محمد عبد الرحمن صادق


كلمة ( كتاب ) وردت فى القرآن الكريم ( 255 مرة ) وإن دل هذا على شيء إنما يدل على أهمية الكتاب ( القرآن الكريم والكتب السماوية خاصة وكل كتاب من كتب العلوم النافعة بصفة عامة ) فكل الكتب السماوية نزلت من مشكاة واحدة .

- عن أبي ذر رضي الله عنه قال : " ...... قلت : يا رسول الله ! كم كتاب أنزله الله تعالى ؟ قال : مائة كتاب وأربعة كتب ، أنزل على شيث خمسون صحيفة ، وأنزل على خنوخ ثلاثون صحيفة ، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف ، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان . قال : قلت : يا رسول الله ! فما كانت صحف إبراهيم ؟ قال : كانت أمثالاً كلها : أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، فإني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها ولو كانت من كافر . وكانت فيها أمثال : على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن تكون له ساعات ؛ ساعة يناجي فيها ربه عز وجل ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفكر فيها في صنع الله عز وجل ، وساعة يخلو فيها بحاجته من المطعم والمشرب ، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعناً ( ) إلا لثلاث ؛ تزود لمعاد ، أو مرمة لمعاش ، أو لذة في غير محرم ، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه ، مُقبلاً على شأنه ، حافظاً للسانه ، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه . قلت : يا رسول الله ! فما كان صحف موسى عليه السلام ؟ قال : كانت عِبراً كلها ، عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح ، عجبت لمن أيقن بالنار وهو يضحك ، عجبت لمن أيقن للقدر ثم هو ينصب ، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها ثم اطمأن إليها ، عجبت لمن أيقن بالحساب غداً ثم لا يعمل . قلت : يا رسول الله ! أوصني . قال : أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله ، قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء . قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ، ويذهب بنور الوجه ، قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك ، وعون لك على أمر دينك . قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي . قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : حب المساكين وجالسهم . قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك . قلت : زدني يا رسول الله ! قال : صل قرابتك وإن قطعوك . قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : لا تخف في الله تعالى لومة لائم . قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : قل الحق وإن كان مُراً . قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : يردك عن الناس ما تعرف من نفسك ، ولا تجد عليهم فيما تأتي ، وكفى به عيباً أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك ، أو تجد عليهم فيما تأتي . ثم ضرب بيده على صدري ، فقال : يا أبا ذر ! لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف ، ولا حسب كحسن الخلق ، قلت : يا رسول الله ! هل لي في الدنيا شيء مما أنزل الله عليك مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال : يا أبا ذر ! اقرأ : " قد أفلح من تزكى " إلى آخر السورة " ( ) .

- يقول ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره : .... الكتب المتقدمة كانت تنزل جملة واحدة ، والقرآن نزل مُنجماً مُفرقاً مُفصلاً آيات بعد آيات ، وأحكاماً بعد أحكام ، وسوراً بعد سور، وهذا أشد وأبلغ وأشد اعتناء بمن أنزل عليه ، كما قال تعالى : " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً {32}‏ " ولهذا سماه ههنا الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، والغي والرشاد ، والحلال والحرام ( ) .
أولاً : ذكر الكتاب في القرآن الكريم : لقد ذكر الله تعالى الكتاب بمعان عديدة في القرآن الكريم مثل       ( القرآن الكريم – التوراة – الإنجيل – كتاب الأعمال – اللوح المحفوظ .... الخ ) . وسنذكر هنا بعض الآيات التي وردت في شأن القرآن الكريم خاصة فهو الكتاب ، وهو الفرقان ، وهو النور وهو المصدر الأول للتشريع ، وهو الكتاب المُعجز إلى يوم القيامة ، وهو الكتاب الوحيد الذي يُتعبد بتلاوته . وذلك لكي نبين الغاية السامية التي من أجلها أنزل الله تعالى القرآن الكريم .

