بقلم : مجدي مغيرة

 

من عجائب السيسي وشركاه أنك كي تصدقهم في قولٍ من أقوالهم أو تصريح من تصريحاتهم ؛ فلابد بالضرورة أن تكذبهم في قولٍ آخرَ أذاعوه أو تصريحٍ آخر طرحوه ، إذ العقل السليم لا يقبل أبدا الشيء ونقيضه .

ومن هذه العجائب التي لا تنقضي هو موقفهم من أمريكا .

 

فقد صرح السيسي كثيرا عقب الانقلاب أنه قام بانقلابه بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية .

 

وصرح البرادعي ( الحاصل على جائزة نوبل للسلام ) أنه ظل ما يقرب من ستة أشهر كي يقنع الغرب بضرورة انقلاب الجيش على أول رئيس للجمهورية تم انتخابه بإرادة جماهيرية حرة ونزيهة .

 

وصرح الفريق أحمد شفيق في أكثر من لقاء علني له أنه كان العقل المدبر للانقلاب بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية ، لكن السيسي غدر به وأخذ كرسيَّ الرئاسة لنفسه بدلا من أن يعطيه للمدبر العظيم أحمد شفيق .

 

ولا ننسى تصريحات وزير خارجية الانقلاب السيد نبيل فهمي في مقابلة مع الإذاعة الحكومية الأمريكية في أول مايو 2014م التي قال فيها :" إن العلاقة مع الولايات المتحدة حيوية" ، مضيفا: "إنها تشبه علاقة الزواج وليست مجرد نزوة عابرة" ، ومؤكدا : " وأنا أظن أن هذه العلاقة تقوم على أسس قوية ، ولكن في كل علاقة زواج هناك مشاكل تحصل."

 

وتنشر جريدة المصري اليوم المؤيدة للانقلاب في 21 مارس 2015 تصريح السيسي لصحيفة "وول استريت جورنال" الذي يقول فيه : "لا يمكن أن نقلل علاقاتنا مع الولايات المتحدة لمستوى أنظمة الأسلحة فقط ، ونحن حريصون على العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة فوق كل شيء ولن ندير لها ظهرنا حتى إن أدارت ظهرها لنا."

 

ومضمون هذه الأقوال والتصريحات هي قوة علاقة الانقلاب بأمريكا ، التي تمده بكل ما يحتاجه من أسلحة وأدوات قمع ، وتعطي الضوء الأخضر لمن يدور في فلكها أن يقدم له المساعدات التي يحتاجها .

 

وفي مقابل تلك التصريحات والأقوال العلنية الموثقة من جميع الأطراف المشاركة في صنع الانقلاب ، تجد نغمة أخرى عكسها تماما ، لكنها لا تُوجه إلى الخارج أو الغرب ، بل يتم توجيهها إلى المصريين فقط من خلال وسائل الإعلام الناطقة باسم الانقلاب ، ومضمون تلك الرسالة هي عداء الغرب بقيادة أمريكا للسيسي ، وسعيها للقضاء عليه ، وتآمرها مع الإخوان المسلمين ضده وضد مشاريعه التي – لوكُتِبَ لها النجاحُ - سترتقي بمصر وأهل مصر إلى السماوات العُلَا .

 

وبالطبع حينما تنكشف حقيقة تلك المشاريع الفنكوشية ، ويعاني الشعب مُرَّ المعاناة من الأزمات الاقتصادية الناتجة عن الإدارة الفهلوية لأمور البلاد ؛ تظهر لنا على الفور المبررات ، فالمشكلة ليست في المشاريع ، لكنها في المؤامرات التي يدبرها أهل الشر بقيادة الغرب ضدنا ، واستخدامهم لحروب "الجيل الرابع" و"الجيل الخامس" كي يعيقوا تقدمنا السريع ويوقفوا زحفنا الوسيع .

 

بالطبع ليس هذا هو حال السيسي وحده ، فمن قبله كان جمال عبد الناصر يهاجم أمريكا المتآمرة على مصر ، بينما كان الشعب المصري يستلم أجولة الدقيق الأمريكي المكتوب عليها : هدية الشعب الأمريكي إلى شعب مصر.

 

إن الحديث عن المؤامرة عادة ما يدور في وسائل الإعلام حينما تفشل المبررات الأخرى في استغفال الناس ، بالضبط مثلما كانت الأمهات قديما يُخِفْن أطفالهن الصغار بـ "أبو دراع" و"أبو صباع" إذا عجزن عن تلبية رغباتهم وإشباع بطونهم ، ورغبن أن ينام الأطفال حتى يسترحن من بكائهم وصراخهم ، ولا يدرك الأطفال خدعة الآباء والأمهات إلا بعد أن يكبروا ويدركوا حقيقة الأمور ، فهل وصلنا إلى مرحلة النضج والإدراك واكتشفنا الحقيقة ، أم أننا مازلنا نتنازل عن تحقيق رغباتنا خوفا من "أبو دراع" و"أبو صباع" ؟

 


المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع