طالع ما سبق نشره :

(1)

(2)

 

بقلم : الشيخ عبد الله علوان


المبحث الثاني - تسمية المولود وأحكامها

من العادات الاجتماعية المتبعة، أن المولود حين يولد يختار له أبواه اسماً يُعْرَف به، ويتميز لدى القاصي والداني بسببه.. والإسلام بتشريعه المتكامل اعنتى بهذه الظاهرة، واهتم لها، ووضع من الأحكام ما يشعر بأهميتها والاعتناء بها، حتى تعلم أمة الإسلام كل ما يتعلق بالمولود، وكل ما يرفع من شأنه ويتصل بتربيته.

وإليكم أهم هذه الأحكام التي وضعها الإسلام في تسمية المولود:

1- متى يسمى الولد؟

روى أصحاب السنن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل غلام رهين بعقيقته، تذبح يوم سابعه، ويسمى فيه، ويحلق رأسه".

فهذا الحديث يقضي أن تكون التسمية في اليوم السابع.

وهناك أحاديث أخرى صحيحة تفيد أن تكون التسمية في يوم الولادة منها:

- روى البخاري ومسلم عن سهل بن الساعدي قال: "أُتي بالمنذر بن أبي أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد، فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم على فخذه وأبو أسيد جالس، فلهي النبي صلى الله عليه وسلم بشيء بين يديه، فأمر أبو أسيد بابنه فاحتُمل من على فخذ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الصبي؟ فقال أبو أسيد قلبناه يا رسول الله (أي أرجعناه)، فقال: ما اسمه؟ قال: فلان، قال: لا ولكن اسمه المنذر".

- وفي صحيح مسلم من حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وُلد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم".

فيؤخذ من هذه الأحاديث المتقدمة: أن في الأمر سعة، فجاز تعريفه وتسميته في اليوم الأول من ولادته، وجاز التأخير إلى ثلاثة أيام، وجاز إلى يوم العقيقة وهواليوم السابع، وجاز قبل ذلك، وجاز بعده.

2- ما يستحب من الأسماء وما يكره:

• إن مما يجب أن يهتم به المربي عند تسمية الولد، أن ينتقي له من الأسماء أحسنها وأجملها، تنفيذاً لما أرشد إليه، وحض عليه وأمر به نبينا عليه الصلاة والسلام.

- فقد روى أبو داود بإسناد حسن عن أبي الدرداء رضي اللهعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم".

- وروى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب أسمائكم إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن".

• كما عليه أن يجنبه الاسم القبيح الذي يمس كرامته، ويكون مدعاة للاستهزاء به والسخرية عليه. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم – كما روى الترمذي عن عائشة - : (كان يغير الاسم القبيح).

- وروى الترمذي وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن ابنة لعمر كان يقال لها عاصية: فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة".

قال أبو داود: غيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم العاصي، وعزيز وعتلة[1]، وشيطان، والحكم، وغراب، وحباب[2]. وسمي حرْباً: سلماً، وسمي المظطجع: المنبعث، وبني الزِّنْيَة سماهم: بني الرِّشدة، وسمى بني مُغْوية: بني رِشدَة. قال أبو داود: تركت أسانيدها اختصاراً.

• كما عليه أن يجنبه الأسماء التي لها اشتقاق من كلمات فيها تشاؤم، حتى يسلم الولد من مصيبة هذه التسمية وشؤمها.

- روى البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال: "أتيت إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: ما اسمك؟ قلت: حَزْن[3]، فقال: أنت سهل، قال: لا أغير اسماً سمانيه أبي. قال ابن المسيب: فما زالت تلك الحزونة[4] فينا بعد".

- وروى الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمْرَة، قال: ابن مَنْ؟ قال: ابن شهاب. قال: ممن؟ قال: من الحرقة. قال: أين مسكنك؟ قال: بحرّة النار. قال: بأيّيها؟ قال: بذات لظى. قال عمر: أدرك أهلك فقد هلكوا واحترقوا، فكان كما قال عمر رضي الله عنه.

• كما عليه أن يجنبه الأسماء المختصة بالله سبحانه، فلا تجوز التسمية بالأحد ولا بالصمد ولا بالخالق ولا بالرازق.. ولا بغيرها.

- قال أبو داود في سننه: إن هانئاً لما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مع قومه، كانوا يكنّونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: إن الله هو الحَكَم وإليه الحُكم، فلِمَ تكنى أبا الحكم؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا. فما لك من الولد؟ قال: لي شريح، ومسلم، وعبد الله، فقال: فمَنْ أكبرهم؟ قال: شريح: قال: فأنت أبو شريح.

- وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أغيظُ رجلٍ على الله يوم القيامة وأخبثُه: رجل تسمّى مَلِكَ الأملاك، لا ملك إلا لله".

• كما عليه أن يجنبه الأسماء التي فيها يُمن أو تفاؤل حتى لا يحصل كدر عند مناداتهم وهم غائبون بلفظ لا، كالتسمية بأفلح ونافع، ورباح، ويسار.

- روى مسلم وأبو داود والترمذي، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا تُسمَيَنَّ غلامك يساراً، ولا رباحاً، ولا نجيحاً، ولا أفلح. فإنك تقول: أثَمَّ هو[5]؟ فلا يكون، فيقول: لا[6]، إنما هن أربع فلا تزيدُنّ علي".

- وروى ابن ماجة مختصراً ولفظه: "نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمي رقيقنا أربعة أسماء: أفلح، ونافع، ورباح، ويسار".

• كما عليه أن يجنبه الأسماء المعبدة لغير الله، كعبد العزى، وعبد الكعبة، وعبد النبي، وما شابهها، فإن التسمية بهذه محرمة باتفاق.

أما قوله عليه الصلاة والسلام في غزوة حنين: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)، فهذا ليس من باب إنشاء التسمية وابتدائها – كما يقول ابن القيم – وإنما هو من باب الإخبار بالاسم الذي عرف به المسمى دون غيره، ولا سيما في المواقف التي فيها تحدٍّ للعدو، كموقف النبي صلى الله عليه وسلم، والإخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم، فلقد كان الصحابة رضي الله عنهم يذكرون أمام النبي صلى الله عليه وسلم أسماء قبائلهم: كبني عبد مناف، وبني عبد شمس، وبني عبد الدار، ولا ينكر عليهم عليه الصلاة والسلام.

وصفوة القول أنه يجوز في الإخبار ما لا يجوز في الابتداء والإنشاء.

