م/ محمد شكري علوان
أكبر مصيبة ابُتليت بها مصر وشعبها علي يد النظام المخلوع هي (تدمير العقول وإفساد الأخلاق) .
فمع تدمير العقول فُقدت الرؤية وسقط ميزان الحق ، وبإفساد الأخلاق رأينا أمورا لا تليق بشعب مصر وحضارته وهويته ومرجعيته .
ويأتي رمضان هذا العام محفوفا بدعوات وأمنيات المصريين لبناء ما تهدم من العقول وإعادة ما انفلت من الأخلاق ولهذا يجب ان يكون شعارنا جميعا رمضان شهر البناء " بناء النفوس – وبناء النهضة للبلاد "
بناء النفوس في رمضان :
أولا : بناء التقوى في القلوب
الخسارة الكبرى للأمم تكون في انحدار أخلاق أبناءها ووقد تربينا علي قول الشاعر :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ومناط الاخلاق وأساسها تقوي الله والخوف منه ، ولذا تعددت الآيات القرآنية الآمرة بالتقوى ، فالتقوى ميزان النفوس ومنطلق الاصلاح والصلاح ، ولهذا قال تعالي ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) ، والتقوى المطلوبة هي الخوف الحقيقي من الله عز وجل ، الذي يدفع النفس والروح الي اللجوء الي الله بالدعاء ، ومن ثم سرعة الاستجابة والطاعة لأوامره ونواهيه ، والثقة الكاملة في كل أمره وقدره وقضائه مع الرضا الكامل والحب، قال تعالي ( وإذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )
ثانيا : تعظيم أمر الله في النفوس
من الدروس الهامة لكل من أكرمه الله ببلوغ شهر رمضان أن يربي نفسه علي تعظيم شرع الله ومنهج الله ، واليقين بان الخير المطلق فيما حواه كتاب الله " ولتكبروا الله علي ما هداكم ولعلكم تشكرون " " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب (32 ) الحج
ثالثا : الوصول بالنفس إلي مستوي الرشاد
وذلك من خلال ربط تحقيق ما سبق علي ارض الواقع بالسلوك الهادف البناء ، فالتقوى قاعدة ومنطلق العمل ، وكتاب الله وسنة رسوله هما الضابط والحافظ لصحة العمل ، وبهما يصل المرء إلي مستوي الرشاد الذي أخبرنا الله تعالي عنه ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون , فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم ) ، والتطبيق العملي لذلك يكون في المعاملات ولذا ختم الله تعالي آيات الصيام بقوله ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الي الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ) ، ولا ننس قول الرسول صلي الله عليه وسلم " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "
بناء المجتمع في رمضان
أولا : تقوية قيمة جماعية العمل
الصيام شعيرة وعبادة اجتماعية ، في مواعيد محددة ، وغاية واضحة ترتفع بالحس الجماعي والاجتماعي ، وبناء المجتمعات لا يقدر عليها فرد أو مجموعة فلابد من أن تتضافر الجهود هكذا يعلمنا الصيام , وصدق الله العظيم القائل ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ) وقال تعالي ( محمد رسول الله والذين معه ) ، وفي قصة ذي القرنين اظهر لنا ضرورة تضافر الجهود وتوحد القوي قال تعالي ( فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما , آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوي بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني افرغ عليه قطرا ) .
لذا يجب أن يرتفع شعار " قوتنا في وحدتنا " ونتذكر معا قول الشاعر :
متى يبلغ البنيان يوما حصاده إذا كنت تبني وغيرك يهدم
ثانيا : إدراك ان الواجب أولا :
تبرز هذه الأيام حالات وكلمات ودعوات أقل ما توصف به أنها خيانة للوطن ومستقبله، دعوات هدامة تدعوا إلي الفوضى وتخريب مصر ، لذا نقول ان الشعائر التعبدية كلها بل التربية الإسلامية وفلسفة المنهج الإسلامي يقوم أولا علي إدراك قيمة الواجب ، ففي رقبتي دين لأبي وأمي من قبل أن أولد ، وللمجتمع من حولي دين في رقبتي قبل أن أشب ، وأدائي لواجبي هو حق لمن حولي , وقيامهم من حولي بواجبهم يصب في نفعي وتتم الدائرة في حب واحترام دون إحساس بصراع أو قيود , ورحم الله الإمام البنا حيث قال ( إن العمل ليعمل أداء للواجب أولا ، ثم للثواب الأخروي ثانيا ، ثم للتحقيق المنافع المادية ثالثا ) وصدق الرسول صلي الله عليه وسلم القائل " أدوا الذي عليكم واسألوا الله الذي لكم "
فهل تجد كلمات الرسول منا آذانا صاغية وقلوبا يقظة ، وهل نجعل من رمضان فرصة لبناء النفوس والأوطان ؟!!!
اللهم تقبل منا الصيام والقيام وأعنا علي العمل والبناء ..