصوصًا القمح.

وتعد روسيا الأولى عالميا من حيث تصدير القمح بحجم 37.3 مليون طن سنويا، بحسب آخر إحصائية، تليها الولايات المتحدة وكندا بـ26.1 مليون طن، وأوكرانيا في المركز الرابع بـ18.1 مليون طن، فيما يبلغ إجمالي محصول القمح الروسي 77 مليون طن.

ويتجه أغلب القمح الروسي والأوكراني إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا.

واليوم يتجه العالم نحو مجاعة تهدد 276 مليون شخص بحسب تقرير الأمم المتحدة، فيما تتبادل واشنطن وموسكو الاتهامات حول من المتورط في هذه الكارثة العالمية؟

روسيا ليست السبب الوحيد للمجاعة

ولكن روسيا ليست الوحيدة المتسببة في أزمة القمح العالمية وإصابة العالم بمجاعة، لأسباب عدة أبرزها أن:

  • روسيا لم تمنع تصدير الطاقة من خلال الأنابيب إلى بلدان أوروبا، رغم العقوبات عليها، ثم ظهرت أن المشكلة في الولايات المتحدة ليست في النفط كمادة خام، بل في قلة عدد مصافي التكرير: كما ذكر وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان مؤخرًا.
  • أزمة المناخ وقلة الأراضي الصالحة للزراعة التي لا تتجاوز 11% في العالم، وقطع الغابات، وتكلفة الإنتاج الزراعي مع زيادة عدد سكان الأرض.
  • في الولايات المتحدة على سبيل المثال، تقنية الإنتاج الزراعي المتطورة جعلت من شركاتها الزراعية الكبرى متحكمة في سلع معينة، سواء في التصدير أو الاستخدام الداخلي، في حين أن البلدان التي تستطيع الزراعة مثل السودان تفتقر لآليات الإنتاج الزراعي المتقدمة، وبالتالي مهما أنتجت سيظل إنتاجها قاصرًا،
  • ضغط البنك الدولي على الدول النامية لسداد ديونها، ما جعل الوضع يتفاقم في الدول الأفريقية. اليمن وسوريا ولبنان والسودان دول عربية تعاني أزمة غذاء قبل الحرب.
  • رفعت موسكو صادراتها للقمح في الشهرين الأخيرين منتهزة ارتفاع أسعاره، رغم العقوبات عليها، كما أنها أعلنت أنها لن تحرم الدول الصديقة من منتجاتها الزراعية وحتى غير الصديقة.
  • المشكلة الحقيقية هي تحجيم الأمم المتحدة ومؤسساتها من مشكلة الأزمة الغذائية، وتوجيه أصابع الاتهام حكرًا على موسكو، في الوقت الذي كان يفترض بها معالجة جذور الأزمة المتعددة، قبل أن تضخمها أزمة جديدة لتتحول إلى تهديد بمجاعة عالمية.

القمح ومجاعة العالم.. من المسؤول؟

قال بانكاج ميشرا، المعلق في وكالة "بلومبرج"، إن الولايات المتحدة وحلفاءها فرضوا تدابير تقييدية ضد موسكو دون مراعاة تداعيات الخطوة على الدول الأخرى.

وأضاف الخبير قائلًا: "بالتأكيد الخطوات غير المنهجية القائمة بشكل أساس على المصلحة الذاتية كان مصيرها دائمًا الفشل". وشدد على أن الدول الغربية فشلت في الضغط على روسيا بمساعدة العقوبات.

وأوضح شارحًا موقفه قائلًا: "غير فاعلة حتى ضد الأنظمة الضعيفة مثل كوبا، فشلت العقوبات كما كان متوقعًا في إيقاف الزعيم الروسي، بينما عرضت مليارات الأشخاص حول العالم للتضخم والجوع".

مصير قمح أوكرانيا تحت الحصار

قال تاراس فيسوتسكي، النائب الأول لوزير السياسة الزراعية والغذاء في أوكرانيا، اليوم الثلاثاء، إن بلاده يمكنها تصدير مليوني طن بحد أقصى من الحبوب شهريًا إذا رفضت روسيا رفع الحصار الذي تفرضه على الموانئ الأوكرانية الواقعة على البحر الأسود.

كم شخصا معرضا للمجاعة عالميًا؟

قال مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للشؤون الاقتصادية، في تصريح له يوم 19 مايو الماضي، إن العالم سيدخل في مرحلة الجوع بنهاية 2022.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تصريحات سابقة: "في غضون عامين فقط، تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحادّ، من 135 مليونًا قبل بدء الجائحة إلى 276 مليونًا اليوم".

وأكد تقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، حول بؤر الجوع الساخنة "تظل حالة التأهب القصوى في إثيوبيا ونيجيريا وجنوب السودان واليمن باعتبارها بؤرًا ساخنة للجوع، ذات ظروف كارثية، فيما تضاف أفغانستان والصومال إلى هذه الفئة التي تثير القلق.

ووفق التقرير المشترك فإن 750 ألف شخص يواجهون بالفعل المجاعة والموت في إثيوبيا واليمن وجنوب السودان والصومال وأفغانستان.

وقد أصدر برنامج الأغذية العالمي والفاو تحذيرًا مبكرًا لاتخاذ إجراءات إنسانية عاجلة في 20 بؤرة جوع ساخنة من المتوقع أن يتفاقم الجوع فيها في الفترة الواقعة بين يونيو وسبتمبر 2022.

وبحسب التقرير، يؤدي الصراع في أوكرانيا إلى تفاقم ما هو بالفعل عام من الجوع الكارثي، لما يتبع ذلك من موجة جوع تنتشر في جميع أنحاء العالم، وتحول سلسلة من أزمات الجوع الرهيبة إلى أزمة غذاء عالمية لا يستطيع العالم تحمّلها.

من جانبه، قال ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، إن تلك "العاصفة المثالية" لن تضر بأفقر الفقراء فحسب، بل ستربك أيضا ملايين الأسر التي حتى الآن لا تزال تكافح من أجل البقاء.

أسعار القمح تتراجع

تراجعت أسعار العقود الآجلة للقمح لمعظم شهور التسليم المقبلة في تعاملات بورصة شيكاغو للسلع، بفضل موسم الحصاد في الصين أكبر مستهلك للقمح في العالم واستمرار نمو المحصول للسنة الثالثة على التوالي في أستراليا أحد أكبر مصدري القمح في العالم.

وارتفعت مساء أمس أسعار العقود الآجلة للقمح في بورصة شيكاجو بأكثر من 5%، بعد أن كانت قد سجلت أكبر خسائر أسبوعية لها منذ شهرين. وبحسب توبين جوري المحلل الاقتصادي في مجموعة كومنولث بنك أوف أستراليا فإن الهجمات الصاروخية الروسية على ميناء ميكوليف الروسي الذي يعتبر أحد أهم موانئ تصدير الحبوب في أوكرانيا أسهم في ارتفاع الأسعار. ورغم ذلك تراجعت الأسعار اليوم بنسبة 1% إلى 10.83 دولار لكل بوشل تسليم يوليو المقبل. كما تراجعت أسعار الذرة بسبب الظروف الجوية المواتية في مختلف مناطق الزراعة بالولايات المتحدة، ما يعزز الآمال في محصول وفير.