• وأخيراً عليه أن يجنبه الأسماء التي فيها تميّع وتشبه وغرام، كاسم: هيام، وهيفاء، ونهاد، وسوسن، وميادة، وناريمان، وغادة، وأحلام، وما شابهها. لماذا؟ حتى تتميز أمة الإسلام بشخصيتها، وتُعرف بخصائها وذاتيتها. وما هذه الأسماء إلا فقدان لكيانها، وانحدار لاعتبارها، وتحطيم لمعنوياتها.. ويوم تصل الأمة الإسلامية إلى هذا المستوى من التدني والانحدار، تتمزق إلى قطع وأوصال، ويسهل على كل عدو مغتصب أن يستحل أرضها، ويجعل أعزة أهلها أذلة، كما هو حالنا اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولا عجب أن يحض الرسول صلوات الله وسلامه أمة الإسلام في أن يتسموا بأسماء الأنبياء وبعبد الله، وعبد الرحمن، وما شابهها من الأسماء المعبّدة لله، حتى تتميز الأمة المحمدية على غيرها من الأمم، في كل مظاهر حياتها لتكون دائماً خير أمة أخرجت للناس، تهدي البشرية إلى نور الحق ومبادئ الإسلام.

فقد روى أبو داود والنسائي: عن أبي وهب الجشمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها: حارث، وهمام، وأقبحها: حرب، ومرّة"[7].

3- من السنة تكنية المولود بأبي فلان:

من المبادئ التربوية التي وضعها الإسلام في تربية المولود، تكنية المولود بأبي فلان، ولهذه التكنية آثار نفسية رائعة، وفوائد تربوية عظيمة، وهي كما يلي:

• تنمية شعور التكريم والاحترام في نفسية الولد، ومنه قول الشاعر:

أكنّيه حين أناديه لأكرمه    ولا ألقّبه والسوءة اللقبُ.

• تنمية شخصيته الاجتماعية، لاستشعاره أنه بلغ مرتبة الكبار، وسن الاحترام.

• تعويده أدب الخطاب للكبار، ولمن كان في سنه من الصغار.

لهذه الفوائد الجليلة، والاعتبارات العظيمة، كان صلوات الله وسلامه عليه يُكَنّي الأطفال، ويناديهم بها، تعليماً للمربين وإرشادً لهم، حتى ينهجوا نهجه، ويسلكوا طريقه في تكنية أولادهم، ومناداتهم بها.

جاء في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه يقول له: (يا أبا عُمَيْر، ما فعل النُغَيْر؟)[8]، قال الراوي: أظنه كان فطيماً.

وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها أن تكنّى بأم عبد الله، وعبد الله هو عبد الله ابن الزبير، وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم جميعاً.

وكان أنس يكنّى قبل أن يولد له بأبي حمزة، وأبو هريرة كان يكنى بذلك ولم يكن له ولد إذ ذاك.

ويجوز تكنية الرجل الذي له أولاد باسم غير اسم أولاده.. فهذا أبو بكر رضي الله عنه يكنى بأبي بكر، ولم يكن له ولد اسمه بكر.. وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يكنى بأبي حفص، ولم يكن له ولد اسمه حفص، وكذلك أبو ذر رضي الله عنه كان يُكنى بأبي ذر ولم يكن له ولد اسمه ذر، وكذلك خالد بن الوليد رضي الله عنه كان يُكنى بأبي سليمان، ولم يكن له ولد اسمه سليمان... وهذا أكثر من أن يُحصَى.

والذي نخلص إليه بعدما تقدم: أن تكنية المولود أمر مستحب، وكذلك تكنية الكبار، ولا يلزم من جواز التكنية أن يكون للمكنى ولد، ولا أن يُكنى باسم ذلك الولد.

ويتفرع عن التسمية والتكنية أمور نرتبها فيما يلي:

أ) في حال عدم اتفاق الأبوين على تسمية الوليد فالتسمية من حق الأب: فالأحاديث التي سبق ذكرها في أول البحث وبعده تفيد أن التسمية من حق الأب. والقرآن الكريم قد صرح بأن الولد ينسب لأبيه لا لأمه، فيقال له فلان ابن فلان. قال تعالى: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله}.

ولقد مر حديث مسلم عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم".

ب) لا يجوز للأب ولا لغيره أن يلقب الولد بألقاب ذميمة، كالقصير، والأعور، والأخرس، وخنفساء، وما شابهها... لشمول النهي في قوله تعالى: {ولا تنابزوا بالألقاب}.

لما لهذه الألقاب الذميمة من أثر كبير في انحراف الولد النفسي والاجتماعي، وسنتوسع في هذا البحث في مبحث (مسؤولية التربية النفسية) في باب (المسؤوليات) إن شاء الله.

ج) هل يجوز التكنية بأبي القاسم:

أجمع العلماء بتسمية الأولاد باسم النبي صلى الله عليه وسلم، للحديث الذي رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: وُلد لرجل منا غلام فسماه محمداً، فقال له قومه: لا ندعك تسمي باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بابنه حامله على ظهره، فقال يا رسول الله: ولد لي غلام، فسميته محمداً، فقال قومي: لا ندعك تسمي باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي، فإنما أنا قاسم أقسم بينكم".

أما التكني بكنيته عليه الصلاة والسلام، فقد ذهب الأئمة المجتهدون، مذاهب مختلفة، وأقوال عدّة، وإليكم هذه الأقوال، ثم الراجح منها:

الأول: الكراهة مطلقاً، وحجتهم في ذلك الحديث السابق الذي مر ذكره. وحديث أبي هريرة الذي رواه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تسموا باسمي، ولا تكنَّوْا بكنيتي"، ولقد قال بهذا الرأي الإمام الشافعي.

الثاني: الإباحة مطلقاً، واحتجوا بما رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها، قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني قد ولدتُ غلاماً فسميته محمداً، وكنيته أبا القاسم، فذَكِر لي: أنك تكره ذلك، فقال: "ما الذي أحل اسمي، وحرم كنيتي؟".

وقال ابن أبي شيبة: حدثنا محمد بن الحسن عن أبي عوانة عن المغيرة عن إبراهيم قال: كان محمد بن الأشعث ابن أخت عائشة، وكان يكنى أبا القاسم.

وروى ابن أبي خيثمة عن الزهري قال: أدركت أربعة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل منهم يسمى محمداً ويكنى أبا القاسم: محمد بن طلحة بن عبد الله، ومحمد بن أبي بكر، ومحمد بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص.

وسئل الإمام مالك: عمّن اسمه محمد، ويكنى بأبي القاسم؟ فأجاب: لم يرد في ذلك نهي، ولا أرى بذلك بأساً.

