بقلم المحلل الصهيوني  : ليون هدار 

 منذ عدة أجيال، وكلمة “العرب” لدى الإسرائيليين عند الحديث عن الصراع العربي – الإسرائيلي، كانت مرادفة لكلمة “مصر”، أكبر دولة عربية والاقوى عسكريا، التي كانت تعتبر مصدر الخطر الأساسي على أمن إسرائيل.

ثلاث حروب كبرى اندلعت بين الدولتين، في الأعوام 1948، 1967 و1973 أدت الى جذب القوى الإقليمية والعالمية وساعدت على تحويل ميزان القوى في الشرق الأوسط والعالم.

لكن منذ التوقيع في عام 1979، على معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، وهي مرفوضة من قبل العديد من المراقبين على انها ليست سوى معاهدة وقف إطلاق نار طويلة الأمد أو “سلام بارد” لا أهمية استراتيجية له بدون حل القضية الأساسية الموجودة في مركز الصراع بين العالم العربي والدولة اليهودية، ألا وهي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

لكن الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس أظهرت انه في بعض الأحيان يجب الانتظار سنين أو حتى عقود لتطور دولي هام يؤدي الى تحول في موازين القوى الاستراتيجية وتشكيلها من جديد. الآن، وبعد 35 سنة على معاهدة السلام بين الدولتين، أصبحت مصر، التي كانت تعتبر من ألد أعداء إسرائيل من ناحية عسكرية، الشريك الأساسي لإسرائيل في مساعيها للقضاء على الحركة الإسلامية المتطرفة التي تحكم قطاع غزة.

هذا يعتبر تحديا للخبراء والمحللين، الذين كرسوا غالبية حياتهم لمراقبة وتحليل ما يسمى بـ “الصراع العربي الإسرائيلي” ومعرفة من هو “الداعم لإسرائيل” أو “الداعم للعرب”، بأن يغيروا طريقة تفكيرهم لواقع جديدة فيه القوة العربية الرائدة أصبحت شبه حليفة لإسرائيل في صراعها ضد الفلسطينيين في غزة.

خيانة-الجيش-المصري-مع-الجيش-الصهيونيحتى من دون الحصول على معلومات حول المحادثات التي جرت وتجري وراء الكواليس بين القاهرة والقدس قبل وخلال التوغل العسكري الإسرائيلي الى داخل قطاع غزة، أصبح من الواضح ان المسؤولين المصريين والإسرائيليين نسقوا فيما بينهم خطواتهم الدبلوماسية والعسكرية. في هذا السياق، فإن المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار كاتن جزءاً من هذه الجهود المنسقة. وبينما قبلت إسرائيل بالمبادرة، تصرفت حركة حماس كما توقع لها المصريون والإسرائيليون أن تتصرف. فقد رفضت المبادرة ومنحت إسرائيل غطاءً دبلوماسيا لدخول غزة.

بالإضافة الى ذلك، فإن المبادرة المصرية جاءت لصد المبادرة المشتركة لكل من قطر وتركيا، الحليفتان المقربتان من الولايات المتحدة، ومبادرتهما تدعو الى وقف إطلاق النار بناء على شروط تصب في مصلحة حماس. في البداية أبدى الأمريكيون موافقتهم على العرض القطري – التركي، لكنهم اضطروا الى التراجع بعد أن تقدمت مصر بمبادرتها. لعلكم تعرفون ان الأمور في الشرق الأوسط قد تغيرت، عندما تقوم الدولة العربية الرائدة ليس فقط بعدم دعم الفلسطينيين دبلوماسيا، وإنما تتعاون مع الدولة العبرية للقضاء على القطريين والأتراك الداعمين للفلسطينيين.

سيكون من المبالغ فيه القول إن إسرائيل ومصر أصبحتا حليفتين استراتيجيتين بشكل كامل. لكن بنفس الطريقة التي ادى انهاء الحرب الباردة الى القضاء على نظام القطبين وخلق هيكل دولي ديناميكي أكثر وقابل لتحالفات جديدة متغيرة بين القوى العظمى، يبدو ان معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية – الى جانب تطورات أخرى (منها نهاية الحرب الباردة) – زادت تدريجيا من صعوبة الادعاء بان الصراع العربي الإسرائيلي لا زال امرا مركزيا في الشرق الأوسط.

gaza-disasterفي الواقع، فإن التوتر المتزايد بين السنة والشيعة – العداوة بين السعودية وإيران – وتقسيم سوريا والعراق، الربيع العربي وتحدي الأنظمة الأوتوقراطية في المنطقة، وعودة ظهور تركيا نيو عثمانية كلاعب مركزي في الشرق الأوسط، جميعها توفر لإسرائيل فرصا أكثر لتنويع ملف تحالفاتها الإقليمية، لدرجة ان تحاول ملاعبة قوة ضد الأخرى.

في هذه الحالة – الحرب مع حماس – إسرائيل كانت قادرة ليس فقط على استغلال الصراع بين النظام العسكري المصري وحركة حماس، وهي وليدة حركة الإخوان المسلمين الذين اطاح الجنرالات في القاهرة بسلطتهم. الإسرائيليون استفادوا أيضاً من التوتر السني الداخلي – بين مصر وقطر وتركيا – الذين كانوا حلفاء لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.

الطرف الآخر لتغيير البيئة الاستراتيجية في الشرق الأوسط هو ان الفلسطينيين لم يعودوا قادرين على الاعتماد على دعم عالم عربي موحد، ومثل إسرائيل، يحاولون خلق تحالفات جديدة مع اللاعبين من غير العرب، مثل تركيا، ومع إيران والدول الحليفة معها في المنطقة من ضمنها سوريا. هذا يتطلب اداءً دبلوماسيا معقدا، لأنه من الصعب إرضاء جميع الشركاء لا سيما وأنهم متخاصمون، مثل السوريين والسعوديين.

في نفس الوقت، على إسرائيل ان تفهم أن العلاقات التي ستتطور في الشرق الأوسط في السنين القادمة ستكون علاقات عرضية وليست علاقات طويلة الأمد، وأن التوتر الحالي مع قوة واحدة – تركيا على سبيل المثال – لا يعني ان هذه القوة “معادية لإسرائيل”.

وعلى إسرائيل أيضاً الامتناع عن وضع جميع تحالفاتها الدبلوماسية في سلة واحدة. المصالح المشتركة التي تتشاركها مع السعودية في وجه إيران قد تتغير في حال استمرت السعودية برعاية المجموعات السنية المتطرفة. لذلك، ليس من المستبعد في يوم من الأيام ان تتعاون إسرائيل مع النظام العلوي في سوريا – أو حتى مع إيران – في محاربة المجموعات السنية. إذ انه قبل عدة سنوات كانت تعتبر فكرة شراكة إسرائيلية مصرية ضربا من الهلوسة.

ليؤون هدار – محلل سياسي صهيونى في “ويكسترات” – شركة استشارة جيو- استراتيجية، ومدرس للعلاقات الدولية في جامعة ميريلاند – كوليج بارك.