بكلمات تقطر أسى يحاول الدكتور شريف أبو المجد الأستاذ بكلية الهندسة بجامعة حلوان أن يكسر سجنه ويخرج من معتقله عبر الكلمة.. مؤكدا أن همم الأحرار عصية على أن يكسرها السجان، وأن قلوبا اعتادت الحرية مستحيل أن يقيدها بطش أو طغيان..

 
أنشأ أبو المجد مدونة على الإنترنت سماها "خواطر سجين عمره 65" وحدد هدفها قائلا: أنشأت هذه المدونة لأكتب من خلالها خواطري من وراء الأسوار. أتمنى منكم التفاعل حتى تكون هذه المدونة مثمرة ومفيدة..
 
ويُعرّف الدكتور شريف أبو المجد نفسه قائلاً: أنا معتقل حالياً منذ أكثر من عام. أستاذ متفرغ (على المعاش) في كلية الهندسة بالمطرية جامعة حلوان، وكنت مديراً لمركز التنمية التكنولوجية بجامعه حلوان، وكنت رئيساً للجنة التعليم وعضواً بالمجلس الأعلى بنقابة المهندسين قبل اعتقالي.
 
الحياة في 16 متراً
وبدأ أبو المجد بالفعل يكتب على مدونته فقد نشر خاطرة بعنوان الحياة داخل الزنزانة يتحدث فيها عن وصف الزنزانة التي يقيم فيها مع 5 آخرين.
 
بداية يقسم الزنازين إلى أحجام ومقاسات بحكم عمله مهندسا قائلا: "الزنازين بأبعاد مختلفة، تبدأ من متر × مترين للحبس الانفرادي (التأديب) إلى 8 × 11 مترا للزنازين التي يوضع فيها أربعون معتقلاً، وحيث إن أكثر فترة اعتقالي كان في زنزانة 3.8 × 4.25م (لاحظ دقة المقاس) فسوف أقصر وصفي للحياة في الزنزانة على هذا النوع من الزنازين.
 
ويشرح الدكتور شريف مستعينا بالرسوم عن كيف استطاع هو وإخوانه الخمسة بالزنزانة من كبار السن والمرضى أن يقسموا زنزانتهم الـ16 مترا بين غرفة نوم وغرفة طعام وغرفة جلوس ومسجد وغرفة "استقبال ضيوف" ومطبخ قائلا: حتى يتحقق العدل يحصل كل فرد من الستة على مكان ينام فيه عرضه 80 سم وطوله 1.75م، وتلاحظ من الرسم أن المكانين 5، 6 لهما 1.5م فقط ، وفى هذه الحالة إما أن يدخل أقدامهما في قدمي النائمين في 3، 4 أو يكونا من قصار القامة، وبذلك يكون لكل فرد مساحة 80×1.75م أى 1.4م2 ليس فقط لنومه، ولكن يحيا داخلها، أي يجعلها غرفة مكتبه إذا نام الآخرون".
 
ويعود إلى الحديث عن حياته الخاصة داخل الزنزانة بقوله: وحيث إنني كتبت خمسة كتب في هذه السنة والنصف، وأعمل حالياً في الكتاب السادس، فلابد أن يتبادر إلى ذهنك أنني أقوم بالكتابة من 3 - 5 ساعات يوميا، وهذا صحيح، وأغلب هذه الفترة وزملائي نائمون، فلا بد أن أتحرك داخل مساحتي فقط، والرسم المرفق يبيّن كيف أقوم بذلك، فأنا أجلس على كرسي، وأضع صندوقا فارغا من الكرتون على كرسي آخر، حتى أستطيع الكتابة دون أن ينحني ظهري كثيرا، وحتى لا أزعج زملائي النائمين فقد خصصوا لي المكان رقم 1، وعلقت ملاية بيني وبين رقم 2، ووضعت لمبة موفرة للطاقة 40 وات، وعندما أسحب الملاية لا يزعج ضوء اللمبة النائم في رقم 2.
 
ثم ينتقل لوصف غرفة الطعام التي نكتشف أنها ليست كيانا منفصلا ولكنها مكان نوم 2 و3 و4 حيث "يتم وضع مفرش بلاستيك فوق مكان نوم 2،3،4 لكى يأكل عليه الأربعة الآخرون.
 
وبخفة ظل لا تخفف المعاناة يستفيض في سرد ما يعانيه المعتقلون في سجون الانقلاب قائلا: "المياه لا تتوفر في الصنابير إلا رُبع ساعة عند الآذان للصلوات الخمس ، ولذلك فلابد من تخزين كميات غير قليله من المياه؛ لأن المسئول عن تشغيل الموتور كثيرا ما ينام عند أذان الفجر، وبذلك لا توجد مياه من أذان العشاء (السابعه مساءً مثلا) وحتى يستيقظ سيادته في الثامنة أو التاسعة صباحاً، ولذلك يبين الرسم أماكن تخزين المياه، بالإضافة إلى برميل بأسفله صنبور، اشتريناه ووجدنا صعوبة شديدة وتعنّتاً حتى سمحوا لنا بإدخاله".
 