وهذه الطائفة التي قالت بالإباحة مطلقاً حملت أحاديث النهي على أنها منسوخة.

الثالث: لا يجوز الجمع بين الكنية والاسم كأن يسمي ولده محمداً ويكنيه بأبي القاسم في وقت واحد.

أما إفراد التسمية أو التكنية فإنه جائز.

وحجة هذه الطائفة لما رواه أبو داود في سننه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ تسمى باسمي فلا يتكنى بكنيتي، ومن تكنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي"... ولما رواه ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن عن أبي عمرة عن عمه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي"... ولما رواه ابن أبي خيثمة: أن محمد بن طلحة لما ولد، أتى طلحة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اسمه محمد، أكنيه أبا القاسم؟ فقال: لا تجمعهما له، هو أبو سليمان.

الرابع: النهي عن التكنية مخصوص بحياته، أما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فلا بأس بها.

واحتجت هذه الطائفة بما رواه أبو داود في سننه عن منذر عن محمد بن الحنفية قال: قال علي رضي الله عنه: "إن وُلد لي بعدك ولد أسمّيه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال عليه الصلاة والسلام: نعم".

وقال حميد بن زنجويه في كتاب الأدب: سألت ابن أبي أويس ما كان (مالك) يقول في رجل يجمع بين كنية النبي صلى الله عليه وسلم واسمه؟ فأشار إلى شيخ جالس معنا فقال: هنا (محمد بن مالك) سماه أبوه محمداً، وكناه أبا القاسم، وكان يقول – أي الإمام مالك - :إنما نهي ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كراهة أن يدعى أحد باسمه وكنيته، فيلتفت النبي صلى الله عليه وسلم، فأما اليوم – أي بعد وفاته – فلا بأس بذلك.

ولعل القول الرابع هو القول الأرجح للمعقولية التي قالها الإمام مالك، وللأحاديث النبوية التي أفادت ذلك.

وعلى هذا يجوز التسمية باسم النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز التكنية بكنيته، لأن الأحاديث التي تفيد النهي مختصة بحياته خشية الالتباس وقت النداء بشخصية المخاطب، وشخصية النبي صلى الله عليه وسلم... أما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فلا التباس، فدل ذلك على الجواز... ومما يؤكد الجواز أيضاً حديث الزهري الذي سبق ذكره أنه أدرك أربعة من أبناء الصحابة، كل منهم يسمى محمداً ويكنى أبا القاسم، والله أعلم.

فما على الآباء والأمهات – بعد الذي علموه في هذا الفصل – إلا أن ينهجوا الطريق الأقوم في تسمية أولادهم، وأن يجنبوهم الأسماء التي تحط من أقدارهم، وتمس بكرامتهم، وتحطم من شخصياتهم ومعنوياتهم.. وعليهم كذلك أن يتأسوا بالنبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، في تكنية أولادهم منذ الصغر بكنية جبيبة إلى قلوبهم، لطيفة إلى أسماعهم، حتى يشعروا بشخصيتهم، وتنمو في نفوسهم روح المحبة والتكريم لذواتهم، وحتى يعتادوا الأدب مع من حولهم في الخطاب، وملاطفة الأقران.

فما أحرانا أن نأخذ جميعاً بأسس هذه التربية الفاضلة، وأن نسير على مبادئ هذا المنهج الإسلامي العظيم، إن أردنا أن نعيد لأنفسنا وأمتنا المجد الداثر، والكيان الكبير، وما ذلك على الله بعزيز، إن أخلصنا وطبقنا، والتزمنا الإسلام تشريعاً وتربية ومنهاجاً.

[1] عتلة: الشدة والغلظة.

[2] الحباب: نوع من الحيات، وقيل: اسم شيطان.

[3] الحزن: ما غلظ من الأرض وهي ضد السهل.

[4] يقصد بالحزونة: الغلظة.

[5] أثم هو: أهناك يسار مثلاً.

[6] فلما يقال: لا، يحصل كدر من قبح الجواب.

[7] مرة: قوة وشدة وبطش.

[8] النغير: طائر كان يلعب به.
المبْحَثُ الثّالثُ - عقيقة المولود وأحكامها

1- ما معنى العقيقة؟

العقيقة في اللغة: معناها القطع، ومنه عقّ والديه إذا قطعهما، ومنه قول الشاعر:

بلاد بها عقّ الشباب تمائمي

                وأول أرضٍ مسَّ جلدي ترابها

يريد أنه لما أصبح شاباً قطعت عنه تمائمه.

ومعناه في الاصطلاح الشرعي: ذبح الشاة عن المولود يوم السابع من ولادته.

2- دليل مشروعيتها:

الأحاديث التي تؤكد مشروعية العقيقة، وتبين وجه الاستحباب والسنيّة فيها كثيرة ومستفيضة، نجتزئ منها ما يلي:

- روى البخاري في صحيحه عن سلمان بن عمّار الضبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى".

- وروى أصحاب السنن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا غلام رهينة بعقيقته[1]، تذبح عنه يوم سابعه، ويُسمّى فيه، ويحلق رأسه".

- وروى الإمام أحمد والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عن الغلام شاتان مكافئتان[2]، وعن الجارية شاة".

- وروى الإمام أحمد والترمذي عن أم كرز الكعبية: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: "عن الغلام شاتان، وعن الأنثى واحدة، ولا يضركم ذكراناً كنّ أو إناثاً" أي الذبائح.

- أخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة عن الحسن عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة: "كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عند يوم سابعه، ويحلق رأسه، ويسمى".

3- آراء الفقهاء في وجه مشروعيتها:

ذهب الفقهاء والأئمة المجتهدون مذاهب ثلاثة في وجه مشروعيتها:

الأول – السنية والاستحباب: وهم الإمام مالك، وأهل المدينة، والإمام الشافعي وأصحابه، والإمام أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وجماعة كثير عددهم من أهل الفقه والعلم والاجتهاد، وحجتهم هذه الأحاديث التي سبق ذكرها، وردوا على مَنْ ذهبوا أنها واجبة بعدة أقوال:

• لو كانت واجبة لكان وجوبها معلوماً من الدين، لأن ذلك مما تدعو الحاجة إليه، وتعم به البلوى، ولبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوبها للأمة بياناً عاماً كافياً تقوم به الحجة، وينقطع معه العذر.

• وقد علق رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر العقيقة بمحبة فاعلها، فقال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ وُلد له ولد فأحب أن يُنسك عنه فليفعل".

• وفعله صلوات الله عليه لها لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على الاستحباب.

