مجدي مغيرة :

من حسن حظ اليهود أنهم وجدوا من يحارب الإخوان نيابة عنهم.

 فقد حاربوهم من خلال أتباع الفكر القومي وعلى رأسهم جمال عبد الناصر في مصر ونظام الأسد في سوريا والقذافي في ليبيا وصدام حسين في العراق .

 وحاربوهم من خلال أصحاب الفكر الليبرالي الذي صدع رؤوسنا بالحديث عن الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية ، وقد ظهر ذلك من تأييدهم الأعمى للانقلاب العسكري في مصر ضد الدكتور محمد مرسي أحد قادة الإخوان المسلمين في مصر .

 كما حاربوهم من خلال أصحاب الفكر اليساري والشيوعي وما تفرع منه من أحزاب وجماعات ، وهذا واضح أيضا في أغلب أنحاء العالم العربي .

 وقد كانت الحكايات والشائعات التي يرويها هؤلاء عن الإخوان من أقوى الأسلحة التي استخدموها ضدهم .

 فعندما تحاور أحدهم عن الديمقراطية وحقوق الإنسان تسمع منه كلاما جميلا منمقا ، لكنه سرعان ما يستثني الإخوان المسلمين من ذلك إذا ما ذكرت أمامه المظالم الواقعة في حقهم ، فهو يعتبر وجود الإخوان على الساحة مرضاً ينبغي التخلص منه ، ووَرَماً ينبغي إزالته ، ووباءً ينبغي القضاء عليه.

 فإذا ما استفسرت منه عن سبب ذلك سمعت منه كلاماً مرسلا لا تؤيده وقائع ، وروى لك قصصاً وحكايات نسجها الخيال ، أو نسجتها أجهزة الأمن ومعامل المخابرات .

وكم سمعت منهم وأنا مقيم في بلدي حكايات وروايات عن قادة الإخوان  ومشايخهم وكل من له بروز وشهرة منهم ، تطعن في أخلاقهم ومعاملاتهم ، وفي اتصالاتهم الخارجية ، وما يجنونه من أموال طائلة من مختلف الدول التي تتآمر على مصر ، وتبرز تناقضاتهم بين ما يقولون وما يفعلون.

 ولما سافرت إلى خارج مصر ، وقابلت مصريين في الخارج من مختلف محافظاتها شمالا وجنوبا ، وشرقا وغربا كان العجب العجاب أن أستمع لنفس القصص مع قليل من اختلاف التفاصيل ، وكل واحد يرويها أنها حدثت أمامه ، ورآها بنفسه ، وسمعها بأذنه ، أو إذا كان عنده قليل من الحياء ادعى أن ابنه أو قريبه أو صديقه هو من رأى ذلك وحكاه ، وهو مجرد ناقل عنه ، بل لا تستغرب إن سمعت نفس القصص والحكايات من أناس آخرين ينتمون إلى بلدان أخرى .

 عندما تستمع لتلك الحكايات والروايات التي لا تكاد تختلف عن بعضها إلا في تفاصيل تقتضيها طبيعة من يرويها ، والمكان الذي يعيش فيه ، والبلد التي يقيم فيها تدرك تماما أن أصل القصة واحد ، وأن مصدر صدورها واحد .

 تشويه صورة الإخوان أمام الناس إذن يكاد يكون أمرا محتوما ، ومفروغا منه عند هؤلاء ، والهدف من ذلك هو إقامة حواجز نفسية تحول بينهم وبين الناس حتى لا يزداد إقبال الناس عليهم .

وبلغ من شدة تأثير هذه الشائعات أنك ترى الكثيرين قد خالطوا الإخوان ، ورأوا  طيب عشرتهم ، وحسن معاملتهم ، وكفاءتهم في عملهم ، وإخلاصهم في وظائفهم ، لكنهم مع ذلك يرددون أكاذيب أجهزة المخابرات عنهم ، فاذا ما نبهت أحدهم أنه يصادق فلانا وهو من الإخوان ، ويعامل علانا وهو من الإخوان ، رد عليك بكل بساطة أن هؤلاء طيبون ،" وياريت كل الإخوان يبقوا زيهم" ، لكن الإخوان في الأماكن الأخرى هم الشريرون المخربون .

 ولم يقتصر تشويه صورة الإخوان على أصحاب الفكر الغربي بمختلف توجهاته ، أو اللصوص ، أو طبقة المنتفعين من النظم المستبدة ، بل رأينا بعض التيارات الدينية تردد عنهم أكاذيب واتهامات ظالمة ، ويستدلون على ذلك بأقوال متجزأة من كتبهم ومجلاتهم ، التي إذا رجعت إليها في مظانها ؛ فلن تجدها تحمل المعاني التي يتهمونهم بها ، ومن أكبر الأمثلة على ذلك كتابات الشهيد سيد قطب رحمه الله الذي تم تشويه فكره بشكل يعتبر جريمة كبرى في حق الفكر الإسلامي ، وفي حق الشهيد سيد قطب نفسه رحمه الله .

رغم ضخامة الأثر السلبي للحكايات والشائعات ضد الإخوان ، إلا أننا لا ننسى أن ذلك السلاح استخدمه المشركون ضد الإسلام في أول أمره ، فاتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر أو كاهن أو ساحر ، وبأنه يفرق بين الأب وابنه ، وبين الأخ وأخيه ، وبين الزوج وزوجته ، وبأن النبي تعلم ما يقول على يد رجل من خارج أهل مكة مثل قول الله تعالى على لسانهم : " وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ" النحل (103)

وكذلك في قوله تعالى : " وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا" الفرقان (5) .

وقالوا أن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم واعتناق دينه يعني ضياع الأمن مثلما جاء في قوله تعالى :" وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" القصص (57) .

 إذن هذا سلاح شديد التأثير ، يؤخر نجاح الفكرة ، لكنه لا يعوقها ، ولا يمنع استمرارها ونجاحها في نهاية المطاف مع الصبر والثبات ، واليقين بنصر الله تعالى .


 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر