بعد أنباء اتفاق مصر وإثيوبيا والسودان هذا الأسبوع علي تشكيل لجنة استشارية أو الاستعانة بمكتب استشاري دولي لتقييم سد النهضة الاثيوبى مصدر الخلاف بين دولة المنبع (أثيوبيا) ودولتي المصب (مصر والسودان)، بسبب المخاوف من تأثيره علي تعطيش مصر وإغراق السودان، عاد الجدل مرة أخري والسؤال: هل خدعت أثيوبيا مصر وقامت ببناء المرحلة الأولي مستغلة انشغال مصر بالداخل أم صمتت القاهرة علي بناء السد كعربون لإعادة عضويتها بالاتحاد الأفريقي؟

 
صحيح أن الاتفاق الجديد تضمن تنازلا أثيوبيا بقبولها فكرة إشارك طرف خارجي دولي هو شركة استشارات دولية في تقييم سد النهضة وأضراره علي مصر والسودان، ولكن هذا جاء كما نقول في مصر "بعد خراب مالطا".
 
إذا إثيوبيا استغلت انشغال مصر بأحداثها الداخلية العام الماضي وطلب السلطة الحالية رضاها لإعادة عضويتها المجمدة في الاتحاد الأفريقي الذي أبعدت عنه عقب انقلاب 3 يوليو، لتسريع البناء وستنتهي المرحلة الأولي من بناء السد بالفعل في سبتمبر 2015، بسعة 14 مليار متر مكعب، وهي السعة التي كانت مصر تطالب بالاكتفاء بها.
 
هذا التنازل الإثيوبي معناه تمديد فترة انتظار مصر والسودان – مع استمرار بناء السد – لمدة ستة أشهر لحين انتهاء إجراء دراسات علي السد بواسطة شركة أو مكتب استشاري دولي.
 
وهذه الدراسات المقترحة تتعلق بأمرين: (الأول): خاصة بموارد المياه ونموذج محاكاة نظام هيدروكهربائي بهدف معرفة هل ستتأثر موارد مصر والسودان بعد بناء السد أم لا، رغم أنه مؤكد كما قال خبراء المياه المصريين.
 
و(الثاني): دراسات لتقييم التأثير البيئي والاجتماعي والاقتصادي للسد الإثيوبي على دولتي المصب مصر والسودان لأن هناك مخاوف أن يغرق شرق السودان بالماء لو انهار السد مستقبلا، وتعطش مصر بعد حجز السد جزء من نصيبها الحالي من المياه (55 مليار متر مكعب) والذي لا يكفيها أصلا.
 
والخطورة في هذا الاتفاق أنه لم يتم الاتفاق علي أهم أمرين وهما : "سعة السد" التي كانت مصر تطالب ألا تزيد علي 14 مليار متر مكعب، بينما الخطط الإثيوبية تسير علي أساس 74 مليار متر مكعب، و"سنوات ملء هذا السد" التي ستقل فيها كميات المياه الواردة لمصر وتسبب جفاف وهو ما اعترف به أيضا وزير الري المصري حينما قال "أن الأمر متروك للجنة الاستشارية"، وهو خطر حقيقى لأن عمل هذه اللجنة قد يتأثر بأهواء سياسية ولو جاء قرارها لصالح أثيوبيا ستخضع مصر لحالة عطش خطيرة وتتأثر كل مظاهر الحياة فيها.
 
ما يثير القلق أيضا أنه لم يتم الاتفاق: هل ما سيصدر عن هذه اللجنة أو المكتب الاستشارية قرار إلزامي للجميع أم اختياري؟ إذ أن طبيعة هذه اللجنة أو المكتب الدولي كما هو مبين من أسمه (استشارية).
 
المشكل الحقيقى إذن وراء هذا الاتفاق الأخير تتمثل فيما يلي :
 
1- أن العمل في السد مستمر ولم يتوقف وهو ما أكده وزير الري الأثيوبي وقال أن المرحلة الأولي ستنتهي في سبتمبر المقبل بقدرة تخزين 14 مليار واعترف بهذا أيضا وزير الري المصري ولكنه خفف من حدة الأمر بقوله أن الدراسات الاستشارية المتفق عليها هذه المرة ستنتهي في مارس 2015 ، وأنه "إذا حدثت أي أضرار سيتم تداركها"، دون أن يوضح كيف؟!.
 
2- الخطورة الثانية أن أثيوبيا مصرة علي سعة خزان السد الحالي الكبيرة جدا بسعة 74 مليار متر مكعب وهو ما سيضر مصر خصوصا أثناء فترات ملء الخزان وحجز المياه ، وكذلك أثناء تشغيله.
 
3-  مجموعة حوض النيل بكلية الهندسة بجامعة القاهرة (والتي تضم 12 خبيرا منهم أربعة من الأساتذة كانت تستعين بهم الوزارة المصرية في مراجعة الدراسات الخاصة بالسدود الإثيوبية وتقييم آثارها ومنهم الوزير السابق نصر علام) .. هذه المجموعة سبق أن أصدرت بيانا خطيرا في 16 أبريل الماضي قالت فيه أن سد النهضة خطر علي مصر والسودان وأثاره يصعب احتواءها أو التعايش معها وذكرت 4 أثار خطيرة للسد علي مصر والسودان تعتبر مسألة حياة أو موت.
 
4-  أن أثيوبيا ترفض حتي اللحظة إطلاع خبراء مصر علي وثائق بناء السد، وهو ما أكده محمد نصر الدين علام، وزير الري الأسبق، الذي قال إن البيانات التي عرضت لدراسة آثار السد على مصر والسودان لم تكن كافية للتقييم، و"من الواضح أن إثيوبيا لم تزود اللجنة الثلاثية (التي تشكلت في عهد الرئيس مرسي) بالوثائق المطلوبة".
 
ويري سياسيون وخبراء ورؤساء أحزاب مصريون أن الحل العسكري (الفعلي أو التهديد به) والتأثير علي مصالح أثيوبيا عبر جيرانها المعادين لها أو اللعب في الفناء الخلفي لأثيوبيا، والقوة الناعمة كما أشار لها مرسي، والتحكيم الدولي البطء الذي لن يوقف أثيوبيا عن الاستمرار ويجب أن توافق عليه أثيوبيا ، كلها خيارات مطروحة أمام مصر في ظل حقيقة أن السد سيشكل خطرا علي مصر بعد اكتمال بناؤه.
 
ولكن بالمقابل يطرح معارضو النظام تساؤلات حول: هل هناك صفقة ما وراء صمت النظام الحالي في مصر عن إتباع خطوات تصعيديه لوقف بناء السد والاكتفاء بالتصريحات الوردية مثلما قال السيسي أنه مستعد لزيارة أثيوبيا مرة واثنين وثلاثة لحل مشكلة السد؟!.
 
فهناك من يتساءل عن الثمن الذي حصلت عليه أثيوبيا مقابل دعمها لطب مصر استعادة عضويتها المجمدة منذ انقلاب 3 يوليو في الاتحاد الأفريقي رغم أن من مصلحتها إبعاد مصر عن الاتحاد لتبقي هي الزعيم؟ وهناك من يسأل: هل خدعت أثيوبيا مصر أم صمتت القاهرة عمدا كعربون لإعادة عضويتها بالاتحاد الأفريقي؟.
 
وفي كل الأحوال تثار أسئلة عديدة عن سر صمت القاهرة رغم علمها أن المرحلة الأولي من بناء السد ستنتهي في سبتمبر 2015، ولن يكون هناك مجال لوقفها مستقبلا، وهل هناك اتفاقات سرية ضمنية أو شفاهية، أم أن إثيوبيا لا تعير مصر اهتماما وتتحرك مستفيدة من ضعف الدور المصري عالميا وانشغال القاهرة بمشاغلها الداخلية؟!.