جمال سلطان :

استمعت أمس إلى الحوار الذي دار بين الدكتور محمد سليم العوا واللواء ممدوح شاهين عضو المجلس العسكري حول مشروعية مد قانون الطوارئ ، وشعرت للوهلة الأولى أن الممثل القانوني للمجلس العسكري يريد أن يقول "هي كده" واللي عاجبه ، لأنه لا يوجد أي منطق قانوني لما قاله ، وحتى عندما قال له "أستاذ القانون" الدكتور العوا أن الطلاب الذين ندرس لهم في كلية الحقوق يعرفون أن الخاص مقدم على العام عند التعارض أو الاختلاف ، رفض ذلك ـ بالدراع ـ وقال له أن ما يحكمنا هو دستور 1971 ، رغم أن الاحتجاج خارج سياق ما طرحه العوا أساسا وطرحه البشري والرأي العام في فهم نصوص الإعلان الدستوري وأنها ناسخة لأي قرار أو قانون سابق لها إذا تعارض معها ، ولكن المهم أنه عندما وضح له العوا الأمر البديهي أنه بصدور إعلان دستوري جديد فهو يعني أن هذا هو دستور مصر الجديد الذي يلغي ما عداه ، ولا تعتبر أي حجية أو مرجعية لأي دستور سابق عليه ، وهو أمر بديهي لا يحتاج إلى طالب أو أستاذ ، رفض "الخبير القانوني" للمجلس العسكري ذلك الكلام وأعاد التأكيد على أن دستور 71 ما زال قائما دون أن يجيب على سؤال منطقي أو لازمة للكلام ، وهو : إذا كان دستور 71 ما زال قائما فلماذا أصدرتم الإعلان الدستوري إذن ، بل ما هو معنى الإعلان الدستوري أصلا ، لأن اللواء شاهين ربما يتحدث عن نظم قانونية ودستورية لم نسعد بمعرفتها ولم يطلع عليها أساتذة القانون في بلادنا .

اللواء شاهين ، عضو المجلس العسكري أعاد التأكيد على أنهم يعملون بقرار الرئيس مبارك بمد حالة الطوارئ لأنه قرار جمهوري وصدق عليه برلمان فتحي سرور ، وهو كلام مهين جدا لقائله بقدر ما هو مهين لكل القوى الوطنية التي ثارت على مبارك وبرلمانه ، وسيكون من العبث أن تطرح سلسلة لا تكاد تنتهي من الأسئلة ، من مثل : إذا كان هذا البرلمان شرعيا وقراراته شرعية وتمثل مرجعية لحكم الشعب ، وأنه برلمان يمثل الشعب المصري فعلا ، فلماذا قمت بالاعتداء عليه وقررت إلغاءه ، ما هي حجتك في حل هذا البرلمان إذن ، ثم إذا كان هذا البرلمان معتبر شرعا ودستوريا ، فلماذا لا يعلن المجلس العسكري انتهاء صلاحيته الدستورية في حكم مصر هذا الأسبوع لأن البرلمان السابق هو الذي صدق على المدة الرئاسية الجديدة لمبارك والتي تنتهي مع نهاية سبتمبر 2011 ، والمجلس العسكري تولى السلطة بتفويض من مبارك في قرار التنحي ، والتفويض تنتهي صلاحيته بانتهاء المدة القانونية لمن أصدره ، لأنه هو والعدم سواء بعد ذلك ، فطالما دخلنا في مجال المهاترات والاستهبال القانوني والدستوري ، فلنصل بالاستهبال إلى منتهاه ، والحقيقة أن اللواء شاهين كشف عن عشوائيات غريبة في مواقف المجلس العسكري وكأنه جزر منعزلة ، فقد تكلم في نفس اللقاء بثقة العارف بالقانون والدستور أنهم في المجلس العسكري درسوا مسألة الانتخاب بالقائمة أو الفردي ووجدوا أن الدستور يلزم بأن يكون نصف الدوائر بالقائمة ونصفها بالفردي ولا يجوز دستوريا غير ذلك ، وبعد ساعات قليلة كان المجلس العسكري نفسه يحيل تعديلات إلى الحكومة صدقت عليها مباشرة يجعل للقائمة الثلثين وللفردي الثلث ، ولا أدري هل كان اللواء شاهين يتحدث باسم مجلس عسكري آخر مثلا .

أيضا أستغرب جدا هذا الانفعال الشديد للمجلس العسكري وسرعة رده على الإشكال الدستوري في قضية مد الطوارئ ، وقيامه بالاتصال بأجهزة الإعلام ودفع رئيس القضاء العسكري للتصريح والتوضيح الذي ثبت أنه خاطئ وباطل جملة وتفصيلا ، لكن المجلس ـ بالمقابل ـ يعمل "مش واخد باله" أمام سيل التساؤلات والمطالبات من كل القوى الوطنية بأن يعلن المجلس العسكري جدولا زمنيا لنقل السلطة إلى سلطة مدنية ، من خلال رئيس جمهورية منتخب وحكومة تمثل البرلمان ويعود المجلس العسكري لدوره الوطني الأساس المنوط به ، لماذا يهرب المجلس العسكري من الإجابة عن هذا المطلب الواضح والبسيط والجوهري ، لماذا يرفض الالتزام الواضح بجدول زمني معلن لنقل السلطة ، لماذا عندما يحاصرون بتلك النقطة تحديدا يعملون أذنا من طين والأخرى من عجين ، لماذا هذه المراوغة التي تفقد الناس الثقة ، كل الثقة ، في جدية ونوايا المجلس العسكري للالتزام بالوعد القاطع بنقل السلطة إلى المدنيين .

المجلس العسكري اخترع أطول انتخابات في تاريخ مصر ، وربما في تاريخ العالم ، حيث تتم انتخابات مجلس الشعب خلال ثلاثة أشهر تقريبا ثم تنتهي انتخابات مجلس الشورى في ثلاثة أشهر أخرى ، أي أن مصر تظل معلقة تشريعيا لمدة ستة أشهر ، ثم يا عالم متى "يتفضل" المجلس العسكري بإجراء الانتخابات الرئاسية ، والتي لا يعرف حتى الآن موعد لها ، وكأنه لغز ، أو مطلب عزيز المنال ، وهذا كله يعني أن المجلس العسكري يتعمد المط والإطالة للانتخابات والقرارات والتباطؤ العمدي فيها لأهداف غير معروفة حتى الآن ، لقد أرسل المرشحون لرئاسة الجمهورية أمس رسالة إجماعية ، المرشحون من جميع أطياف الوطن ، يطالبون فيها المجلس العسكري بإعلان الجدول الزمني لنقل السلطة ، وتحديد موعد واضح لانتخابات رئاسة الجمهورية ، وأتمنى أن يخرج ممثلو المجلس بنفس الحماس و"الدقة القانونية" أمام الفضائيات لكي يجيبوا على هذا التساؤل أو الطلب البديهي .

[email protected]