الثاني – التحتيم والوجوب: وهم الإمام الحسن البصري، والليث بن سعد، وغيرهما، وحجتهم في ذلك ما رواه بريدة، وإسحق بن راهويه: (أن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس). واستدلوا كذلك بحديث الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل غلام مرتهن بعقيقته"، ووجه الاستدلال: أن الولد محبوس عن الشفاعة لوالديه حتى يَعِقَّ عنه، فهذا مما يؤيد الوجوب.

الثالث – إنكار مشروعيتها: وهم فقهاء الحنفية.

وحجتهم في ذلك حديث رواه البيهقي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة، فقال: (لا أحب العقوق).

واستدلوا كذلك بحديث رواه الإمام أحمد من حديث أبي رافع رضي الله عنه، أن الحسن بن علي أرادت أمه فاطمة رضي الله عنها أن تعقّ عنه بكبشين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعقّي ولكن احلقي رأسه، فتصدقي بوزنه من الورق – أي من الفضة - ، ثم ولد الحسين، فصنعت مثل ذلك".

ولكن ظاهر الأحاديث التي سبق ذكرها تؤكد جانب السنّية والاستحباب في العقيقة، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وأكثر أهل العلم والاجتهاد.

وقد أجابوا على الأحاديث التي استدل بها فقهاء الحنفية في إنكارهم مشروعية العقيقة بقولهم: إن الأحاديث التي استدلوا بها ليست بشيء، ولا تصلح دليلاً على إنكار مشروعية العقيقة. أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا أحب العقوق" فسياق الحديث وأسباب وروده يدل على أن العقيقة سنة ومستحبة، فإن لفظ الحديث هكذا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: "لا أحب العقوق"، وكأنه كره الاسم – أي كره أن تسمى الذبيحة بالعقيقة[3] فقالوا يا رسول الله: إنما نسألك عن أحدنا يولد له ولد، فقال: "من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل، عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة".

وأما استدلالهم بحديث أبي رافع: "لا تعقي ولكن احلقي رأسه..." فإنه لا يدل على كراهية العقيقة، لأنه عليه الصلاة والسلام أحب أن يتحمل عن ابنته فاطمة رضي الله عنها العقيقة، فقال لها: "لا تعقّي..." لكونه عقَّ عليه الصلاة والسلام عنهما، وكفاها المؤنة. ومما يؤكد أنه عليه الصلاة والسلام عقَّ عنهما كثرة الأحاديث المروية في هذا الشأن، نذكر منها ما يلي:

- روى أبو داود عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقّ عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً.

- وذكر جرير بن حازم عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عقّ عن الحسن والحسين كبشين.

- وذكر يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: "عقّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين يوم السابع".

والذي نخلص إليه بعد ما تقدم: أن العقيقة عن المولود سنة مستحبة عند جمهور الأئمة والفقهاء. فعلى الأب إن ولد له مولود وكان مستطيعاً قادراً أن يُحيي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يحظى بالفضيلة والأجر عند الله سبحانه، وحتى يزيد من معاني الإلفة والمحبة والروابط الاجتماعية، بين الأهل والأقرباء والجيران والأصدقاء جميعاً، وذلك حينما يحضرون وليمة العقيقة ابتهاجاً بالمولود، وفرحاً بقدومه، وحتى يساهم كذلك في تحقيق التكافل الاجتماعي، وذلك حينما يُشرك في الانتفاع بالعقيقة بعض ذوي الحاجة والحرمان من الفقراء والمساكين.

فما أعظم الإسلام، وما أسمى مبادئه التشريعية في زرع الإلفة والمحبة في المجتمع، وفي بناء العدالة الاجتماعية في الطبقات الفقيرة والمحرومة.

4- الوقت الذي يستحب فيه العقيقة:

سبق أن ذكرنا حديث سمرة: "الغلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع ويسمّى". فهذا الحديث يفيد أن وقت الاستحباب لذبح العقيقة هو اليوم السابع، ومما يؤكد ذلك حديث عبد الله بن وهب عن عائشة رضي الله عنها قالت: "عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين يوم السابع، وسماهما، وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى).

ولكن هناك أقوالاً تفيد أن التقيد باليوم السابع ليس من باب الإلتزام. وإنما هو على وجه الاستحباب، وإلا فلو ذُبح عنه في اليوم الرابع أو الثامن أو العاشر أو ما بعده، أجزأت العقيقة.

وإليكم أظهر هذه الأقوال:

- قال الميموني: قلت لأبي عبد الله: متى يعق عن الغلام؟ قال: أما عائشة رضي الله عنها فتقول: (سبعة أيام، وأربعة عشر، ولأحد وعشرين).

- قال صالح بن أحمد: قال أبي في العقيقة: (تذبح يوم السابع، فإن لم يفعل ففي أربعة عشر، فإن لم يفعل ففي أحد وعشرين).

- وقال الإمام مالك: (والظاهر أن التقيد باليوم السابع إنما هو على وجه الاستحباب، وإلا فلو ذُبح عنه في اليوم الرابع أو الثامن أو العاشر أو ما بعده، أجزأت العقيقة).

والذي نخلص إليه بعدما تقدم: أن الأب إذا تيسر له أن يذبح العقيقة في اليوم السابع يكون أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يتيسر له ذلك جاز في أي يوم من الأيام، كما قال الإمام مالك.

إذن ففي الأمر سعة، وفي ذبح العقيقة تيسير {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة: 185، {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج: 78.

5- هل عقيقة الذكر مثل الأنثى؟

سبق أن ذكرنا أن العقيقة سنة مستحبة على رأي جمهور أهل العلم من المجتهدين والفقهاء، وهي سنة مستحبة عن الذكر والأنثى على السواء.

للحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي عن أم كرز الكعبية أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: (عن الغلام شاتان، وعن الأنثى واحدة).

وللحديث الذي رواه ابن أبي شيبة من حديث عائشة "أمرنا عليه الصلاة والسلام أن نعقّ عن الغلام بشاتين، وعن الجارية بشاة". إلى غير ذلك من الأحاديث التي سبق ذكرها في دليل المشروعية.

فهذه الأحاديث بجملتها تفيد شيئين أساسيين:

الأول: أن الذكر مثل الأنثى في مشروعية العقيقة.

الثاني: المفاضلة بينهما: للذكر شاتان، وللأنثى شاة واحدة.

وهذه المفاضلة هي ما تدل عليه ظواهر الأحاديث، وهي مذهب ابن عباس، وعائشة، وجماعة من أهل العلم والحديث.

