عندما رفع الرئيس السابق أنور السادات الدعم في عام 1977، اندلعت أعمال شغب وتراجع عن قراره بسرعة. وعندما ثار المصريون مرة أخرى في 2011، كانت مطالبهم الرئيسية الثلاثة هي "الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية". وبالرغم من أن الأخيرين ثبت أنهما بعيدا المنال، استمر توفير الأرغفة بأسعار رخيصة.

 

دولة لا تنتج قوتها

تزرع مصر ما يقرب من 3.6 مليون فدان قمحًا، معظمها منزرعة بأصناف تصل متوسط إنتاج الفدان منها إلى 24 أردبًا، ويتوقع أن تتعدي الإنتاجية 10 ملايين طن، بينما تستهلك مصر نحو 23 مليون طن من الأقماح سنويًا، فيكون حجم ما نستورده 13 مليون طن من روسيا وأوكرانيا مجتمعتين، وتعتبر مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم وثاني أكبر مستورد من روسيا.

واستوردت مصر عام 2020 نحو 12.9 مليون طن قمح بتكلفة 3.2 مليار دولار، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وفي عام 2020، كانت مصر أكبر مستهلك للقمح الأوكراني حيث استوردت أكثر من 3 ملايين طن، ما يقرب من 14٪ من إجمالي إنتاج القمح الأوكراني، كما اشترت مصر 8.9 مليون طن قمح من روسيا عام 2020.

ومن المتوقع أن يصل استهلاك مصر من القمح لعام 2021-22 إلى 21.3 مليون طن، وهي زيادة قدرها 2.4٪ تقريبًا عن 2020-2021، وفقا لخدمة الزراعة الخارجية الأمريكية.

وفي أحدث مناقصة في مصر، التي جرت يوم 28 يناير الماضي، دفعت 350 دولارًا للطن، أي 100 دولار أكثر مما كانت قد وضعته في الميزانية. وبهذا السعر ستدفع مصر 1.5 مليار دولار إضافية (0.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي) هذا العام للقمح، وفقًا لـ"مونت كارلو."

ووضع الغزو الروسي لأوكرانيا مصير القمح في مهب الريح؛ لأن الغالبية العظمى من القمح الذي تستورده مصر يأتي من روسيا وأوكرانيا اللتين تتحاربان فيما بينهما.

وتتوقع وكالة "بلومبيرج" أن تكون أسعار القمح في سبيلها لتسجل ارتفاع قياسي بنسبة 40%، وهو أعلى مستوى منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا وقيام الولايات المتحدة وأوروبا بفرض عقوبات شاملة على موسكو.

وتوقع الدكتور نادر نور الدين، مستشار وزير التموين والتجارة الداخلية سابقا، ارتفاع أسعار الحبوب بنسبة 20%، بخلاف زيادة أسعار البترول التي يمكن أن تصل إلى 20% أيضًا، لذلك سوف تتأثر الأسعار داخليًا وخارجيا.

وأوضح أن الحرب ستؤثر كثيرًا على استيرادنا من الحبوب كالقمح والذرة الصفراء للأعلاف وزيوت الطعام، ما يؤثر على المخزون الإستراتيجي؛ لأن المخزون الإستراتيجي الخاص بمصر ثلثه بالمخازن، وثلثه على المراكب بالبحر، وثلثه تعاقدات، فثلث الخاص بالتعاقدات هو الذي سوف يتأثر إلى أن نحل التعاقدات مع أوكرانيا إذا قامت الحرب.

 

لماذا القمح الروسي أو الأوكراني؟

هناك العديد من الأسباب تجعل الدول العربية تفضل القمح الروسي والأوكراني، أولها: "سعره المنخفض" مقارنة بالقمح الأمريكي أو الكندي مثلاً. ثانيها: قرب المسافة؛ يقول المحلل المالي التونسي نادر حداد: "هذا السعر سيرتفع كثيرًا في حال التوجه إلى الولايات المتحدة أو كندا أو بلدان أمريكا اللاتينية لشرائه؛ بسبب بعد المسافة... لاسيما وأن سعر النفط مرتفع ما ينعكس على تكلفة نقل البضائع بين الدول".

ولا بد لحكومات الدول العربية المتضررة، أن تجد بدائل عن أوكرانيا وروسيا، والبدء في مفاوضات مع دول أخرى على عقود جديدة لتوريد القمح، فهذا الوضع "ستتضرر منه حتى الدول الغنية حيث سترتفع فيها الأسعار، ما يمس بالسياسات المالية لحكوماتها المتعثرة أصلا منذ بدء الأزمة الصحية"، كما يقول حداد.

 

تأثير مأساوي

وتؤكد "فرانس برس" أن هذه الحرب يمكن أن تعقد الوضع في عدة دول عربية وخاصة مصر ولبنان واليمن وتونس ولربما دول عربية أخرى في توفير الرغيف على مائدة الطعام.

وقد حذر معهد الشرق الأوسط للأبحاث من أنه "إذا عطّلت الحرب إمدادات القمح" للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه، "قد تؤدي الأزمة إلى مظاهرات جديدة وعدم استقرار في دول عدة".

ويشرح الرئيس التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي الموجود في اليمن ديفيد بيسلي صعوبة الظرف الحالي: "كنا نظن أننا وصلنا إلى القاع، لكن لا، الحال أسوأ؛ نحن نحصل على نصف طلباتنا من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، سيكون لهذه الحرب تأثير مأساوي".

وأكد صندوق النقد "أن الوضع إذا استمر متقلبًا للغاية والآفاق غير مؤكدة بشكل غير عادي، فإن العواقب الاقتصادية خطيرة للغاية بالفعل".

 

الخطة البديلة

إذا استمرت الحرب وطال أمدها فلا بد من حلول وبدائل، يقول د. نورالدين: "الخطة البديلة حال اندلاع الحرب أن نتجه لفرنسا لأنها أقرب المنشآت المصدرة للقمح، وبعدها أستراليا، والإثنين يصل القمح منهما خلال أسبوع إلى 10 أيام، ثم نلجأ إلى المنشآت البعيدة مثل كندا والولايات المتحدة والبرازيل، مضيفًا أن القمح بهذه الدول أفضل من القمح بروسيا وأوكرانيا؛ لأن القمح الروسي والأوكراني أقل من الأسعار العالمية بـ10%، لأن أنواعه أقل من القمح الأمريكي والأسترالي والفرنسي، لكن ذلك الفرق سوف يزيد من أسعار القمح بالإضافة لزيادة سعر البترول إذا استمرت الحرب".