سبق مجاهدو الإخوان المسلمين الجيوش النظامية في التصدي للعصابات الصهيونية، وكبدوها الخسائر الكثيرة واستطاعوا أن يحرروا كثيرًا من المغتصبات والأراضي التي كان الصهاينة قد سيطروا عليها وقت انسحاب القوات الإنجليزية منها، وعلى الرغم من قلة عدد متطوعي الإخوان وعدتهم إلا أنهم كانوا أشد وطأةً على الصهاينة من الجيوش العربية، حتى إن موشي ديان قال: "إن الفدائيين يحاربون بعقيدة أقوى من عقيدتنا.. إنهم يريدون أن يستشهدوا ونحن نريد أن نبني أمة، وقد جربنا قتالهم فكبدونا خسائر فادحة؛ ولذا فنحن نحاول أن نتجنبهم".
هذه الحقائق التي سطرتها كتب التاريخ دليلٌ ناصعٌ على دور الإخوان، غير أن كثيرًا من المشككين وأصحاب الهوى يطعنون بأن الإخوان لم يكن لهم دور في هذه الحرب وقد نسوا شهداءهم، واعترافات اللواء المواوي ودور الضابط الإخواني معروف الحضري في توصيل المؤن للجيش المصري المحاصر في الفالوجا.
لقد قامت هيئة الأمم المتحدة بمحاولة لإيجاد حل للنزاع (العربي- اليهودي) القائم على فلسطين، وقامت هيئة الأمم بتشكيل لجنة UNSCOP المتألّفة من دول متعدّدة باستثناء الدّول دائمة العضوية لضمان الحياد في عملية إيجاد حلّ للنزاع، فجاء القرار ظالمًا؛ حيث أعطى قرار التقسيم 55% من أرض فلسطين للدولة اليهودية، وشملت حصَّة اليهود من أرض فلسطين على الشريط البحري وصحراء النّقب، ولم تكن صحراء النقب في ذاك الوقت صالحةً للزراعة ولا للتطوير المدني، واستند مشروع تقسيم الأرض الفلسطينية على أماكن تواجد التّكتّلات اليهودية، بحيث تبقى تلك التكتّلات داخل حدود الدولة اليهودية.
كانت القيادات الصهيونية قد شرعت في إعداد خطط عسكرية تفصيلية منذ مطلع عام 1945م توقعًا للمواجهة المقبلة، وفي مايو 1946 رسمت "الهاجاناه" خطة سُميت بخطة مايو 1946م فيما بعد، كانت السياسة العامة لهذه الخطة تقضي بما يسمى "الإجراءات المضادة"، والتي اشتملت على شقين:
العمل التحذيري: تنحصر في منطقة عمليات العدو.
العمل العقابي: لا حدودَ على نطاقها الجغرافي.
ووقتها أعلن الإخوان رفضهم الشديد قرار الأمم المتحدة الصادر في 29 نوفمبر 1947م بتقسيم فلسطين، وما كادت بريطانيا تنهي انتدابها على فلسطين في 14 مايو سنة 1948م، وقبل أن تعلن العصابات الصهيونية قيام كيانها، كان الإخوان قد أرسلوا كتائبهم للجهاد هناك، ووصلت فعلاً إلى أرض المعارك في شهر مارس 1948م، وتتابعت أفواج المجاهدين الإخوان إلى فلسطين، وانتشروا في مناطق شاسعة امتدت من ساحل البحر المتوسط غربًا حتى بيت المقدس شرقًا، وشارك الإخوانُ المصريون الإخوان السوريين والأردنيين جهادهم جنبًا إلى جنب الجيوش العربية ضد العصابات الصهيونية.
ورفض الإخوان رفضًا تامًّا قرارات الهدنة التي أصدرتها هيئة الأمم، بعد أن كانت كتائب الإخوان على وشك إحراز النصر الحاسم على العصابات الصهيونية، وكان موقف الإخوان منذ الإعلان عن "اقتراح الهدنة" بهيئة الأمم هو التنديد والرفض المطلق، وأعلن الإمام حسن البنا باسم الإخوان المسلمين أنه "لا قبول للهدنة إلا بعد أن تدخل الجيوش العربية تل أبيب، وتطرد العصابات الآثمة من حيفا ومن يافا ومن عكا ومن طبرية، وترد المهاجرين من عرب فلسطين إلى ديارهم، ثم إذا قيل بعد ذلك هدنة فبها، وإلا فالقتال حتى نقذف بآخر جندي صهيوني إلى البحر، وتطهر فلسطين المباركة من هذا الرجس".
ولكن صدمة الإخوان كانت كبيرة عندما أعلنت الحكومات العربية- آنذاك- قبولها قرارات الهدنة الأولى في يوليو 1948م، إذ لم يكن لهذا القبول من معنى سوى التخاذل عن مواصلة الجهاد، وأتيحت الفرصة كاملةً للعصابات الصهيونية لتقوي نفسها، ولتستمر في عدوانها، وفي ارتكاب جرائمها.
لقد بذل الإخوان المسلمون قصارى جهدهم لأداء ما عليهم من الواجب المقدس تجاه قضية فلسطين، وتشهد بذلك حوادث تلك السنوات التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية، التي سجلتها الصحف، وتقارير الأمن العام، وتقارير المخابرات الإنجليزية، والمستشار الشرقي في السفارة البريطانية بالقاهرة.
وفي رسالة ماجستير تقدمت بها الباحثة هيام عبد الشافي عبد المطلب تحت عنوان "مصر وحرب فلسطين 1948م" للحصول على درجة الماجستير في التاريخ الحديث المعاصر بجامعة عين شمس أشادت بدور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين، وقيام جماعة الإخوان المسلمين بإرسال كتائب المتطوعين الذين حقَّقوا انتصارات مذهلة على العدو الصهيوني.
وأشارت إلى انتصارات الإخوان المسلمين بما حدث في "التبة 86"؛ حيث نجحت كتائب الإخوان المسلمين في سحق القوة الصهيونية المسيطرة على التبة بعد أن فشل الجيش المصري في استردادها.
غير أن الجيوش العربية التي دخلت الحرب كانت محكومةً بمواقف حكوماتها السياسية، التي كانت معظمها موافقة سرًّا أو علنًا على قبول مشروع التقسيم، وإقامة الدولة اليهودية؛ ولذلك وضعت الجيوش العربية في وضع عسكري يساعد على تنفيذ التقسيم، بل يفسح المجال لليهود ولجيشهم للتوسع إلى أبعد حد، والأمثلة على ذلك: أن الجيش العراقي الذي كان تعداده فرقتين في ذلك الوقت، أي من 20- 40 ألف جندي قد استُخْدم منه في فلسطين خلال الشهر الأول والحاسم من القتال 1500 جندي فقط.
ومن جهة الأردن فإن الوثائق المعروفة الآن؛ ومنها مذكرات جلوب باشا- قائد الجيش الأردني في ذلك الوقت- يقول في مذكراته: "إنه في شهر آذار 1948 سافر هو ورئيس الحكومة توفيق أبو الهدى إلى بريطانيا، واتفقوا على أن يضم القسم العربي من التقسيم إلى الأردن وأن لا يجري قتال بين الجيش الأردني والجيش اليهودي"، وبعد ذلك- وهذا خارج مذكرات جلوب- تقول المصادر الأخرى إن جلوب باشا قائد الجيش الأردني أرسل البريجادير جولدي- قائد الفرقة في الجيش الأردني- إلى قيادة الهاجاناه، حاملاً رسالة من جلوب باشا يقول فيها- بالإضافة إلى ما سبق-: إن الجيش الأردني على استعداد لتأخير حركته حتى يأخذ الجيش اليهودي مواقعه على الجانب الآخر!!، وحسب تقدير كبار الضباط العرب في الجيش الأردني، ومنهم الفريق صادق الشرع، الذي أصدر مؤخرًا كتابًا بعنوان "حروب العرب مع إسرائيل" يؤكد فيه أنه كانت القوة العسكرية العربية المتوفرة عام 1948 قادرةً على منع قيام الدولة اليهودية لو استُخْدمت هذه الجيوش بالشكل العسكري الصحيح، وخصوصًا بمبادأة اليهود بالحركة المباغتة في الوقت المناسب؛ فالجيوش العربية لم تهزم في 1948؛ لأنها لم توضع من قِبل حكوماتها في وضع عسكري سليم.
وهذا ما كان الإمام البنا يطالب به؛ ألا تدخل الجيوش العربية الحرب وليتركوا الأمر لحرب العصابات بين الإخوان والصهاينة، لكن عناد الحكام العرب أبَى ذلك؛ مما ضيع فرصة تحرير البلاد من اليهود.
لقد استمر الإخوان في جهودهم الساعية لتوفير الدعم لمجاهدي فلسطين، والعناية بمشكلاتهم الأخرى التي تفاقمت جرّاءَ تزايد أعداد اللاجئين والمشردين من ديارهم وممتلكاتهم. وقد أدى هذا النشاط المكثف الذي بذله الإخوان إلى إزعاج السلطات المصرية، والدوائر الاستعمارية، فقامت الحكومة المصرية برئاسة النقراشي باشا- آنذاك- بمنع الإمدادات التموينية عن مجاهدي الإخوان، وإصدار أوامر باعتقال مجاهديهم وهم في ساحات القتال.
لقد انزعج اليهود مما يقوم به الإخوان فاستنجدوا بأمريكا التي تحركت بسرعة لإنقاذ الموقف عن طريق إعلان الهدنة وحل الجماعة الإخوان المسلمين، ومن ثَمَّ اجتمع سفراء إنجلترا وأمريكا وفرنسا في مدينة فايد في 11 نوفمبر 1948م وطلبوا من النقراشي باشا إصدار قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين، فكما جاء في الوثيقة الممهورة بإمضاء الماجور (أوبريان ماجور) السكرتير السياسي للقائد العام للقوات البرية البريطانية في الشرق الأوسط، والتي جاء فيها أنها مرسلة إلى رئيس إدارة المخابرات رقم (13) تحت رقم قيد: (1843/أي/48) يعلمه فيها باجتماع السفراء واتخاذ قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين عن طريق السفارة البريطانية، فرفع الكولونيل (أ. م. ماك درموث) رئيس المخابرات البريطانية هذا الأمر تحت رقم قيد (1670/ أ ن ت/48) إلى إدارة: ج. س.3 بتاريخ 20/11/1948م ليعلم حكومة الملكة بذلك، وفعلاً كلَّف السفير البريطاني النقراشي باشا باتخاذ الإجراءات اللازمة للحل، فأصدرت الأمر العسكري برقم 61 يوم 8 ديسمبر سنة 1948م، وبموجبه تم حل جماعة الإخوان، ومع ذلك أرسل الأستاذ البنا خطابًا مع أحد الإخوان يقول فيه للمجاهدين: "إنه لا شأن للمتطوعين بالحوادث التي تجري في مصر، وما دام في فلسطين يهودي واحد يقاتل فإن مهمتهم لم تنته بعد"، ثم يختم الرسالة بوصية طويلة للإخوان بالتزام الهدوء وحفظ العلاقات الطيبة مع إخوانهم وزملائهم من ضباط الجيش وجنوده.
وعملت حكومة النقراشي على إعادة المجاهدين من ساحات المعارك في فلسطين مكبلين بالأغلال وزجِّهم في غياهب السجون والمعتقلات.
وقالت صحيفة "أخبار اليوم": إن قرارَ الحل أحدث صدى قويًّا في لندن، وساد الدوائرَ الرسميةَ شعور بالارتياح.
وقال الأستاذ عبد الرحمن الرافعي- صديق النقراشي- الذي علَّق على قرار حل الإخوان المسلمين بقوله: "ولعمري إن النقراشي لم يكن موفّقًا في إصدار هذا الأمر، فإنه ليس من العدل أن تؤخذ الجمعيات والأحزاب بتصرفات أو جرائم، وقعت من بعض أعضائها، بل يجب أن يقتصر الجزاء والقصاص على من ارتكبوا هذه الجرائم. ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (الأنعام: من الآية 164)".
شهادات ورؤى
لقد دخل الإخوان الحرب وكلهم تصميم على تحرير البلاد أو الاستشهاد، ومن ثَمَّ شهدت لهم دماؤهم الذكية التي أريقت على أرض فلسطين، وحسن بلائهم في المعركة.