ومذهب الإمام مالك أن عقيقة الذكر شاة، والأنثى شاة، ولما سئل كم يُذبح عن الغلام والجارية؟ أجاب بقوله: (يذبح عن الغلام شاة واحدة، وعن الجارية شاة). واحتج على مذهبه بالأحاديث التالية:

- روى أبو داود في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقّ عن الحسن والحسين كبشاً".

- وروى جعفر بن محمد عن أبيه: أن فاطمة ذبحت عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً.

- وقال الإمام مالك: (وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، يعق عن الغلمان والجواري من ولده شاة شاة).

وصفوة القول: أن من أغدق الله عليه من رزقه وإنعامه، فلّيعقّ عن الذكر شاتين، وعن الأنثى شاة واحدة، لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر المفاضلة بينهما... ومن كانت أحواله المادية في حدود الوسط، أو دون الوسط، فيجزئه عن الذكر شاة، وعن الأثنى شاة، وإذا فعل ذلك يكون محظياً بالأجر، متحققاً بالسنة، والله أعلم.

الرد على اعتراض: رب معترض يقول: لِمَ فرق الإسلام بين الذكر والأنثى في أمر المفاضلة في العقيقة، ولِمَ كان هذا التمايز والتفاضل؟

والرد على هذا الاعتراض من وجوه:

1- المسلم مستسلم لكل ما أمر الإسلام به، وما نهى عنه، تحقيقاً لقوله تبارك وتعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليماً} النساء: 65.

وبما أن المفاضلة في العقيقة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمسلم لا يسعه إلا التسليم والتنفيذ.

2- ولعل وجه الحكمة والمعقولية في هذه المفاضلة، إظهار الرجل على المرأة بما وهبه الله من القوة الجسمانية، وبما كلفه من حق القوامة والمسؤولية، وبما خصه به من الاتزان والانضباط العاطفي، وصدق الله العظيم القائل:

{الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم..} النساء: 34.

3- تأكيداً لزرع الإلفة والمحبة لاجتماع الناس على عقيقة المولود، ثم بالتالي تقوية لروافد التكافل الاجتماعي بين الطبقات الفقيرة، والأسر المحرومة.

6- كراهية كسر عظم العقيقة:

من الأمور التي يجب مراعاتها في عقيقة المولود ألاّ يكسر من عظم الذبيحة شيئاً، سواء حين الذبح أو عند الأكل. بل يقطع كل عظم من مِفْصله بلا كسر، للحديث الذي رواه أبو داود عن جعفر بن محمد عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين: "أن ابعثوا إلى القابلة منها برجلٍ، وكلوا وأطعموا، ولا تكسروا منها عظماً". وروى ابن جريج عن عطاء كان يقول: تُقطع جدولاً[4]، ولا يكسر لها عظم. وروى ابن المنذر عن عطاء عن عائشة مثله.

والحكمة في ذلك تتعلق بشيئين:

الأول: إظهار شرف هذا الإطعام أوالاهداء، في نفوس الفقراء والجيران، وذلك في تقديم القطع التامة الكبيرة، التي لم يُكسر من عظامها عظم، ولا ينقص من أعضائها شيء، ولا ريب أن هذا التصرف أجلّ موقعاً، وأعظم في باب الجود والإكرام في نفوس المُهدَى لهم.

الثاني: تيمّناً وتفاؤلاً بسلامة أعضاء المولود وصحته وقوتها، لكون العقيقة جرت مجرى الفداء للمولود، والله أعلم.

7- أحكام عامة تتعلق بالعقيقة:

هناك أحكام عامة تتعلق بالعقيقة يجب مراعاتها، وهي على الترتيب التالي:

أ‌) أجمع العلماء أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الأضحية. والذي يجوز في الأضحية[5] هو ما يلي:

    1- أن يكون عمرها سنة ودخلت في السنة الثانية إذا كانت من الضأن أو المعز، وإذا كان الضأن كبير الجسم سميناً، فإنها تصح به إذا بلغ ستة أشهر، بشرط أنه إذا خلط بما له سنة لا يمكن تمييزه منه. وأما المعز فإنها لا تصح به إلا إذا بلغ سنة ودخل في السنة الثانية على كل حال.

    2- أن تكون الأضحية سليمة من العيوب، وعلى هذا لا تصح الأضحية بالعمياء، ولا بالعوراء، ولا بالعجفاء (وهي المهزولة التي لا مخ في عظامها)، ولا بالعرجاء (التي لا تستطيع المشي إلى الذبح). وكذلك لا تصح بمقطوعة الأذن أو الذنب أو الإلية إذا ذهب أكثر من ثلثها. ولا تصح بالهتماء (التي ذهب أكثر أسنانها)، ولا تصح بالسكّاء وهي (التي لا أذن لها بحسب الخلقة)، ولا بالتّولاء (وهي المجنونة التي يمنعها جنونها من الرعي).

    أما ما عدا ذلك من العيوب التافهة فإنها تجوز، كأن تكون مشقوقة الأذن، أو مكسورة القرن، أو مصابة بالعرج الذي تستطيع المشي معه، كأن تمشي بثلاث قوائم وتضع الرابعة على الأرض لتستعين بها على المشي، أو مصابة بجنون لم يمنعها من الرعي، أوذهب بعض أسنانها ولكن الأكثر موجودة، أو كانت مقطوعة الأذن أو الذنب أو الإلية وبقي الثلثان وذهب الثلث فقط. كل ذلك لا يمنع من الأضحية بها.

    3- أما الأضحية بالبقر والجاموس فلا تصح إلا إذا بلغ سنتين ودخل في السنة الثالثة، وأما التضحية بالإبل فلا تصح إلا إذا بلغت خمس سنين ودخلت في السنة السادسة.

ب‌) لا يصح الاشتراك فيها: كأن يشترك سبعة على جمل مثلاً، لأنه لو صح الاشتراك فيها لما حصل المقصود من إراقة الدم عن الولد، ولما كانت الذبيحة بالتالي فداءً عن المولود.

ت‌) يصح أن يذبح عن الغنم بالإبل أوالبقر، بشرط أن يكون الذبح بأحدهما عن مولود واحد. لما روى ابن القيم عن أنس بن مالك أنه كان يعق عن ولده بالجزور. وعن أبي بكرة أن نحر عن ابنه عبد الرحمن جزوراً، فأطعم أهل البصرة..

وبعض أهل العلم ذكر أنه لا تصح العقيقة إلا بالغنم للأحاديث الواردة.

ولكن حجة من أجاز العقيقة بالإبل والبقر، ما رواه ابن المنذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً"، ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم دماً دون دم، فما ذُبح عن المولود على ظاهر الحديث فإنه يجزئ، سواء كانت الذبيحة غنماً أو بقراً أو إبلاً.

ث‌) يصح في العقيقة ما يصح في الأضحية: من ناحية الأكل منها، والتصدق، والإهداء، ويزاد بإهداء جزء منها إلى القابلة لإدخال السرور عليها، للحديث الذي رواه البيهقي: عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة رضي الله عنها، فقال: "زني شعر الحسين، وتصدقي بوزنه فضة، وأعطي القابلة رِجْلَ العقيقة".

ومن أراد أن يولم على العقيقة، ويدعو من أحب لحضور الطعام فلا بأس في ذلك، وقد أجاز ذلك كثير من الفقهاء لما ينشر في المجتمع المسلم من أجنحة الإلفة، والمحبة، والأخوّة.. بين الأهل والأصدقاء، والجيران.. وهذا ما يحرص عليه الإسلام في تماسك وحدة الأمة، لتكون دائماً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.

ج‌) يستحب أن تذبح العقيقة على اسم المولود: لما روى ابن المنذر عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اذبحوا على اسمه (أي على اسم المولود) فقولوا: بسم الله، اللهم لك وإليك، هذه عقيقة فلان". وإن نوى الذابح العقيقة ولم يذكر اسم المولود، أجزأت وحصل المقصود.

8- ما الحكمة التشريعية من العقيقة؟

يكفي العقيقة فائدة وحكمة أنها:

• قربان يتقرب منها المولود إلى الله في أول لحظة يستنشق فيها نسائم الحياة.

• فدية يفدى بها المولود من المصائب والآفات، كما فدى الله إسماعيل عليه السلام بالذبح العظيم.

• فكاك لرهان المولود في الشفاعة لوالديه.

• إظهار للفرح والسرور بإقامة شرائع الإسلام، وبخروج نسمة مؤمنة، يكاثر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمم يوم القيامة.

• تمتين لروابط الإلفة والمحبة بين أبناء المجتمع، لاجتماعهم على موائد الطعام ابتهاجاً بقدوم المولود الجديد.

• إرفاد موارد التكافل الاجتماعي برفد جديد، يحقق في الأمة مبادئ العدالة الاجتماعية، ويمحو في المجتمع ظواهر الفقر والحرمان والفاقة، إلى غير ذلك من هذه الفوائد والثمرات.

وبالمناسبة.. يجدر بك – أيها القارئ – أن تعرف أنواع الأطعمة والولائم التي شرعها الإسلام في أوقات مخصوصة، وفي أيام المناسبات، وهي كما يلي:

1- القرى: طعام الضيفان.

2- التُحْفة: طعام الزائر.

3- الخُرْس: طعام الولادة.

4- المأدُبة: طعام الدعوة.

5- الوليمة: طعام العرس.

6- العقيقة: طعام المولود في اليوم السابع.

7- الغديرة: طعام الختان.

8- الوضيمة: طعام المأتم.

9- النقيعة: طعام القادم من سفره.

10- الوكيرة: طعام الفراغ من البناء.

[1] المراد أن العقيقة لازمة لا بد منها.

[2] مكافئتان: أي مستويتان في السن، ومتشابهتان في الشكل.

[3] استدل طائفة من الفقهاء من ظاهر هذا الحديث استبدال كلمة العقيقة بالنسيكة، لكراهيته عليه الصلاة والسلام اسم العقيقة، وقالت طائفة أخرى لا يكره ذلك، ورأو إباحته للأحاديث الكثيرة المستفيضة في تسمية الذبيحة بالعقيقة. والتوفيق بين الرأيين: أن يستعمل المسلم كلمة النسيكة ويجعلها هي الأصل، وإذا استعمل كلمة العقيقة في بعض الأحيان للتوضيح وبيان الحكم وإظهار المراد فلا بأس في ذلك، وعلى هذا تتفق الأحاديث.

[4] تقطع جدولاً: أي تقطع أعضاء.

[5] أحكام الأضحية المذكورة هي على مذهب أبي حنيفة.
المبحث الرابع - خِتانُ المولود وأحكامه

1- معنى الختان لغةً واصطلاحاً:

الختان في اللغة معناه: قطع القُلْفَة (أي الجلدة) التي على رأس الذّكر.

وفي الاصطلاح الشرعي: هو الحَرْف المستدير على أسفل الحشفة، أي موضع القطع من الذكر، وهو الذي تترتب عليه الأحكام الشرعية، كما روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن النبي عليه الصلاة والسلام "إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسْلُ".

وفي رواية الطبراني "إذا التقى الختانان وغابت الحشفة فقد وجب الغُسْلُ، أنزل أو لم يُنزل".

2- الأحاديث التي تدل على مشروعية الختان:

الأحاديث التي تدل على مشروعية الختان كثيرة نجتزئ منها ما يلي:

- روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عمّار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الفطرة[1]: المضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، والسواك، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، والاستحداد[2]، والاختتان".

- وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط".

3- هل الختان واجب أم سنة؟

اختلف الفقهاء في أمر الختان هل هو واجب أم سنة؟

فالذين قالوا بسنيته: الإمام الحسن البصري، والإمام أبو حنيفة، وبعض الحنابلة. وحجتهم في ذلك: ما رواه الإمام أحمد عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء".

وحجتهم كذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرن الختان في الحديث بالمسنونات كتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وغيرها، فدل على أن الختان سنة وليس بواجب.

وحجتهم أيضاً: ما قاله الإمام الحسن البصري: (قد أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس: الأسود، والأبيض، والرومي، والفارسي، والحبشي... فما فتش أحداً منهم)، فلو كان الختان واجباً لما قبل إسلامهم حتى يُختنوا.

والذين قالوا بوجوبه هم: الشعبي، وربيعة، والأوزاعي، ويحيى بن سعد الأنصاري، ومالك، والشافعي، وأحمد. وشدد في أمر الختان الإمام مالك حتى قال: (مَنْ لم يختتن لم تجز إمامته، ولم تقبل شهادته).

واحتج هؤلاء الأئمة على الوجوب بأدلة كثيرة نجتزئ منها ما يلي:

أ) روى الإمام أحمد وأبو داود، عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده، أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد أسلمت، قال: "ألق[3] عنك شعر الكفر واختتن".

ب) وروى حرب في مسائله عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أسلم فليختتن وإن كان كبيراً".

فالحديث وإن كان ضعيفاً فإنه يصلح للتقوية والاعتضاد.

ج) وروى وكيع عن سالم عن عمرو بن هرم عن جابر عن يزيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "الأقلف[4] لا تقبل له صلاة، ولا تؤكل ذبيحته".

