محمد عبد الرحمن صادق :


خاطرة يوم ( 11 ) رمضان : الاستغفار

- الغفار اسم من أسماء الله الحسنى . ومعنى الغفار : المتجاوز عن الذنوب ، الساتر للعيوب ، إلى ما لا يُحصى ، مع كمال القدرة والانتقام .                                                                                        
- قال تعالى : " وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى {82} " ( طه 82 ) .
- الاستغفار هو اعتراف صريح من العبد بتقصيره وحاجته إلى معونة ربه مع الندم على ما فعله مخالفاً لشرع الله عز وجل ، عازماً على أداء المظالم إلى أهلها والاستقامة على ذلك ما بقي من عمره . وذلك واجب على كل مسلم .                                                                                  
- عَنِ ابْنِ عُمر رضِي اللَّه عَنْهُما قَال : كُنَّا نَعُدُّ لِرَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في المجلِس الْواحِدِ مائَةَ مرَّةٍ : " ربِّ اغْفِرْ لي ، وتُبْ عليَ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوابُ الرَّحِيمُ " ( رواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حديث صحيح ) .

- عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : " طوبى لمن وجد فى صحيفته استغفار كثيراً " .

- يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله : " توبة تنصح القلب وتخلصه ثم لا تغشه ولا تخدعه ، توبة عن الذنب والمعصية ، تبدأ بالندم على ما كان ، وتنتهي بالعمل الصالح والطاعة ، فهي حينئذ تنصح القلب وتخلصه من رواسب المعاصي وعكارها ، وتحضه على العمـل الصالح بعدها ، التوبـة التي تظل تذكِّر القلـب بعدها وتنصحه فلا يعود إلى الذنوب " .
- قال ابن حجر ، وقال القرطبي : " الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارناً للسان لينحل به عقد الإصرار ويحصل معه الندم ، لا من قال أستغفر الله بلسانه وقلبه مُصِر على تلك المعصية ، فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى الاستغفار " .
- قال ابن القيم رحمه الله تعالى : وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يومًا : سئل بعض أهل العلم أيما أنفع للعبد : التسبيح أو الاستغفار؟ فقال : إذا كان الثوب نقيًا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإن كان دنسًا فالصابون والماء الحار أنفع له .
- وقال أبو موسى : " كان لنا أمانان ذهب أحدهما وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار معنا ، فإن ذهب هلكنا " .
- قال الفضيل بن عياض : " استغفار بلا إقلاع توبة الكذابين " .
- وقال ابن القيم : " في بعض الآثار يقول إبليس أهلكت بني آدم بالذنوب وأهلكوني بالاستغفار وبـ " لا اله إلا الله " .                                                                                          
  - قال الحسن : أكثروا من الاستغفار في بيوتكم ، وعلى موائدكم ، وفي طرقكم ، وفي أسواقكم ، وفي مجالسكم أينما كنتم ، فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة .
- قال أبو المنهال : ما جاور عبد في قبره من جار أحب من الاستغفار .
اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واهدنا وارزقنا


 خاطرة يوم (  12 ) رمضان : الظلم ظلمات

- قال تعالى : " إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {44} " (يونس 44) .        
- عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله تبارك وتعالى : يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرمًا ؛ فلا تظالموا ...... " ( رواه مسلم ) .       
- قال ابن القيم مُحذراً من الظلم وتوابعه : " سبحان الله ! كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة ، واحترقت كبد يتيم ، وجرت دمعة مسكين " كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ {46} " ( المرسلات  46 ) ، " وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ {88}‏ " ( سورة ص 88 ) ، ما ابيضَّ لون رغيفهم حتى اسود لون ضعيفهم ، وما سمنت أجسامهم حتى انتحلت أجسام ما استأثروا عليه ، لا تحتقر دعاء المظلوم ، فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك ، ويْحك نِبَال أدعيته مُصيبة ، وإن تأخر الوقت ، قوسه قلبه المقروح ، ووتره سواد الليل ، وأستاذه صاحب " لأنصرنك ولو بعد حين " وقد رأيت ولكن لست تعتبر، احذر عداوة من ينام وطرفه باكٍ ، يقلب وجهه في السماء ، يرمي سهاماً ما لها غرض سوى الأحشاء منك ... " .
- وكان يزيد بن حكيم يقول : ما هِبْتُ أحدًا قطُّ هيبتي رجلاً ظلمته ، وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله ، يقول لي : حسبي الله ، الله بيني وبينك .