ولقد أدرك اليهود ما ينطوي عليه هذا التدخل من خطر شديد على أهدافهم وخططهم فقاموا ينشرون المقالات الطوال في صحف أوروبا وأمريكا ويفعمونها بالتهم الخطيرة عن الإخوان المسلمين، وحقيقة خطرهم على الولايات المتحدة وبريطانيا، وكانوا يحاولون بذلك استعداء الحكومة الأمريكية لتقوم بعمل حاسم وسريع، وتستأصل هذا الخطر الإسلامي الذي يهدد مصالحها بالزوال، وليس أدل على ذلك من مقال كتبته فتاة صهيونية تدعى روث كاريف ونشرته لها جريدة (الصنداي ميرور) في مطلع عام 1948م ونقلته جريدة (المصري) لقرائها في حينه، ونحن ننقل بدورنا أهم ما جاء به من التهم ليرى القارئ مدى النجاح الذي أحرزته الدعاية اليهودية حين أقنعت حكومات أوروبا بخطورة حركة الإخوان، ودفعتها لمحاربتها بشدة، قالت الكاتبة في مقالها: "إن الإخوان المسلمين يحاولون إقناع العرب بأنهم أسمى الشعوب على وجه البسيطة، وأن الإسلامَ هو خير الأديان جميعًا، وأفضل قانون تحيا عليه الأرض كلها"، ثم استطردت تصف خطورة حركة الإخوان إلى أن قالت: "والآن وقد أصبح الإخوان المسلمون ينادون بالاستعداد للمعركة الفاصلة التي توجه ضد التدخل المادي للولايات المتحدة في شئون الشرق الأوسط، وأصبحوا يطلبون من كل مسلمٍ ألا يتعاون مع هيئة الأمم المتحدة، فقد حان الوقت للشعب الأمريكي أن يعرف أي حركة هذه، وأي رجال يتسترون وراء هذا الاسم الرومانتيكي الجذاب اسم "الإخوان المسلمين".
إن اليهود في فلسطين الآن هم أعنف خصوم الإخوان المسلمين؛ ولذلك كان اليهود الهدف الأساسي لعدوان الإخوان، وقد قام أتباعهم بهدم أملاك اليهود ونهب أموالهم في كثيرٍ من مدن الشرق الأوسط، ويعدون الآن العدة للاعتداء الدموي على اليهود في عدن والبحرين، وقد هاجموا دور المفوضيات والقنصليات الأمريكية، وطالبوا علنًا بانسحاب الدول العربية من هيئة الأمم المتحدة".
وبعد هجوم عنيف على سماحة المفتي الأكبر وعلى فضيلة الإمام الشهيد حسن البنا ختمت مقالها قائلةً: "وإذا كان المدافعون عن فلسطين- أي اليهود- يطالبون الآن مجلس الأمن بإرسال قوة دولية لتنفيذ مشروع التقسيم الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة، فإنهم لا يطالبون بذلك لأن الدولة اليهودية في حاجةٍ إلى الدفاع عن نفسها، ولكنهم يريدون إرسال هذه القوة الدولية إلى فلسطين لتواجه رجال الإخوان المسلمين وجهًا لوجه، وبذلك يدرك العالم كله الخطر الحقيقي الذي تمثله هذه الحركة، وإذا لم يدرك العالم هذه الحقيقة في وقت قريب فإن أوروبا ستشهد ما شهدته في العقد الماضي من القرن الحالي إذ واجهتها حركة فاشية نازية فقد تواجهها في العقد الحالي إمبراطورية إسلامية فاشية تمتد من شمالي إفريقيا إلى الباكستان، ومن تركيا إلى المحيط الهندي".
ويقول عارف العارف (أشهر مؤرخي فلسطين المولود عام 1892م): دخلت الكتيبة الأولى من الإخوان المسلمين فلسطين في 25 نيسان 1948م وحطت رحالها بادئ ذي بدء في العريش، وكان قد سبقها في 7 مارس قائدها أحمد عبد العزيز، وكان يرافقه في رحلته الاستطلاعية هذه الشيخ محمد فرغلي من رؤساء الإخوان والبكباشي زكريا العداني، وعبد المنعم البحار والشيخ عبد الله أبو ستة، والشيخ فريح المصدر شيخ النصيرات. أهــ
ويقول الأستاذ فتحي رضوان المحامي رئيس اللجنة العليا للحزب الوطني في بيان عن حل الإخوان:
"القرار ثورة على الدستور، وخروج بسلطة الأحكام العرفية، عن الغرض الذي أعدت له.. إن النقراشي باشا الحاكم العسكري في فترة الحرب مع الصهيونية، هو الذي يحل هيئة الإخوان المسلمين الذين حاربوا في فلسطين ضد الصهاينة كأشجع وأقوى ما يكون المحاربون.
