حجبت السلطات المصرية موقع "ديسكلوز" الاستقصائي بعد ساعات من نشره تحقيقاً عن تورط فرنسا بمساعدة استخبارية لمصر، أدت إلى استهداف مدنيين على الحدود الليبية.


وواصل الموقع الأربعاء نشر أسرار جديدة في ما سمّاها "أوراق مصر"، وكشف في تقرير جديد عن أن شركة الأسلحة الفرنسية العملاقة "داسو"، التابعة لشركة تاليس وشركة نيكسا تكنولوجيز، باعت "نظام مراقبة جماعية لدكتاتورية المشير السيسي، بمباركة الدولة الفرنسية".


وقال الموقع إن "المعارضين السياسيين والصحافيين وقادة المنظمات غير الحكومية والمضربين، وكل أولئك الذين لا يفكرون أو يعيشون وفقاً لمبادئ النظام العسكري، تعرضوا على مدار السنوات الخمس الماضية، لخطر السجن. يقال إن ما يقرب من 65000 معارض يقبعون في سجون النظام، فيما "اختفى" 3000 آخرون بعد اعتقالهم، بحسب وزارة الخارجية الأميركية".


وأضاف الموقع أن "القمع غير المسبوق للمجتمع المدني المصري سهّله نظام مراقبة سيبراني ضخم أقامته ثلاث شركات فرنسية، بموافقة ضمنية من السلطات، الأولى تسمى نيكسا تكنولوجيز، يديرها مؤسسو شركة أميسيس Amesys، وهي شركة كانت تورد معدات المراقبة إلى ديكتاتورية القذافي في ليبيا، والثانية Ercom-Suneris، وهي شركة تابعة لشركة Thales منذ عام 2019، معروفة بأنها مسؤولة عن أمن أحد هواتف إيمانويل ماكرون المحمولة، والثالثة ليست إلا داسو سيستم Dassault Systèmes، الفرع التكنولوجي لشركة صناعة الأسلحة الفرنسية الثقيلة والمصنعة لطائرة رافال التي باعتها لمصر".


ووفقاً للتحقيق الذي أُجري بالشراكة مع مجلة Télérama، اجتمعت هذه الشركات التكنولوجية الثلاث معاً في عام 2014 حول مشروع لرصد السكان خارج الحدود العادية، وكانت آخر قطعة من بناء التجسس الهائل هذا، عبارة عن محرك بحث فائق القوة صنعته شركة "داسو سيستم"، وأوضح الموقع أن Exalead، كما هو معروف، مكّن من ربط قواعد البيانات المختلفة معاً نيابة عن جهاز المخابرات العسكرية الغامض للنظام.


حليفان مهمان


وقال الموقع إنه "لتعزيز السلطة التي حصل عليها بالقوة في يوليو 2013، يمكن عبد الفتاح السيسي الاعتماد على حليفين مهمين. من ناحية، كانت الدولة الفرنسية، أحد شركائه الغربيين الرئيسيين، قد قدمت الدعم الدبلوماسي والعسكري والتجاري، والإمارات العربية المتحدة، من ناحية أخرى، وفقاً لمعلومات الموقع، وضعت 150 مليون يورو على الطاولة في عام 2013 لتزويد المشير السيسي بالعنصر المفقود لترسانته القمعية، وهو "التجسس الرقمي"".


وحسب الموقع، تتمتع الشركة الفرنسية الصغيرة والمتوسطة بميزة كبيرة، فـ"منذ عام 2012 كان لديها ذراع تجارية مقرها في الإمارات، وفي 24 مارس 2014  فاز مديرا الشركة، ستيفان ساليس وأوليفييه بوهبوت، بعقد قيمته 11.4 مليون يورو لتثبيت برنامجها الرائد Cerebro في القاهرة".


ووفقاً لوثيقة سرية حصل عليها "ديسكلوز"، يُقال إن Cerebro قادر على "تحليل البيانات لفهم علاقات المشتبه فيهم وسلوكهم، والعودة بالزمن للعثور على المعلومات ذات الصلة في مليارات المحادثات المسجلة". وكان العقد يسمى "توبليرون"، نسبة إلى الشوكولاتة السويسرية على شكل هرم.


وفي أعقاب ذلك، نصح ستيفان ساليس، الرئيس التنفيذي لشركة Nexa، الإماراتيين بـ"إحضار Ercom-Suneris، والفوز بالجائزة الكبرى". وفي صيف عام 2014، وقّع بيير مايول بدير، الرئيس التنفيذي لشركة Ercom، عقداً بقيمة 15 مليون يورو تقريباً لـ"التجسس على المصريين، وكان الجيش المصري مهتماً بشكل أساسي بميزة واحدة: تحديد الموقع الجغرافي لأهدافه في الوقت الفعلي باستخدام برنامج Cortex Vortex". يقول الموقع: "إنه مثل فيلم تجسس"، ويوضح مهندس سابق في شركة Ercom، تحدث للموقع، بشرط عدم الكشف عن هويته، قائلاً: "يمكنك تحديد الموقع الجغرافي لأي شخص من طريق تثليث موقع المحطات الأساسية التي يتصل بها هاتفه، حتى دون إجراء أي مكالمات".


