مجدي مغيرة

أوربا التي عابت على العرب والمسلمين غياب الديمقراطية في بلادهم ...

أوربا التي تغنت بحقوق الإنسان وحقوق الحيوان ، وبكت كثيرا لهدرها في بلادنا....

أوربا التي طالما دافعت عن حرية الرأي ، وعن حرية التصويت وحرية الاختيار هي هي نفسها أوربا التي تقف بقوة مع أسوأ دكتاتوريات عالمنا العربي ، وتمدهم بكل أسباب الحياة ، وتوَرِّدُ لهم أبشعَ أدوات التعذيب ، ثم لا مانع أن تذرف بعض الدموع  - دموع التماسيح - على الضحايا ، ولا ضير أن تكشِّرَ عن أنيابها للمستبدين في بلادنا تكشيرا صوريا لتحافظ بذلك – في ظنها - على ورقة التوت التي تحاول أن تخفي بها عوراتها   .

أوربا اليوم تقف موقفا عجيبا من  الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا ،  وتحاول أن تعطله ، أو على الأقل  أن يصوت الشعب التركي فيه ب ( لا ) ، وتتهم الرئيس التركي الطيب أردوغان بالاستبداد ، في الوقت الذي لم نسمع لها صوتا عن المستبدين المتلبسين بالجرائم تلبسا واضحا تراه العين وتسمعه الأذن ، وتكتوي  به شعوبنا العربية والإسلامية ليل نهار !!!

يوم أن كانت تركيا معقلا للمافيات الدولية ، وتجارة المخدرات العالمية ، وتنتشر فيها الاغتيالات الغامضة ، وينحدر فيها الاقتصاد يوما بعد يوم إلى هاوية سحيقة ، وتتفكك فيها الحكومات سريعا ، ويسود نظامَها البرلمانيَّ الفوضى ، كانت أوربا يومها تتحالف معها تحالفا عسكريا كبيرا ، إذ انضمت تركيا إلى حلف الناتو أكبر حلف عسكري معاصر ، وأقامت فيها أكبر قاعدة عسكرية خارج البلاد وهي قاعدة انجر ليك الجوية التركية .

وبعد أن تحولت تركيا على يد حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان إلى دولة ناهضة سياسيا وتجاريا وصناعيا ، وبعد أن حققت نجاحات كبيرة في كل مجالات الحياة ، وبعد أن زاد دخل الفرد في تركيا ثلاثة أضعاف ، وتحسنت الخدمات المقدمة إليه ، وبعد أن تحسنت البنية التحتية للبلاد ، وبعد أن تحولت أكبر مزابل اسطنبول إلى أجمل حدائقها ، وبعد أن كانت الزبالة مصدر الأمراض والروائح الكريهة ، تحولت إلى مصدر هام من مصادر الطاقة في البلاد ،بعد أن تحولت تركيا إلى رقم صعب في السياسة العالمية بعد أن كانت تابعا ذليلا لأروبا وأمريكا،

بعد كل هذا وجدنا أوربا تقف موقفها العجيب من تركيا !!!

أوربا اليوم لا تريد تركيا حرة ديمقراطية متقدمة !!!

أوربا اليوم تدوس على كل القيم التي تغنت بها في سبيل تعطيل مسيرة تركيا !!!

مازالت تسيطر على أوربا هواجس فتوحات الدولة العثمانية في قلب أوربا !!!

مازال العقل الأوربي يختزن في حناياه الانتصارات الضخمة التي حققتها تركيا الإسلامية بقيادة العثمانيين على أعتى ملوك أوربا !!!

مازال صدى معارك الأمس يرن بقوة في آذان أوربا ، تلك المعارك التي كانت تنتهي بالجيوش الأوربية الضخمة ما بين قتيل أو أسير ، دون أن يكون هناك ولو جندي واحد عاد برأسه حيا إلى بلده !!!

إن أوربا لا تنظر إلى تركيا نظرة المنافس لمن ينافسه في السياسة ، ولا نظرة المزاحم لمن يزاحمه في الاقتصاد ، بل تنظر إليها على أنها ستكمل رسالة الماضي بقوة الحاضر .

تنظر إليها على أنها يوم أن تستعيد قوتها وتستكمل حيويتها ؛ ستستأنف فتوحاتها في أوربا ، وسترفع فيها راية الهلال بدلا من راية الصليب !!!

كان آخرُ هجومٍ قويٍ قاده العثمانيون ضد أوربا في 20 من رمضان 1094هـ ، الموافق 12 سبتمبر 1683م ، وكان الغرض من الهجوم هو فتح مدينة فيينا عاصمة امبراطورية النمسا ، لكن شاءت إرادة الله تعالى أن ينهزم العثمانيون في تلك المعركة بسبب أخطاء قاتلة ارتكبوها ، وأحقاد حارقة سيطرت على نفوس بعض قادتهم ، ولو قُدِّرَ للعثمانيين فتح هذا العاصمة ، لكانت قارة أوربا الآن إحدى الحواضر الإسلامية التي ملأت الأرض من مشرقها إلى مغربها .

وكانت هذه الهزيمة هي بداية تراجع العثمانيين الذين انطلقوا يفتحون ممالك أوربا انطلاق السهم ، وكانت خاتمةً لموجة الفتوحات التي امتدت مكانا على أغلب أراضي القارة الأوربية ، وزمانا على مدى ما يقرب من 400 عام ، إذ إن فتوحات العثمانيين في أوربا امتدت من عام 1299م ، الموافق عام 699هـ .

 ولما انكسرت موجة الفتوحات عند أسوار فيينا عام 1683م ، أخذت في الانحسار التدريجي حتى بلغت أدنى انحسار لها في 3 من مارس عام 1924 ، الموافق 27 من رجب عام 1342هـ عندما أعلن مصطفى كمال أتاتورك إلغاء الخلافة الإسلامية.

وخوفا من انبعاث الخلافة مرة أخرى على يد العثمانيين أو غيرهم من المسلمين ؛ تم تشويه التاريخ الناصع للدولة العثمانية، وكل الدول الإسلامية السابقة عليها في نفوس المسلمين حتى يظل النموذج الأوربي هو النموذج المحتذى عند المسلمين .

وكذلك تم تمزيق الدول العربية والإسلامية ، وتم تحويلها إلى دول مستبدة متناحرة حتى لا تجتمع كلمتهم مرة أخرى .

لكن كما يقول الشاعر أبو العلاء المعري :

يا إنسَ! كم يَردُ الحياةَ مَعاشرٌ    ويكونُ من تلفٍ لهم إصدارُ!!!

تقفون والفُلْكُ المُسَخَّر دائرٌ ؟       وتقدرون فتضحك الأقدارُ!!!

لقد مضى على انحسار قوة المسلمين وسقوط خلافتهم ما يقرب من مئة عام ، لكنَّ دوامات التغيير تَتّجَمَّعُ ، ووفق سنن التاريخ تكاد تتشكل موجة أخرى جديدة ، وتكاد تنطلق ، وظني أنها في هذه المرة وهي في طريقها لفتح روما لن تقف إلا وقد غطت كل أرض أوربا ، وما ذلك على الله بعزيز .

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر