كتب - محمد ناجي :
على الرغم من الدور الكبير الذى لعبه يحيى هو وغيره من الأبطال المنسيون إلا أن كثيرا من الناس الآن لا يعلمون شيئا عن تاريخه حتى انتهى به الحال من بطل مقاتل إلى حارس أمن فى إحدى الشركات.
"يحيى مهدى حسن"، واحدا من بين ثلاثة ضباط بحريين شبان كلفتهم قيادتهم بالقوات البحرية بتنفيذ عملية تدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات، وهى واحدة من كبرى القطع البحرية الإسرائيلية آنذاك، ليكون الحظ حليفه هو ورفاقه فى تلقين إسرائيل درسا لن تنساه أبدا.
وقت أن كان الجيش مهمته الدفاع عن وطنه وحدوده ليس خدمة أعداءه، ومولاتهم، بل وأصبح عسكر كامب ديفيد الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة في حياتهم هم أبطال حرب غيب المتعاهدون مع العدو فيها أبطالها الحقيقين ما بين مطرود وسجين ومهمش.
يحيى مهدى حسن الذى لم يتجاوز السبعين من عمره الآن يكفى أن تذكر أمامه عبارة الجيش المصرى، لتراه ملما بتفاصيل عجزت الموسوعات التاريخية عن استيعابها، فهذا الرجل كان ومازال نموذجا للمقاتل الذى لا يسعده شىء فى حياته قدر ما يسعده أن يرى راية بلاده ترفرف عالية.
تاريخ انضمام يحيى مهدى حسن للقوات البحرية كان قبل نكسة يونيو بفترة قليلة، انتقل بعدها للتدريب فى محافظة بورسعيد على لانش للصواريخ، أثبت مهارته فى فترة وجيزة جعلت قادته يندهشون من جرأته وحبه الجارف لبلده رغم حداثة سنه الذى لم تتجاوز حينئذ 20 عاما، يوما بعد يوم أثبت يحيى كفاءته حتى وقع عليه الاختيار، ومعه اثنان من زملائه لتنفيذ عملية نسف المدمرة البحرية الإسرائيلية إيلات بعدما علمت القوات المصرية أن المدمرة إيلات تقترب شيئا فشيئا، وعليهم أن يواجهوها قبل أن تصل للشواطئ المصرية وتحتل محافظة بورسعيد بسهولة، خاصة أن بورسعيد لم تكن مسلحة بدرجة كافية.
بثقة بالغة واعتزاز بالنفس زائد يروى حسن في حوار صحفي ما حدث، قائلا: تلقينا أوامر بضرب المدمرة إيلات، وللعلم هذه المدمرة كانت محملة بما يقرب من 357 جنديا، ومكتفية ذاتيا بأسلحة مضادة لكل الاتجاهات برا وبحرا وجوا، ولم يواجهها سوى اثنان من اللانشات المصرية، فى البداية أطلقنا صاروخين، واحدا فى المقدمة والثانى فى المؤخرة، وبذلك انتهى ما معنا من سلاح لأن اللانش لا يحمل سوى صاروخين، وكانت مهمة زملائنا فى اللانش الآخر أن يطلقوا صاروخين فى منتصف المدمرة وبعدها رأيناها وهى تغرق أمام أعيننا، وهذا أثار رعب وخوف الأسطول الذى كان قادما خلفها لأنه ظن أن الجيش فى بورسعيد مسلح، وجاهز للحرب فى أى وقت وهذا لم يكن صحيحا على الإطلاق، لأنه لو كان الأسطول تقدم بعدما فرغنا من ضرب المدمرة إيلات، لكان احتل المحافظة بمنتهى السهولة وتوغل فى قناة السويس، إذا شاء.
«مذبحة بحر البقر» ذكرى لن تُمحى صورها من بال يحيى مهدى حسن، وهى التى دفعته للانتقال من سلاح البحرية إلى الفرقة الفدائية التابعة لمنظمة سيناء المكلفة بتنفيذ عمليات فدائية فى الأراضى المحتلة وقتها، يقول يحيى: بعد تنفيذ عملية إيلات وبعدما نجحنا فى استعادة لانش زملائى الذى ضل الطريق بعد تنفيذ العملية عبر التخفى فى ملابس صيادين هروبا من عيون الطائرات الإسرائيلية، منحنا القائد إجازة لمدة 10 أيام وخلال عودتى لمقر الخدمة فى بورسعيد مرورا بمركز الزقازيق رأيت بعينى أشلاء الأطفال والمعلمين وأدواتهم متناثرة فى كل الأماكن وقتها أدركت أن بيننا وبين إسرائيل ثأر لن ينتهى مهما طال العمر.
فى هذا الجزء من مقابلتنا معه لم يستطع يحيى السيطرة على دموعه التى أخذت تتساقط تباعا قائلا: ذهبت لقائدى وقدمت له طلبا للموافقة على نقلى إلى الفرقة الانتحارية، فسألنى: لماذا تريد الالتحاق بها؟ فقلت له أريد أن أذهب هذه المرة للعدو لأقاتله، فلن أتركه وأنتظر حتى يأتى لنا وينجس الأرض الطاهرة، فما كان من القائد إلا أنه انفعل قليلا، محاولا أن يقنعنى بالتراجع عن هذه الفكرة بحجة أننى فى سلاح البحرية أشتبك مع العدو على خط النار ومتأهب لقتاله فى أى وقت، ولكنى تمسكت بقرارى وأجريت الكشف الطبى وثبت أننى لائق طبيا، وبالفعل التحقت بالفرقة الانتحارية، ونفذت عمليات كثيرة حتى جاءت عملية تدمير مخزن للمعدات الحديثة فى منطقة حيفا بإسرائيل، وتم الإمساك بنا هناك بعد نجاحنا فى تنفيذ العملية، وتم أسرنا وسُجنّا فى السجون الإسرائيلية لمدة 28 يوما.
ويقول يحيى مهدى متذكرا تفاصيل ما دار فى هذه الفترة: وصلنا إلى منطقة حيفا، وتم ضرب الخدمات الموجودة حول معسكر المعدات هناك، وحاولنا الهرب بعد عملية التفجير، ولكن للأسف تم القبض علينا واتعذبنا واتضربنا، وكان كل يوم يمر علينا بمثابة عام كامل، ولم ينجدنا سوى تدخل الصليب الأحمر ليتم الإفراج عنا، فما كان من إسرائيل إلا أن طلبت الإفراج عن 3 من جواسيسها مقابل إطلاق سراحنا، وتم هذا بالفعل.