                                                                             
خاطرة يوم ( 13 ) رمضان : جُرم الركون إلى الظالمين

- قال تعالى : " وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ {113} " ( هود 113 ) . 
- عن عكرمة أنه فسر الركون بقوله : " هو أن تطيعوهم أو تودوهم أو تصطنعوهم "  .                
  - قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أعان ظالماً ليدحض بباطله حقاً فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله "   ( أخرجه الحاكم ) .                                                                         
- وجاء في الأثر : " إذا كان يوم القيامة قيل : أين الظلمة وأعوانهم ؟ أو قال : وأشباههم فيُجمعون في توابيت من نار ثم يقذف بهم في النار".                                                              
                    
- أوحى الله تعالى إلى يوشع بن نون : أني مهلكٌ من قومك أربعين ألفًا من خيارهم ، وستين ألفًا من شرارهم . فقال : يارب ، هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار ؟ قال : إنهم لم يغضبوا لغضبى فكانوا يواكلوهم ويشاربوهم " .                                                                                          
- اللهمّ عليك بمن ظلمنا ، اللهمّ خيّب أمله ، وأزل ظلمه ، واجعل شغله في بدنه ، ولا تفكّه من حزنه ، وصيّر كيده في ضلال ، وأمره إلى زوال ، ونعمته إلى انتقال ، وسلطانه في اضمحلال ، وأمِتْه بغيظه إذا أمتّه ، وأبقه لحزنه إن أبقيته ، وقنا شرّ سطوته وعداوته ، فإنّك أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً .                 
 

خاطرة ( 14 ) : فإنهم يألمون كما تألمون  

قال تعالى : " وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً {104} " ( النساء 104 ) .                                                       
– قال الإمام القرطبي : قوله تعالى : " إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ " أي تتألمون مما أصابكم من الجراح فهم يتألمون أيضاً مما يصيبهم ، ولكم مزية وهي أنكم ترجون ثواب الله وهم لا يرجونه ، وذلك أن من لا يؤمن بالله لا يرجون من الله شيئاً . ونظير هذه الآية : " إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ " .    
- قال صاحب الظلال رحمه الله :  فإذا أصر الكفار على المعركة ، فما أجدر المؤمنين أن يكونوا هم أشد إصراراً ، وإذا احتمل الكفار آلامها ، فما أجدر المؤمنين بالصبر على ما ينالهم من آلام . وما أجدرهم كذلك أن لا يكفوا عن ابتغاء القوم ومتابعتهم بالقتال ، وتعقب آثارهم ، حتى لا تبقى لهم قوة ، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله .                                                                              
 - كما يقول أيضاً : " فالباطل لا يكون بعافية أبداً ، حتى ولو كان غالباً ! إنه يلاقي الآلام من داخله . من تناقضه الداخلي ، ومن صراع بعضه مع بعض . ومن صراعه هو مع فطرة الأشياء وطبائع الأشياء . وسبيل العصبة المؤمنة حينئذ أن تحتمل ولا تنهار .                                           
اللهم ثبتنا على الحق وثبت الحق بنا


خاطرة ( 15 ) : أين نكون من السيدة " ميسون " ؟

عندما دنس الصليبيون ديار الإسلام والمسلمين عام 607 هـ وانطلقوا في البلاد كالجراد الذي يدمر الأخضر واليابس ، اغتمت السيدة ميسون لذلك ولكن ماذا يمكن لها أن تفعل في مواجهة هذه الجحافل ؟ نعم .. امرأة وحدها لا تقوى على عمل شيء ، لكنها امرأة صاغها الإيمان خلقًا آخر، فقلبت الموازين ،  وغيرت مجرى الأحداث ، نزل الإيمان قلبها فإذا بها تشعر أن لديها القوة التي تهز دمشق هزًّا ، وفي حنجرتها الصوت الذي يسمع الأموات ، وفي قلبها العزم الذي لا يكل ، والمدد الذي لا ينقطع ، والبأس الذي يفل الحديد ويدك الحصون .                                                                      
 جمعت النساء اللاتي حضرن يواسينها ويعزِّينها في وفاة أربعة من إخوتها وقالت لهن : " إننا لم نخلق رجالاً نحمل السيوف ، ولكن إذا جبن الرجال لم نعجز نحن عن العمل ، هذا والله شعري ، أثمن ما أملك ، أنزل عنه أجعله قيدًا لفرس تقاتل في سبيل الله ، لعلي أحرك به هؤلاء الأموات " .  فجزت شعرها وصنعت منه لِجامًا ، فإذا بهذا الوقود ينساب إلى قريناتها فصنعن مثل صنيعها في مشهد عجز التاريخ أن يجود بمثله .
- وكان من نتيجة هذه الفعلة ، أن صاح الناس صيحة لم يُسمع مثلها ، وهبوا لنصرة دينهم كالليوث ، وتوافدت قوافلهم التي تنشد إحدى الحُسنيين إلى ساحة المعركة ، فاندحرت قوى الصليبيين عن البلاد .                                                                                             
- فيا نساء اليوم ، ويا فتيات عصرنا .... اتخذن من عزيمة ميسون ومثيلاتها قدوة فمن هنا يأتي النصر ومن هنا يندحر العدو .                                                                    
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا
----------------------