ثم يوضح أن غرفة النوم تصبح هي المسجد في أوقات الصلاة وهي هي غرفة الجلوس بعد الصلاة، ويحكي عن التريض بأنه يتم في طرقة لا عرضها 1.75 م فقط في طول 30 مترا، "ولا تقل لي كيف يتريّض بين 40 - 50 شخص في مساحه 50م2؟ فهذا السؤال ينطوي على اتهام للداخلية وسجونها، وهى التي ينشر مسئولوها صورتهم وهو يتمشون بجوار الملاعب الفسيحة التي يتريّض فيها المعتقلون ولا يجب أن يتطرق إلى ذهنك أن هذا تضييق؛ لأن هؤلاء الخمسين يلعبون ويجرون ويتريّضون فعلاً في هذه المساحة المحدودة، أنت فقط تحتاج أن تستعمل خيالك الكلان هذا!
 
ولا يفوت الدكتور أبو المجد أن يلفت نظرنا للرعاية الطبية داخل السجون، مستشهدا بأنه ينزل كل أسبوع لطبيب الأسنان ولكنه منذ شهر ونصف لم ينظر في فمه، متعللا كل مرة بسبب ما ليظل المعتقل على معاناته ثم يختم شاكيا همه وتجاهله إلى الله.
 
ثم يعرج على الأمور الوجدانية، وكيف يقضي المعتقلون يومهم الإيماني فيقول: "يستيقظ النائمون ساعتين قبل أذان الفجر حيث يصلون صلاة قيام الليل ويدعون الله أن يجعل حبستهم هذه فى ميزان حسناتهم، تكفيرا لسيئاتهم ورفعه لدرجاتهم، ثم صلاة الفجر، وبعده يمكن أن يشرب البعض الشاي باللبن مع البسكويت بينما يرددون أذكار الصباح، وبعض المعتقلين يفضل البقاء مستيقظا حتى يصلي الضحى بعد الشروق بثلث الساعة حتى يحظى بأجر حجه تامة تامة تامة، وبعضهم ينام لأنه استيقظ باكرا".
 
ويكمل: "وفي الصباح التالي يستيقظ العواجيز أمثالى في الثامنه صباحا، حيث ينتظرون أن يمنّ عليهم الشاويش بتشغيل الموتور حتى يستطيعوا أخذ (shower) على الصبح، ثم يجلسون لتلاوة ما تيسر من القرآن لحين استيقاظ الذين ناموا بعد الشروق في العاشرة صباحا، وبعد الإفطار معا يمكن أن تفتح أبواب الزنازين في الحادية عشرة صباحا لمدة ساعة أو ساعتين، حيث يصلون الظهر معا فى الطرقة".
 
روشتة علاج "الاستقطاب"
وفي مقال آخر بعنوان "الاستقطاب المجتمعي الحاد.. وكيف يستردّ المجتمع عافيته؟" يعرّف في مقاله الاستقطاب ومظاهره في المجتمع والمسئول عنه.
مرجعا السبب الأساسي إلى الإعلام الذي يشيطن الآخر ولكنه وعلى حد قوله: في المقابل نجد أن بعض التصرفات والأقوال غير المسئولة ساعدت على تخويف الناس من بعض أصحاب الاتجاه الإسلامي وتشددهم، وأصبح الكلام عن حرمة الموسيقى، وعدم جواز الاختلاط في المدارس والجامعات، بل وزاد الأمر بحيث أصبح الكلام على أن النقاب فريضة على النساء، والكلام عن فرض الجزية على غير المسلمين (الأقباط)، ولا شك أن هذا الكلام غير المسئول زاد في الاستقطاب".
ثم قدم الدكتور أبو المجد روشتة علاج ليتعافى المجتمع المصري المنقسم من داء الاستقطاب في نقاط أهمها: معرفة أمانة الكلمة وعدم إساءة الظن وتثمين الاختلاف وتعاون جميع الأطراف وتقيم بديل ثالث يحقق التوافق من وجهة نظره.
 
الحب في الزنزانة
وفي مقال رقائقي يتحدث عن المشاعر التي يعيش بها الإنسانقائلا: "إن العلم الحديث أثبت أن المشاعر تدخل في التفكير، وإن المشاعر تدخل أيضا في الإيمان، وفي كل جوانب الحياة، وقد ركّز الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على المشاعر تركيزاً كبيراً، وبالذات الحب والموالاة والخصام والإحسان والتحكم في الغضب وكظم الغيظ".
 
ويفيض بأسلوب أدبي راقٍ عن هذه المشاعر المختلفة من حب وإحسان وكظم غيظ.
 
إن مدونة "خواطر سجين عمره 65" شعاع نور من بين القضبان لا ينفذ من الأرض إلى داخل المعتقل، ولكنه يخرج منه إلى الأحرار في كل مكان.
 
رصد