- قال تعالى : " الم {1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2} " ( البقرة 1 – 2 ) .
- قال تعالى : " الم {1} اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ {2} نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {3} مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ {4} " ( آل عمران 1 – 4 ) .
- قال تعالى : " ..... فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {157} " ( الأعراف 157 ) .
- قال تعالى : " الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ {1} " ( هود 1 ) .
- قال تعالى : " الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ {1} إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {2} " (يوسف 1 – 2) .
- قال تعالى : " الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {1} " ( إبراهيم 1 ) .
- قال تعالى : " وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {64}‏ " ( النحل 64 ) .
- قال تعالى : " وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {89} " ( النحل 89 ) .
- قال تعالى : " تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً {1} " ( الفرقان 1 ) .
- قال تعالى : " طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ {1} هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {2} " ( النمل 1 – 2 ) .
- قال تعالى : " الم {1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ {2} هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ {3} " ( لقمان 1 – 3 ) .
- قال تعالى : " كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {29} " ( سورة  ص 29 ) .
- قال تعالى : " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {23} " ( الزمر 23 ) .
- قال تعالى : " حم {1} تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {2} كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {3} " ( فصلت 1 – 3 ) .
- قال تعالى : " حم {1} وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ {2} إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {3} وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ {4} " ( الزخرف 1 – 4 ) .


- بعد استعراض الآيات السابقة يتضح لنا أن القرآن الكريم أنزله الله تعالى ليكون ( هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ - هُدًى لِّلنَّاسِ - لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ - لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ - تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ - لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ - وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ - وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ - هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ - هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ - لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً -  لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ - وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ....... الخ ) فالقرآن الكريم له من المهام ما لا يعلمها إلا الله تعالى .
ثانياً : بعض الأحاديث النبوية التي وردت في شأن كتاب الله ( القرآن الكريم ) : لقد حفلت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالكثير من الأحاديث التي تبين فضل القرآن وفضل تعلمه وفضل تعليمه وفضل تلاوته وفضل سماعه …. إلى غير ذلك من الفضائل . نذكر منها :-

1 - وروى مسلم من حديثِ عُمر بن الخطَّاب رضِي الله عنْه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليْه وسلَّم قال : " إنَّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين " .
2 - عن أبي أمامة رضي الله عنه قال ، سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول : " اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه " ( رواه مسلم ) .
3 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " ( رواه الترمذي ) .

4- عن أبي ذر رضي الله عنه قال ، قلت يا رسول الله أوصني ، قال : " عليك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله . قلت : يا رسول الله زدني . قال : عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء " ( رواه ابن حبان في صحيحه في حديث طويل ) .
5 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من استمع إلى آية من كتاب الله كُتبت له حسنة مُضاعفة ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة " ( رواه أحمد ) .
6- عن إبراهيم النخعي قال : " معلم الصبيان تستغفر له الملائكة في السماوات والدواب في الأرض والطيور في الهواء والحيتان في البحار " .
- فهذه الأحاديث وغيرها الكثير تبين فضل وعظمة هذا القرآن الكريم وتبين أيضاً الجزاء الأوفى والأجر العظيم الذي يناله قارئ القرآن الكريم فبمجرد القراءة يأخذ الإنسان هذا الأجر فما بالنا بمن قرأ وأحسن وجود القرآن وعمل بما فيه فإن الله تعالى يُعظم له الأجر كما قال تعالى : " مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا " .

ثالثاً : أحوال الصحابة والسلف الصالح مع القرآن الكريم : إن السلف رضوان الله عليهم كان لهم أحوالاً مع القرآن قراءة - وترتيلاً وتدبراً وحفظاً – تحار لها العقول وتنخلع لها الألباب . لقد جعل السلف رضوان الله عليهم القرآن منهج حياة فبه قادوا وسادوا ولن يصلح حال هذه الأمة الآن إلا ما صلح به حال أولها .  
1- جاء في زاد المعاد ، قال شعبة : حدثنا أبو جمرة ، قال ، قلت لابن عباس : " إني رجل سريع القراءة ، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين " ، فقال ابن عباس : " لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل ، فإن كنت فاعلاً ولا بد ، فاقرأ قراءة تسمع أذنيك ، ويعيها قلبك ".
2- قال عبد الرحمن بن أبي ليلى : دخلت علي امرأة وأنا أقرأ ( سورة هود ) فقالت : يا عبد الرحمن : هكذا تقرأ سورة هود ؟! والله إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءتها " .
3- ثبت أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ظلت تقرأ آية ترددها من سورة الطور : " فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ {27} إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ {28} " ( الطور27 - 28] ) ، حتى أتى عروة لحاجة عندها ، فلما يأس من الوقوف على بابها انصرف وذهب إلى السوق ، ثم مكث فيه مدة فلما رجع إليها مرة أخرى وجدها تكرر نفس الآية ، ولها في النبي أسوة صلى الله عليه وسلم لما قام الليل يردد آية من القرآن " إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {118} "       ( المائدة 118 ) .
4 - عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال : " إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار " .
5 - وعن الفضيل بن عياض قال : " حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا يلغو مع من يلغو تعظيماً لحق القرآن " .
6 - قال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما : " لقد عشنا دهراً طويلاً وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها ، وما ينبغي أن يقف عنده منها ، ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين الفاتحة إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يقف عنده منه ، ينثره نثر الدقل " . 
7- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " كنا نحفظ العشر آيات فلا ننتقل إلى ما بعدها حتى نعمل بهن " وروي عنه أنه حفظ سورة البقرة في تسع سنين ، و ليس ذلك للانشغال عن الحفظ أو رداءة الفهم حاشاه رضي الله عنه ولكن بسبب التدقيق والتطبيق .
8 - قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " إنّا صعب علينا حفظ ألفاظ القرآن وسهل علينا العمل به ، وإنّ من بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن ويصعب عليهم العمل به " .
9- لقد كان صحابة النَّبي صلَّى الله عليْه وسلَّم يقرؤُون ويتدبَّرون ويتأثَّرون ، وكان أبو بكر رضِي الله عنْه رجُلاً رقيقَ القلب ، إذا صلَّى بالنَّاس وقرأ كلام الله تعالى لا يتمالَكُ نفسَه من البكاء، ومرض عُمر رضِي الله عنْه من أثر تلاوة قوْل اللَّه تعالى : " إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ {7} مَا لَهُ مِن دَافِعٍ {8} " ( الطور 7- 8 ) .
10 - وقال عثمان بن عفَّان رضي الله عنْه : " لو طهرتْ قُلوبُنا ما شبِعَت من كلام ربِّنا "، وقُتِل شهيدًا مظلومًا ودمُه على مصْحفه ، وأخبار الصَّحابة في هذا كثيرة .

رابعاً : بعض خصائص القرآن الكريم : لقد تميَّز كتاب الله تعالى بصفاتٍ وخصائص لم تكُن لكتابٍ سماويٍّ سواه ، فمِن هذه الخصائص :-
1- أن الله تعالى تكفل بحفظه  . لقد تكفل الله تعالى بحفظ القرآن الكريم من أن يعتريه زيادة أو نقصان أو تعديل أو تحريف . قال تعالى : " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9} " ( الحجر 9 ) .
- قال يحيى بن أكثم : كان للمأمون - وهو أميرٌ إذ ذاك - مجلسُ نظَر، فدخل في جُملة النَّاس رجلٌ يهودي ، حسَن الثَّوب ، حسَن الوجْه ، طيِّب الرَّائحة ، قال : فتكلَّم فأحسن الكلام والعبارة ، فلمَّا تقوَّض المجلس دعاه المأمون فقال له : إسرائيلي ؟ قال : نعم ، قال : أسلِمْ حتَّى أفعل بك وأصنع ، ووعدَه ، فقال : ديني ودين آبائي ، وانصرف .

قال : فلمَّا كان بعد سنةٍ جاء مسلمًا ، فتكلَّم على الفقه فأحسن الكلام ، فلمَّا تقوَّض المجلس دعاه المأمون وقال : ألستَ صاحبَنا بالأمس ؟ قال : بلى ، قال : فما كان سبَب إسلامِك ؟ قال : انصرفتُ من حضرتِك فأحببْتُ أن أمتحِن هذه الأديان ، وأنت تراني حسنَ الخط ، فعمدتُ إلى التَّوراة فكتبتُ ثلاثَ نُسَخ فزِدتُ فيها ونقصت ، وأدخلْتُها البِيعة فاشتُرِيَت منِّي ، وعمدت إلى الإنجيل فكتبتُ ثلاث نسخ فزِدتُ فيها ونقصتُ ، وأدخلْتُها الكنيسة فاشتُرِيتْ منّي . وعمدت إلى القُرآن فحملت ثلاثَ نسخ وزِدت فيها ونقصت ، وأدخلتُها الورَّاقين فتصفَّحوها ، فلمَّا وجدوا فيها الزِّيادة والنقصان ، رمَوا بها فلم يشتروها ، فعلمْتُ أنَّ هذا كتاب محفوظ ، فكان هذا سببَ إسلامي ( ) .
2- أن الله تعالى تكفل بتيسير تلاوته . قال تعالى : " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ {17} "      ( القمر 17 ) .
3- الإعجاز البلاغي ، والتَّشريعي ، والموضوعي ، والعلمي . قال تعالى متحدياً صناديد الكفر : " وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {23} "  ( البقرة 23 ) .
4 - الشُّمول واستيعاب كل مجالات وشئون الحياة . قال تعالى : " .... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {89}" ( النحل 89 ) .
5 - القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها . قال تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ {107} " ( الأنبياء 107 ) .
. هذه بعض الخصائص الأساسية التي نصل إليها بعجزنا البشري وعقلنا المحدود فأنى لنا أن نصل إلى كل أسراره وخصائصه وعجائبه التي لا تنتهي ولا تنفذ إلى يوم القيامة .


خامساً : بعض الشهادات والأقوال التي وردت في حق القرآن الكريم : إنه ما من أحد تعامل مع كتاب الله تعالى وتعرف عليه عن قرب وتحدث عنه بإنصاف إلا أجرى الله تعالى على لسانه أوصافاً ما ينبغي أن تكون لغيره .  

1 - شهادة الوليد بن المغيرة في كتاب الله عز وجل : عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له ، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال : يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالاً ! قال : لم ؟ قال : ليعطوكه ، فإنك أتيت محمداً تتعرض لما قبله ، قال : قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً ، قال : فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له أو أنك كاره له ، قال : وماذا أقول ؟! فوالله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن مني ، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا ، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة ( ) وإنه لمثمر أعلاه مغدق( ) أسفله وإنه ليعلو وما يُعلى ، وإنه ليحطم ما تحته ، قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه ! قال : فدعني حتى أفكر ، فلما فكر قال : هذا سحر يؤثر ( يأثره عن غيره ) ، فنزلت : " ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً {11}..... " ( المدثر ) . ( قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ) .

2- قول الشعبي عن القرآن الكريم : " فرق الله تنزيله ، فكان بين أوله وآخره عشرون أو نحو من عشرين سنة . أنزله قرآناً عظيماً ، وذكراً حكيماً ، وحبلاً ممدوداً ، وعهداً معهوداً ، وظلاً عميماً ، وصراطاً مستقيماً ، فيه معجزات باهرة ، وآيات ظاهرة ، وحُجج صادقة ، ودلالات ناطقة ، أدحض به حُجج المُبطلين ، ورد به كيد الكائدين ، وقوي به الإسلام والدين ، فلمع منهاجه ، وثقب سراجه ، وشملت بركته ، وبلغت حكمته - على خاتم الرسالة ، والصادع بالدلالة ، الهادي للأمة ، الكاشف للغمة ، الناطق بالحكمة ، المبعوث بالرحمة ، فرفع أعلام الحق ، وأحيا معالم الصدق ، ودمغ الكذب ومحا آثاره ، وقمع الشرك وهدم مناره ، ولم يزل يعارض ببيناته ( أباطيل ) المشركين حتى مهد الدين ، وأبطل شُبَه الملحدين .... " ( ) .
3 -  قال الإمام الشاطبي رحمه الله : إن كتاب الله قد تقرر أنه كلية الشريعة ، وعمدة الملة ، وينبوع الحكمة ، وآية الرسالة ، ونور الأبصار والبصائر، وأنه لا طريق إلى الله سواه ، ولا نجاة بغيره ، ولا تمسك بشيء يخالفه . وهذا لا يحتاج إلى تقرير واستدلال عليه ، لأنه معلوم من دين الأمة . وإذا كان كذلك لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها ، واللحاق بأهلها ، أن يتخذه سميره وأنيسه ، وأن يجعله جليسه على مر الأيام والليالي ، نظراً وعملاً ، لا اقتصاراً على أحدهما ، فيوشك أن يفوز بالبغية ، وأن يظفر بالطلبة ، ويجد نفسه من السابقين وفي الرعيل الأول . فإن كان قادراً على ذلك ولا يقدر عليه إلا من زاول ما يعينه على ذلك من السنة المبينة للكتاب وإلا فكلام الأئمة السابقين والسلف المتقدمين آخذ بيده في هذا المقصد الشريف ، والمرتبة المنيفة .." ( )

4- يقول عبد الحميد باديس :  " فو الله الذي لا إله إلا هو ما رأيت وأنا ذو النفس الملأى بالذنوب والعيوب أعظم إلانة للقلب ، واستدراراً للدمع ، وإحضاراً للخشية ، وأبعث على التوبة ، من تلاوة القرآن وسماعه " ( ) .
5 - وقال الرافعي  رحمه الله : "  القرآن : آيات منزلة من حول العرش ، فالأرض بها سماء هي منها كواكب ، بل الجند الإلهي قد نشر له من الفضيلة علم وانضوت إليه من الأرواح مواكب ، أغلقت دونه القلوب فاقتحم أقفالها ، وامتنعت عليه ( أعراف ) الضمائر فابتزّ ( أنفالها ) . وكم صدوا عن سبيله صداً، ومن ذا يدافع السيل إذا هدر؟ واعترضوه بالألسنة رداً ولمعري من يرد على القدر؟ وتخاطروا له بسفائهم كما تخاطرت الفحول بأذناب ، وفتحوا عليه من الحوادث كلَّ شدق فيه من كل داهية ناب .

فما كان إلا نور الشمس : لا يزال الجاهل يطمع في سرابه ثم لا يضع منه قطرة في سقائه ، ويلقى الصبي غطاءه ليخفيه بحجابه ثم لا يزال النور ينبسط على غطائه ... ألفاظ إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة ، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة ... ومعان بينا هي عذوبة ترويك من ماء البيان ، ورقة تستروح منها نسيم الجنان ........." الخ ( ) .

- وأما عن أقوال غير المسلمين عن القرآن الكريم : قديماً قالوا : " الحق ما شهد به الأعداء " وكما أنطق الله تعالى صناديد قريش بأوصاف بليغة في حق القرآن ، كذلك كان لبعض علماء الغرب وبعض المستشرقين شهادات مُنصفة أيضاً وذلك لأنهم لو قالوا غيرها لكانوا كمن يُنكر الشمس وهي ساطعة في كبد السماء . ومن هذه الأقوال :-  

1- يقول آرثر آربري : " عندما أستمع إلى القرآن يتلى بالعربية ، فكأنما أستمع إلى نبضات قلبي " ( ) .
2 - تقول الألمانية أنَّا ماريا  : " القرآن هو كلمة الله ، موحاة بلسان عربي مبين ، وترجمته لن تتجاوز المستوى السطحي ، فمن ذا الذي يستطيع تصوير جمال كلمة الله بأي لغة ؟! " ( )
3- ويقول الباحث الأمريكي مايكل هارت : " لا يوجد في تاريخ الرسالات كتاب بقي بحروفه كاملاً دون تحوير سوى القرآن " فهو " بين أيدينا كتاب فريد في أصالته وفي سلامته ، لم يُشكّ في صحته كما أُنزل ، وهذا الكتاب هو القرآن " ( ) .
4- ويقول فون هامر : " القرآن ليس دستور الإسلام فحسب ، وإنما هو ذروة البيان العربي ، وأسلوب القرآن المدهش يشهد على أن القرآن هو وحي من الله ، وأن محمداً قد نشر سلطانه بإعجاز الخطاب ، فالكلمة لم يكن من الممكن أن تكون ثمرة قريحة بشرية ".
5 - يقول البروفسور يوشيودي كوزان – مدير مرصد طوكيو : " إن هذا القرآن يصف الكون من أعلى نقطة في الوجود ، إن الذي قال هذا القرآن يرى كل شيء في هذا الكون ، وكل شيء مكشوف أمامه "
- وختاماً : إن الحديث عن القرآن الكريم لا يمكن تناوله في وريقات بسيطة مثل هذه ، ولكن ما أردت بهذه السطور سوى :-
- تسليط الضوء على عظمة هذا الكتاب ، ومكانته عند الله تعالى ، وعند رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعند صحابته الكرام والتابعين وتابعيهم إلى يوم الدين .
- وكذلك أردت تسليط الضوء على بعض الشهادات التي قيلت في حق القرآن الكريم وخاصة من غير أهله .
- وأخيراً أردت أن أوضح بعض خصائصه التي تفرد بها عن أي كتاب آخر .
- ومن دواعي فخري واعتزازي بكتاب الله عز وجل حق لي أن أعلنها في وجه كل مُتكبر مُعاند : " هذا كتابي فليرني أحدكم كتابه " . 
- اللهم ارحمنا بالقرآن واجعله لنا إماماً ونوراً وهدى ورحمة ، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا حسن تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله لنا حجة يارب العالمين.