قال عمر حاذق، شاعر الإسكندرية، في رسالة جديدة من داخل محبسه: "مازلتُ في السجن ذاته، العنبر ذاته، الزنزانة ذاتها، قريبًا من إتمام الشهر التاسع من فترة الحُكْم (سنتين)، في ليلة جهنمية من صيف أغسطس الرهيب، حيث أضيف إلينا اليوم سجين آخر، فأصبحنا 23 رجلاً في زنزانة مساحتها 3،5 × 5،5 متر، شاملةً حمامًا صغيرًا غايةً في القذارة، مع زيادة وتيرة البطش والضرب وانتشار الجرب".

وأضاف " حياةٌ كهذه الحياة، تمنحني رصيدًا إنسانيًا هائلاً من كل ما هو إنساني، وتعرِّفني بناس يستحيل أن ألقاهم خارج جدران زنزانتي هذه، بعض هؤلاء السجناء علّموني الكثير، بعضهم منحوني دعمًا عظيمًا وأخوة صادقة، ساعدتْني على أن أظل محبًّا للحياة والناس، كان حقًا عليَّ أن أذكر هؤلاء وأهديهم روايتي هذه، غير أنني آثرْتُ أن أصنع ذلك في إهداء روايتي الأحدث (الحياة باللون الأبيض) التي كتبتُها كلها في السجن، فكانتْ بطلة هذه المرحلة من حياتي".

واستطرد عمر في رسالته : "مراتٍ قليلة بكيتُ فيها هنا، أكثرها لأجل أمي، وبعضها لأجل سجناء واجهوا آلامًا فوق طاقتهم.

وتابع عمر: "في الزيارة الأخيرة، عرفتُ من أمي أن أحمد الحبيب عاد يعاني من تلك الأزمة بعد أنْ حقّق علاجه تقدمًا ملموسًا، في الليل، قرّبتُ مسودة الرواية من وجهي لأخفيه، وبكيتُ لحظات من أجل أحمد الحبيب، الذي عرفتُه طفلاً بريئًا، مفعمًا بالنشاط والمرح، مغرمًا بالانطلاق إلى الحدائق والشواطئ، عاشقًا للحلوى والعصائر والشيبسي، من أجل أحمد الذي عانى من سجني أكثر مني، من أجل أحمد الذي كان يطالع مع أسرته ألبوم صور عائلية مطبوعة، فحمل صورة منها، وانتحى بعيدًا عن الأسرة، فذهبتْ إليه أمه، ووجدته يحدث الصورة هامسًا: وحشتني، وحشتني قوي، وإذا بي أنا في تلك الصورة".

واختتم حديثه: نحن ندفع ثمنًا فادحًا لكرامتنا وإنسانيتنا جميعًا.

وكان عمر حاذق قد صدر ضده حكم بالحبس عامين وغرامة 50 ألف جنيه - مع 6 آخرين - بعد مشاركتهم في وقفة احتجاجية أمام محكمة المنشية في ديسمبر الماضي للمطالبة بإعدام قتلة شهيد الطوارئ خالد سعيد، ووصلت رسالته الأخيرة مع مرور 270 يوما على سجنه.