د) وروى البيهقي عن موسى بن إسماعيل، عن علي رضي الله عنه قال: وجدنا في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيفة: "أن الأقلف لا يترك في الإسلام حتى يختتن".

هـ) قال الخطابي: (أما الختان فإنه وإن كان مذكوراً في جملة السنن فإنه عند كثير من العلماء على الوجوب، وذلك أنه شعار الدين، وبه يعرف المسلم من الكافر، وإذا وجد المختون بين جماعة قتلى غير مختونين، صُلّي عليه ودفن في مقابر المسلمين).

و) وقد علل الذين قالوا بوجوب الختان من الفقهاء: (أن الأقلف معرض لفساد طهارته وصلاته، فإن القلفة تستر الذكر كله، فيصيبها البول، ولا يمكن الاستجمار لها، فصحة الطهارة والصلاة موقوفة على الختان ولهذا منع كثير من السلف والخلف إمامته، أما صلاته مع نفسه فيعد معذوراً كمن معه سلس بول).

ز) قال تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملَّة إبراهيم حنيفاً}. النحل: 123.

فالرسول صلى الله عليه وسلم وأمته مأمورون باتباع ملة إبراهيم، والختان من ملة إبراهيم عليه السلام. ومما يدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن إبراهيم عليه السلام اختُتن وهو ابن ثمانين سنة). وفي رواية: (أنه أول من أضاف الضيف، وأول من لبس السراويل، وأول من اختتن، واستمر الختان بعده في الرسل وأتباعهم حتى بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم).

فقد روى الترمذي والإمام أحمد عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع من سنن المرسلين: الختان[5]، والتعطر، والسواك، والنكاح".

فهذه الأحاديث هي أظهر الأدلة التي احتجوا بها على وجوب الختان للمولود أما ردهم على من قالوا بسنيّة الختان فهو ما يلي:

• فالحديث الذي احتجوا به على السنيَّة هو "الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء". وقد قال عنه علماء الحديث: أنه ضعيف من ناحية السند، والحديث الضعيف – كما هو معلوم عند الفقهاء – لا يحتج به في استنباط الأحكام الشرعية. وعلى فرض أنه صحيح فيكون المعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سنّ الختان وأمر به فيكون واجباً، والسنة هي الطريقة، يقال: سَنَنْتُ له كذا: أي شرعتُ، فقوله عليه الصلاة والسلام: "الختان سنة للرجال..." أي مشروع لهم.

• أما احتجاجهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرن الختان بالمسنونات كتقليم الأظافر، فيكون سنة كباقي المسنونات، فهو احتجاج غير صحيح، لأن الخصال المذكورة في الحديث منها ما هو واجب كالمضمضة والاستنشاق في الاغتسال، ومنها ما هو مستحب كالسواك، وأما تقليم الأظافر – وإن كان سنة – فإنه في بعض الأحيان يكون واجباً لصحة الطهارة، وذلك في حين الإطالة وتراكم الأوساخ تحتها. إذن فالحديث الذي احتجوا به يجمع ما بين طياته ما هو واجب، وما هو مستحب.

• أما احتجاجهم بقول الحسن البصري: (قد أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فما فتش أحداً منهم)، فجوابه: (أنهم استغنوا عن التفتيش بما كانوا عليه من الختان، فإن العرب قاطبة كلهم كانوا يختتنون، واليهود قاطبة تختتن، ولم يبق إلا النصارى وهم فرقتان: فرقة تختتن، وفرقة لا تختتن، وقد علم كل من دخل في الإسلام منهم ومن غيرهم، أن شعار الإسلام "الختان" فكانوا يبادرون إليه بعد الإسلام كما يبادرون إلى الغُسْل)[6]. ويؤيد ما قاله ابن القيم أن الناس كانوا يبادرون إلى الختان بعد الإسلام كما يبادرون إلى الغسل، حديث عُثَيْم بن كليب الذي سبق ذكره، أن جده جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد أسلمت: قال: (ألقِ عنك شعر الكفر واختتن). وكذلك حديث الزهري الذي مرّ أنه عليه الصلاة والسلام قال: "من أسلم فليخْتتن وإن كان كبيراً".

وكان عليه الصلاة والسلام: يرشد الأمة دائماً إلى ما فيه خيرها وسعادتها، وإلى ما يميزها عن غيرها. ولكن لم يكن مأموراً بالبحث والتفتيش، ومنهجه في ذلك أن يقبل ممن أسلموا ظواهرهم، ويكل إلى الله سرائرهم.

والذي نخلص إليه بعدما تقدم: أن الختان رأس الفطرة، وشعار الإسلام، وعنوان الشريعة... وهو واجب على الذكور... وأن مَنْ لم يبادر إليه في إسلامه، ولم يقم على تنفيذه قبل بلوغه، فإنه يكون آثماً، مرتكباً المعصية، واقعاً في الوزر والحرام، لكون الختان شعاراً من شعائر الإسلام، وبه يتميز المؤمن عن الكافر، وبسببه يتمتع المختتن بصحة جيدة، ويتحرر من كثير من الأمراض الفتاكة... وسيأتي بيان الحكمة من الختان، وفوائده العظيمة في الصفحات التالية إن شاء الله.

4- هل على الأنثى ختان؟

أجمع الفقهاء والأئمة المجتهدون على أن الختان مستحب للأنثى وليس بواجب، اللهم إلا في رواية للإمام أحمد بن حنبل أن يجب على النساء والرجال على السواء، بينما الرواية الثانية المروية عنه يجب على الذكور دون الإناث، وهذه الرواية الثانية وافقت ما أجمع عليه الأئمة الأعلام من الفقهاء والمجتهدين في أنه مستحب وليس بواجب، ووافقت كذلك ما درجت عليه الأمة، وما توارثته جيلاً عن جيل، في أن الختان للمرأة مستحب وليس بواجب، وحجتهم في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما شرع لأمة الإسلام الختان، كان يخص الرجال دون الإناث، ولم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام أمر امرأة بالاختتان، اللهم إلا حديث شداد الذي مر ذكره: "الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء". فإن فيه ما يشير إلى ذلك، وعلى فرض صحة الحديث فإنه يرشد إلى الاستحباب دون الوجوب، لأن لفظ (مكرمة للنساء) دليلاً قاطعاً على الاستحباب فقط، والله أعلم.

ولعل الحكمة في ذلك أن الاختتان للرجل يختلف كل الاختلاف عن الاختتان للمرأة: يختلف شكلاً، ويختلف حكماً، ويختلف فائدة كما هو ملحوظ ومفهوم.