ويقول اللواء أحمد فؤاد صادق قائد عام حملة فلسطين: إن الإخوان كانوا جنودًا أدوا واجبهم على أحسن ما يكون، وأن اليهود كانوا يبحثون عن مواقع الإخوان ليتجنبوها في هجومهم وأني أرسلت عددًا منهم إلى جنوب دير البلح بنحو 100 كم من يوم 26حتى يوم 30 /12/1948م لملاقاة اليهود فاستبسلوا وأدوا واجبهم، وكانوا في كل مرة يلاقون اليهود فيها يقومون بأعمالهم ببطولة ولم يؤثر عليهم قرار الحل.
وهذا ما دفع اللواء فؤاد صادق قائد الجيش المصري في فلسطين طلب النياشين لبعض الإخوان، فصدر الأمر الملكي بمنح كلٍّ من: كامل الشريف، وحسن دوح، وسيد عيد، وعويس عبد الوهاب نوط الشرف العسكري من الطبقة الأولى من المتطوعين غير العسكريين، هذا غير الضباط، وعساكر الجيش الذين حصلوا على نوط الشرف العسكري (وورد ذلك في الصفحة الثالثة من جريدة الأهرام الموافق 4 مارس 1949م).
ويقول اللواء أحمد المواوي أول قائد عام لحملة فلسطين: إن الإخوان سبقوا الجيوش النظامية وأن القوات المسلحة كانت تعتمد على الإخوان كقوة حقيقية وأن روحهم المعنوية كانت عالية.
ويقول الشيخ محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين: إن الإخوان كانت بداية مشاركتهم في حرب فلسطين منذ عام 1936م؛ حيث إنهم جمعوا السلاح والذخيرة، كما أن لهم دورًا كبيرًا في حرب 1984م. وهذه الاعترافات كانت أمام محكمة السيارة الجيب.
ويقول يوسف عميرة: إن الإخوان تولوا في أثناء الحرب الدفاع عن مناطق البصة، وتل البصل والعجمي وغيرها، بالإضافة للمحافظة على الأمن داخل مدينة يافا، كما أنهم كانوا ملتزمين بالإسلام.
وتقول صحيفة (الناس) العراقية يوم 7/11/1948م: امتاز اليومان الماضيان ببسالة منقطعة النظير من مجاهدي الإخوان المسلمون في فلسطين... إلخ.
وفي عام 1965م نشر الكاتب اليهودي "إيرل برغر" كتابًا بعنوان "العهد والسيف"، قال فيه: "إن المبدأ الذي قام عليه وجود إسرائيل منذ البداية هو أن العرب لا بد أن يبادروا ذات يوم إلى التعاون معنا، ولكن هذا التعاون لن يتحقق إلا بعد القضاء على جميع العناصر التي تغذي شعور العداء ضد إسرائيل في العالم العربي وفي مقدمة هذه العناصر رجال الدين المتعصبين من أتباع الإخوان المسلمين.
وتذكر بيان نويهض: أن اهتمام الإخوان المسلمين بتحرير فلسطين كان اهتمامًا صادقًا ومرتكزًا على الإيمان الديني العميق.
ويقول محسن صالح: "لقد كان للإخوان دور مشرف في حرب فلسطين، اعترف به كل من كتب عن هذه الحرب، وكان لهم دور مشهود في جنوب فلسطين، حيث كانوا يهاجمون المستعمرات ويقطعون مواصلات اليهود، ومن أبرز معاركهم معركة التبة 86 التي يذكر العسكريون أنها هي التي حفظت قطاع غزة عربيًّا، كما أنهم أسهموا بدور كبير في تخفيف الحصار عن القوات المصرية المحاصرة في الفالوجا، ولقد استشهد منهم حوالي مائة.
وكتبت مجلة حائط بالجامعة العبرية تعليقًا تحت صورة الإمام حسن البنا: "إن صاحب الصورة كان أشد أعداء إسرائيل لدرجة أنه أرسل أتباعه عام 1948م من مصر ومن بعض البلاد العربية لمحاربتنا وكان دخولهم مزعجًا لإسرائيل لدرجة مخيفة.
