دخل قطار الديون المصرية إلى منعطف صعب في ديسمبر 2021 بعدما وصلت قيمة الديون الخارجية على القاهرة إلى نحو 146 مليار دولار بنهاية العام الماضي، مقارنة بـ34 مليار دولار في عام 2012 بزيادة تخطت الـ100 مليار دولار.

وفقًا للبيانات الرسمية للبنك المركزي المصري فمنذ عام 2012، ارتفعت قيمة الديون الخارجية على مصر بما يزيد على 100 مليار دولار، بعدما سجل الدين الخارجي في نهاية عام 2012 نحو 34.4 مليار دولار، قبل أن تتضاعف بأكثر من أربعة أضعاف لتسجل نحو 147 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2021.

أزمة حقيقية

وكشف تقرير صدر مؤخرًا عن وكالة «ستاندرد آند بورز» العالمية، أن إجمالي الديون السيادية لمصر يتوقع أن تصل مع نهاية العام الحالي 2022 الى 391.8 مليار دولار أمريكي، بعد أن كانت 184.9 مليار دولار فقط في العام 2017.

كما تبين من التقرير أن مصر تستحوذ على 0.6% من إجمالي الديون التجارية في العالم، وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بدول مماثلة، أو إذا ما قورنت بالاقتصادات الناشئة، حيث تشكل تركيا مثلًا 0.3% فقط من اجمالي الديون التجارية في العالم، وكذلك باكستان تشكل النسبة ذاتها.

ويتوقع التقرير أن تقترض مصر 73 مليار دولار خلال العام الحالي، إلا أن الكارثة هي أن جزءًا كبيرًا من هذا المبلغ سوف يذهب لسداد ديون سابقة، أي أن الاقتصاد لن يستفيد منها والمصريون لن يستفيدوا من هذا الرقم العملاق، وفقًا لـ"رصد".

وبحسب التقرير، فإن القروض السيادية الإجمالية لمصر ستبلغ مع نهاية العام الحالي 391.8 مليار دولار مقارنة مع 348.4 مليار مع نهاية العام 2021، أي أن الديون السيادية سوف ترتفع بواقع 43.4 مليار دولار، على الرغم من أن مصر ستقترض 73 مليارًا، وهذا يعني أن نحو 30 مليارًا من الديون الجديدة ستذهب للوفاء بأخرى سابقة ليس أكثر.

وبذلك فإن مصر ستصبح أكبر دولة مدينة في منطقة الشرق الأوسط، وسوف تكون أحد أكبر طالبي الديون في العالم، حيث يقول تقرير «ستاندرد آند بورز» إن مصر سوف تقترض هذه المبالغ العملاقة عبر إصدار سندات بقيم كبيرة، وسوف تكون أكبر طالب لهذه الديون في الشرق الأوسط وأوروبا وشمال إفريقيا.

كما أن نصيب الفرد الواحد في مصر من هذه الديون سوف يصبح من بين الأعلى في العالم، إذ إن كل مواطن مصري سوف يكون مدينًا بأكثر من 3900 دولار أمريكي مع نهاية العام الحالي، أي أكثر من 71 ألف جنيه مصري.

وبالمقارنة مع الوضع السابق لديون مصر، ففي ديسمبر 2010، بلغ إجمالي الدين العام في مصر 962.2 مليار جنيه (54 مليار دولار) وكان يعادل 69.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وأصبحت خدمة هذه الديون العملاقة تستحوذ على نحو 44% من الموازنة العامة لمصر، أي إن الجزء الأكبر من موازنة البلاد تذهب كفوائد للديون التي اقترضتها مصر من مؤسسات وبنوك أجنبية.

وقدرت الفوائد المطلوب سدادها عن القروض المحلية والأجنبية في مشروع الموازنة المصرية الجديدة (2021-2022) بنحو 579.6 مليار جنيه، ليبلغ إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة في العام المالي الجديد نحو 1.172 تريليون جنيه.

فيما استهدف مشروع الموازنة زيادة الإيرادات العامة للدولة إلى 1.365 تريليون جنيه، منها إيرادات ضريبية تقدر بنحو 983.1 مليار جنيه.