ألا ما أعظم ترشيع الإسلام! وما أسمى مبادئه الخالدة على مدى الزمان والأيام!!.

5- متى يجب الاختتان؟

ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الاختتان يجب عند مشارفة الولد سن البلوغ، باعتبار أنه سيصبح مكلفاً في امتثال الأحكام الشرعية، والأوامر الإلهية. حتى إذا دخل في سن البلوغ كان مختوناً، لتكون عبادته على الوجه الصحيح الذي رسمه الإسلام، وبينه الشرع الحنيف.

ولكن الأفضل في حق الولي أن يقوم بعملية الاختتان في الأيام الأولى من ولادة الولد، حتى إذا عقل، وتفهم الأمور، وأصبح في مرحلة التمييز، وجد نفسه مختوناً، فلا يحسب له في المستقبل حساباً، ولا يجد له في نفسه همّاً، فما أهنأ قلب الولد! لما بدأ يعقل ويدرك حقائق الأشياء، وجد نفسه أنه مر على مرحلة الاختتان.

ودليل الأفضلية ما رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه أنه قال: "عقّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام).

6- وأخيراً ما الحكمة من الختان؟

للختان حكم دينية عظيمة، وفوائد صحية جليلة قد أبان عنها العلماء، وكشف عن آثارها الأطباء... وإليكم أميز ما ذكروه وأهم ما قرروه:

فمن الحكمة الدينية العظيمة:

• أنه رأس الفطرة وشعار الإسلام، وعنوان الشريعة.

• أنه من تمام الحنيفية التي شرعها الله على لسان إبراهيم عليه السلام، فهي التي صبغت القلوب على التوحيد والإيمان، وهي التي صبغت الأبدان بخصال الفطرة من الختان، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الآباط، قال تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً...} النحل: 123.

{صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون} البقرة: 138.

• أنه يميز المسلم من غيره من أتباع الديانات والملل الأخرى.

• أنه إقرار بالعبودية لله، والامتثال لأوامره، والخضوع لحكمه وسلطانه.

ومن الفوائد الصحية الجليلة ما يلي:

• أنه يجلب النظافة، والتزيين، وتحسين الخلقة، وتعديل الشهوة.

• أنه تدبير صحي عظيم يقي صاحبه كثيراً من الأمراض والاختلاطات.

يقول الدكتور (صبري القباني) في كتابه (حياتنا الجنسية):

وفي الختان بعض الفوائد نذكر منها:

1- بقطع القُلْفة يتخلص المرء من المفرزات الدهنية، ويتخلص من السيلان الشحمي المقزِّز للنفس، ويحال دون إمكان التفسخ والإنتان.

2- بقطع القلفة يتخلص المرء من خطر انحباس الحشفة أثناء التمدد.

3- يقُلّل الختان إمكان الإصابة بالسرطان، وقد ثبت أن هذا السرطان كثير الحدوث في الأشخاص المتضيّقة قلفتهم، بيد أنه نادر جداً في الشعوب التي توجب عليهم شرائعهم الختان.

4- إذا شرعنا في ختان الطفل أمكننا تجنيبه الإصابة بسلس البول الليلي.

5- يخفف الختان من كثرة استعمال العادة السرية لدى البالغين.. إلى غير ذلك من هذه الفوائد...." 1. هـ.

هذه بعض الفوائد والحكم في مشروعية الختان، يدركها كل ذي عقل وبصيرة، ويتعقلها كل من يريد أن يعرف محاسن الإسلام، وأسرار الشريعة.

وفي تقرير هذه الأحكام التي سبق ذكرها، سواء ما يتعلق ببشارة المولود، أو التأذين بأذنه، أو استحباب تحنيكه أو عقيقته، أو حلق رأسه، أو أحكام تسميته، أو وجوب ختانه.. فكل هذه الأحكام تقرر للمربين هذه الحقيقة الهامة، ألا وهي: الاعتناء بالمولود منذ ولادته والاهتمام بأمره من حين أن يُطلّ بنفسه على الدنيا، ويستنشق نسائم الحياة.

وهي أحكام هامة تكسب الطفل صحة، وتعطيه قوة... حتى إذا فتح المولود عينيه وأصبح ينظر حوله، ويتفهم الأمور، ويدرك حقائق الأشياء وجد نفسه في أسرة مسلمة تطبق الإسلام، وتعمل بمقتضى الشريعة، وقد قامت نحوه بكل الالتزامات التي أمر بها الشرع الحنيف، وسنها الرسول عليه الصلاة والسلام.

ولا شك أن الولد حينما يفهم هذه الالتزامات، ويعرف أن مربيه من أب وأم يقومان بكل هذه الواجبات، فإن نفسه تترسخ على الإسلام، وتتربى على الإيمان، وتعتاد على معاني الخلق والفضيلة وأنبل الفضائل والمكرمات.

وإذا كان الإسلام قد اعتنى بالولد من حيث الولادة – كما رأيت – فاعتناؤه به من حين أن يعقل ويتفهم الحياة، ويدرك حقائق الأشياء، يكون أبلغ وأعظم، وأسمى وأكبر.

وستجد – أيها الأخ القارئ – في الفصول التالية أهم المسؤوليات العامة التي أوجبها الإسلام على المربين والآباء نحو أولادهم، لتعلم جيداً كيف اعتنت الشريعة الغراء بتربية الأبناء، وكيف أهابت بهم أن ينهضوا بواجباتهم، ويضطلعوا بمسؤولياتهم. وستجد فيها إن شاء الله، ما يشفي الغليل، وما يوضح المنهج، وما ينير الطريق.

[1] الفطرة فطرتان: فطرة إيمانية تتعلق بالقلب وهي معرفة الله والإيمان به، وفطرة عملية وهي هذه الخصال المذكورة في الحديث. فالأولى تزكي الروح وتطهر القلب، والثانية تطهر البدن، وتزين المظهر، فكان رأس فطرة البدن (الختان).

[2] الاستحداد: حلق الشعر الذي يخرج حول الفرج.

[3] ألق عنك: أي احلق رأسك.

[4] الأقلف: أي غير المختتن.

[5] قد ورد في بعض النسخ (الحياء)، وفي البعض (الحناء) بدل الختان، وكلاهما غلط وتصحيف قاله: أبو الحجاج المزي. وثبت عن المحامحلي أنه روى لفظ (الختان) في الحديث عن الشيخ الذي روى عنه الترمذي. ارجع إلى كتاب (تحفة المودود) ص 93 تجد ما فيه الكفاية.

[6] من كتاب تحفة المودود ص 104.

 

يتبع