ووفق معلومات "ديسكلوز"، شاركت "داسو سيستم" في المشروع في ذات الوقت مع نظيرتيها، بصفتها مالك Exalead، محرك بحث فائق القوة، وكانت المجموعة، على ما يبدو، الشريك المثالي لمركزية ملايين المعلومات التي جمعتها الشركات الفرنسية الصغيرة والمتوسطة والنظام، ما جعل قاعدة البيانات الرقمية لبطاقات الهوية المصرية وجوازات السفر متاحة لها. وسافر موظفو المجموعة إلى القاهرة خمس مرات بين أكتوبر 2015 ونهاية عام 2016 للإشراف على تركيب Exalead، كذلك دُرِّب ضباط المخابرات المصرية في باريس.


مراكز بيانات جديدة


ويقول الموقع إنه "لضمان قيام النظام بعمله على أكمل وجه، لم تبخل الديكتاتورية المصرية في المعدات، إذ وفّرت مراكز بيانات جديدة تماماً، وأحدث جيل من أجهزة كمبيوتر Dell، و"خوادم ضخمة" من شركة DDN الأميركية. وفي الإسكندرية، كان للجيش أيضاً مكونات إلكترونية مثبتة على الكابلات البحرية التي تربط الدولة بشبكة الإنترنت لمراقبة أفضل لها. أما مركز قيادة هذا، فكان "جهاز الأمن القومي المصري"، من موقع في القاهرة، في قاعدة ألماظة العسكرية، على بعد 10 كيلومترات من القصر الرئاسي".


ويشير الموقع إلى أنه "من أجل الحصول على حرية التصرف في مصر، كان على خبراء المراقبة السيبرانية الفرنسيين السعي للحصول على موافقة الدولة الفرنسية ووحدة التحكم في البضائع ذات الاستخدام المزدوج (SBDU). بعبارة أخرى، السيطرة على التقنيات المدنية التي يمكن إساءة استخدامها لأغراض عسكرية أو قمعية، مثل برامج المراقبة".


ويضيف أنه في يوليو 2014، طُبِّقَت وحدة SBDU، تحت سلطة إيمانويل ماكرون، وزير الاقتصاد آنذاك، بواسطة NexaTechnologies كجزء من عقد "Toblerone". ووفقاً للملف الذي قُدِّم إلى SBDU وحصلت عليه شركة Disclose، أكدت الشركة "تقديم خدمات إلى مصر تتعلق بتنفيذ نظام اعتراض الملكية الفكرية القانوني في سياق مكافحة الإرهاب والجريمة"، وتضمن العقد 550 يوم تركيب و200 ساعة تدريب.


ويقول الموقع إن إدارة أمن الدولة اطمأنت واعتبرت أن القضية لا تتطلب المزيد من التحقيق، وفي 10 أكتوبر 2014 ختم التطبيق "ليس موضوعاً" في الزاوية اليمنى السفلية. وأضاف أنه "على ما يبدو، لم تجد وزارة الاقتصاد أي مشكلة في تصدير برامج Cerebro إلى واحدة من أكثر البلدان قمعاً في العالم"، بحسب تعبير موقع "ديسكلوز".


ويشير الموقع إلى أنه في خريف عام 2014، جاء دور شركة Ercom-Suneris للمطالبة بموافقة الدولة على تصدير نظام التنصت على المكالمات الهاتفية. وتوضح إدارة نيكسا تكنولوجيز اليوم أنه "لو كان لدى الدولة الفرنسية أدنى شك بشأن توريد "سيريبرو" إلى الدولة المصرية، لكانت قد رفضت تصدير التكنولوجيا وعارضت البيع".


ويقول الموقع إنه بعد الكشف عن شركائه، فتح نظام العدالة تحقيقاً قضائياً ضد Nexa وإدارتها بسبب "التواطؤ في أعمال التعذيب والاختفاء القسري" في ليبيا ومصر. 


ووفقاً للمعلومات، فإنه في 12 أكتوبر 2021، وُجِّه الاتهام إلى شركة نيكسا للتكنولوجيا بـ"التواطؤ في التعذيب والاختفاء القسري في مصر بين عامي 2014 و2021". وفي 17 يونيو وُجِّه الاتهام إلى ستيفان ساليس وأوليفييه بوهبوت.