الاقتصاد في تدهور

أكدت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، الأربعاء، أن أوضاع الاقتصاد المصري في تدهور وأن البلد بحاجة للاستقرار ماليًا بجانب مواصلة الإصلاحات، وفق ما أفادت "رويترز".

كما قالت جورجييفا، في مؤتمر صحفي إن "الصندوق كان لديه تجربة ناجحة مع مصر في البرنامج السابق، لكن الآن ظروف الاقتصاد المصري تزداد سوءًا".

وأرجعت جورجييفا السبب في ذلك إلى مُعاناة مصر بسبب ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، نتيجة اعتمادها على واردات الغذاء من روسيا وأوكرانيا، بحسب سي إن بي سي عربية.

وتحدثت عن حاجة مصر إلى الاستقرار المالي والاستمرار في الإصلاحات، إلى جانب الحاجة لبرنامج تابع لصندوق النقد الدولي يحمي الفئات الضعيفة.

وقالت إن "مصر كانت تلجأ إلى احتياطياتها من النقد الأجنبي من أجل حماية عملتها المحلية، لكن البلاد الآن تأخذ على محمل الجد الحاجة إلى تحقيق الاستقرار ماليًا وكذلك الاستمرار في الإصلاحات".

وأكدت جورجييفا التزام الصندوق ببناء برنامج شديد الحساسية في وقت يوجد فيه عدد كبير من الناس في مصر معرضون للخطر.

وأضافت مديرة الصندوق أنه "علينا التأكد من استمرار توفير الحماية الاجتماعية الحيوية في مصر للوصول إلى هؤلاء الأشخاص الأكثر احتياجًا للدعم".

ارتفاع التضخم

في مراجعة أبريل، توقع صندوق النقد الدولي أن تواصل نسب التضخم ارتفاعها في الدول العربية كافة خلال عام 2022. وتأتي أكبر هذه الزيادات في السودان، حيث من المتوقع أن يصل معدل التضخم فيه إلى 244%، يأتي بعده اليمن، بمعدل تضخم يصل إلى 46%، وتأتي مصر ثالثًا بمعدل تضخم يصل 10.7%.

أضف إلى ذلك ان نسبة المصريين تحت خط الفقر لا تزال عالية بحدود 30%، وهو الأمر الذي يشكل عامل خطر على نمو مستدام وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي. ويزيد من خطورته الضغوط التضخمية المتزايدة محليًا وعالميًا منذ أواخر الصيف الماضي.

ويدل على ذلك ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وفي مقدمتها الحبوب والزيوت بمعدلات عالية في إطار معدل تضخم وصل إلى 6% خلال الشهرين الماضيين. ومن شأن معدلات كهذه جعل الفقراء أكثر فقرًا وإضعاف القوة الشرائية للفئات محدودة الدخل والطبقة الوسطى التي فقدت الكثير من مكانتها خلال السنوات العشر الماضية. ومن تبعات ذلك جعل الوضع السياسي أقل استقرارًا، ومناخ الاستثمار أقل جاذبية. وهو أمر ينبغي مواجهته بكل السبل الممكنة، لأن ارتدادات زعزعة الاستقرار في بلد يزيد عدد سكانه على 100 مليون نسمة كمصر لا تطال بقوة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحسب، بل والقارة الأوروبية كذلك، وفقًا لـ"دويتشه فيله".

خطر الوقوع في فخ الديون الخارجية

وإضافة إلى الضغوط التضخمية التي يعززها ارتفاع معدلات التضخم العالمي الذي نشهده حاليا بشكل غير مسبوق حتى في البلدان الصناعية الرئيسية كالولايات المتحدة وألمانيا واليابان، فإن عجز الميزان التجاري المصري لا يزال متفاقمًا. ويدل على ذلك أن حجم الصادرات لا يزال أقل من نصف حجم الواردات على مدى السنوات الأربع الماضية، وتزيد قيمة معدل العجز السنوي على 30 مليار دولار يتم تعويض قسم منها من خلال عائدات قناة السويس وتحويلات المغتربين والقروض الخارجية. ومما لا شك فيه أن الاعتماد المتزايد على هذه سيزيد العجز ويرفع حجم المديونية الخارجية الذي يزيد حاليًا على 146 مليار دولار، مقابل 100 مليار دولار عام 2018.