وتقول جريدة الكتلة المصرية التي كان يصدرها مكرم عبيد باشا: مائة وأربعون من متطوعي الإخوان المنضمين إلى قوات الجامعة العربية لإنقاذ فلسطين دخلوا أرض الميعاد قبل دخول الجيوش العربية ببضعة أشهر تولوا خلالها حماية كل شبر من قرى العرب وأراضيهم في جبهة تمتد شمالاً من رفح إلى المجدل أي أكثر من سبعين كيلو مترًا حتى إذا وثبت جيوشنا البواسل كانوا هم الفدائيين في المقدمة.
ويقول الكولونيل اليهودي ناتنيال لورك في كتابه "حد السيف": "أول مشاركة مصرية في حرب فلسطين قام بها الإخوان المسلمون، الذين يعتبرون الاستعمار والصهيونية ألدَّ أعداء الإسلام، وكان محاربو الإخوان المسلمين يمتازون بروح قتالية متعصبة، وكانوا على استعداد واضح للتضحية بالحياة.
ويقول الكولونيل تريفوزن روبوي: كانت فلسطين الجنوبية قد أعدت للقتال قبل التقدم العربي الرسمي بوقت طويل، ففي أوائل عام 1948م، أرسل الشيخ حسن البنا- زعيم الإخوان المسلمين- قوتين صغيرتين من المتطوعين التابعين له من مصر، واتخذوا من منطقة غزة- خان يونس- قاعدةً لهم؛ حيث سارعوا إلى الإغارة على مستوطنات النقب اليهودية ناحية الشرق، وقد احتفظ قائدهم باتصالات وثيقة مع المفتي أمين الحسيني".
ويقول ريتشارد ميتشيل: "ونادى البنا في المؤتمر العام الثالث المنعقد عام 1935م بجمع الأموال لمساندة قضية العرب، كما ألف لجنةً لتدعو لها عن طريق البرقيات والرسائل إلى السلطات المختصة، وعن طريق الصحافة والنشرات والخطب، وآزر هذه الوسائل قيام مظاهرات نيابية عن المضربين في فلسطين وإرسال المؤن والعتاد لهم".
ويضيف: "وكان أعظم ما شهر عن كفاح الإخوان هو ما قدموه من عون للمصريين الذين حوصروا في جيب الفالوجا؛ نتيجة الزحف الإسرائيلي بعد فشل الهدنة الثانية في أكتوبر 1948م؛ إذ ساعد الإخوان على إمداد القوات المحاصرة في الميدان.
ويقول الأستاذ أحمد حسين- رئيس حزب "مصر الفتاة": من برقية له لأسرة المستشار حسن الهضيبي- المرشد العام للإخوان المسلمين بعد الإمام البنا- "لقد سألني صحفي قال إنه سينشر حديثي في مجلة (الجديد).. سألني: ما رأيك في دور الإخوان المسلمين في معركة فلسطين؟ فأجبته بأنه كان أعظم الأدوار، حتى لقد كانوا هم الذين أنقذوا الجيش المصري من الوقوع في كارثة عندما حموا مؤخرته، وهو يتراجع".
يقول صلاح نصر- مدير المخابرات (الذي عذب معتقلي الإخوان) في عهد عبد الناصر في مذكراته: "كنت معجبًا بالتضحيات التي قدمها كثير من أفراد جماعة الإخوان المسلمين في ميدان الكفاح المسلَّح على أرض فلسطين".
-------
للمزيد:
1- عبد الرحمن الرافعي: في أعقاب الثورة المصرية، دار المعارف، الجزء الثالث، الطبعة الثانية، 1989م، صـ 278.
2- أنور الجندي: حسن البنا، الداعية الإمام والمجدد الشهيد، دار القلم، 1421هـ- 2000م.
3- محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، الجزء الأول، دار الدعوة.
4- صحيفة الأهرام، الموافق 4 مارس 1949م، صـ3.
5- أحمد عادل كمال: النقط فوق الحروف، الزهراء للإعلام العربي.
6- كامل الشريف: الإخوان المسلمون في حرب فلسطين، دار الوفاء.
7- محسن صالح: فلسطين دراسات منهجية، مركز الإعلام العربي، صـ 341.
8- جريدة الكتلة المصرية: 3 سبتمبر 1949م.
9- محسن محمد- من قتل حسن البنا؟- ص 290.
10- ريتشارد ميتشيل: الإخوان المسلمون، مكتبة مدبولي.