عام يمر من بعد عام، وأيام تواليها أيام، ويظل الحال كما هو، زوج معتقل، وزوجة مكلومة، وأبناء كأنهم أيتام.. تضحك الشفاه وتبكي القلوب، تفرح الوجوه وتحزن النفوس.. تسعد العيون لحظات وتبكي الأرواح أيامًا وسنوات..
تنظر إليهم فتراهم أمام ناظريك أقوياء، ثابتين، شامخين، صابرين، محتسبين.. هكذا تبدو صورة أهالي المعتقلين، بينما هم فيما بينهم وبين أنفسهم يغلقون عليهم أبوابهم باكين، متألمين، يملأ الحزن قلوبهم، وتقطع الفرقة جوانحهم، إلا أنهم بوعد ربهم بالنصر والتمكين مطمئنين، وبعودة الحق والعدل فوق ربوع العالمين موقنين.
8 سنوات من الأسى
مرت 8 سنوات على اعتقال زوجي، وعلى الرغم من اعتقاله ظلمًا وعدوانًا إلا أنهم قرروا الإفراج عنه بعد خمس سنوات، بعد أن برّأته المحكمة من التهم الزور التي ألفقوها به، وفي أسعد لحظات حياتنا، ونحن نستعد لخروج زوجي ووالد أبنائي من معتقله، فوجئنا بتلفيق تهمة أخرى له وزجّه في السجن مرة أخرى ليحاكم هذه المرة عسكريًا، ومن يومها ونحن في حزن وكرب وهم وغم لا يعلمهم إلا الله.
هكذا تصف "ر. ح" زوجة "ع. ع" حالها وهي تبكي، وتقول: اعتقلوا زوجي في وضح النهار، وآذوه طيلة شهرين وهو مغيب قسريًا، ولم نعلم عنه شيئًا إلى أن ظهرت صوره عبر شاشات التلفاز وهو يعاني من تورمات في الوجه، وكسر في الأنف، وشرخ في الذراع، بسبب التعذيب الذي صبوه عليه خلال هذه الفترة.
وتواصل فتقول إن زوجها كان يعمل بإحدى الشركات الكبرى مسئولاً لإحدى القطاعات الجغرافية للشركة، وكانت حياتهم سعيدة ومستقرة، ورزقهم الله اثنين من الأبناء بنتًا وولدًا إلا أن قوات داخلية الانقلاب اختطفوه من بيننا، ووضعوه في غياهب السجون والمعتقلات.
وتتابع "ر. ح" فتقول إن زوجها يعاني العديد من الأمراض في السجن، وتعرض لحالات تسمم أكثر من مرة، وضيقت عليه إدارة السجن كثيرًا وعاقبوه بالحرمان من الزيارة، ووضعوه في السجن الانفرادي مرات عديدة ومع هذا ظل صابرًا محتسبًا يشكو إلى الله ظلم الظالمين وطغيان المعتدين من الانقلابيين.
وتصف حال أبنائها وهم يسألونها عنه كل حين، وخاصة بعد أن تذهب لزيارته مرة واحدة كل شهر، وهي تحدثه من وراء الأسلاك الشائكة، لا تلمسه ولا تقترب منه، فتسمع بعض حديثه ولا تسمع البعض الآخر وسط زحام شديد من أسر المعتقلين، فالكل يصرخ حتى يُسمع بعضهم بعضًا.. تقول: حتى في المرات التي يمنعونني فيها من الزيارة أعود لأخبرهم أني قد رأيته وهو بخير، وأطمئنهم عليه ثم أدخل باب غرفتي وأنهمر في البكاء لساعات قبل أن أخرج إليهم في اليوم التالي وأنا أوقن أن الله سيجعل لنا فرجًا ومخرجًا.
"وجع لا يوصف"
زوجة عضو مجلس الشورى السابق والأكاديمي بكلية الهندسة جامعة بني سويف، الدكتور محمد محيي الدين، المعتقل منذ 23 فبراير 2019، السيدة ندى مقبل، أعربت عن ألمها لغياب زوجها عنها وعن نجليها زياد وياسمين، لأكثر من 3 سنوات.
وأشارت لحالة الألم والمرارة التي تعيشها في غياب زوجها، معربة عن أسفها من أن هذا هو رابع عيد يمر عليها دون محيي الدين.
وقالت مقبل: "ليس هناك أي كلام يمكن به وصف حالة الوجع والألم التي نعيشها وخاصة مع المناسبات التي تحمل ذكريات وكانت تمثل لنا فرحة أسرية"، معربة عن أملها في أن "يرجع ويقضي رمضان والعيد معنا".
"حرمان من الظل"
وفي كلمات تحمل كمًا من الحزن والأسى كتبت حنان توفيق، زوجة وزير التموين المصري الأسبق والمعتقل منذ منتصف العام 2013، الدكتور باسم عودة: "ويمر رمضان وراء رمضان.. وعيد وراء عيد ولا نستطيع أن نراه أو نسمع صوته أو نطمئن عليه حتى بخطاب مكتوب".
وفي منشور لها عبر "فيسبوك"، الأربعاء، أضافت: "نفسي أشوفه وأقوله كل سنة وأنت طيب، بقالنا سنين ما اتقابلناش (لم نلتق)، عايشين مع بعض على نفس الكوكب ومش عارفين نشوف بعض، بتعدي مناسبات وأحداث ما يعرفش عنها حاجة".
وتابعت: "إلى متى تظل الزيارة ممنوعة؟ وحتى متى لا يمكننا رؤية ظله؟ لماذا غير مسموح بزيارة استثنائية في المناسبات، إذا كانت الزيارة العادية ممنوعة من 5 سنوات؟".
وختمت بالقول: "الزيارة حق إنساني لكل إنسان مسجون في أي مكان في العالم.
65 ألف معتقل سياسي
الجدير بالذكر أنه منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013 مرت 9 رمضانات متتابعة و9 من أعياد الفطر على نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي احتياطيًا في مصر حتى بداية مارس 2021 (من بين نحو 120 ألف سجين)، وفق تقدير "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" في أبريل 2021.
ومن بين هؤلاء السجناء السياسيين صحافيون ومحامون وأكاديميون ومن جميع المهن إلى جانب نشطاء وإسلاميين في سجون النظام العسكري الحاكم بدون أمل في الخروج من تلك الأزمة وبعيدًا عن أسرهم وهم محرومون من فرحة رمضان وفرحة العيد ولمة الأسرة والإفطار مع الأحباب ولقاء الأصدقاء.