حازم سعيد :

بدأت الدراسة وبدأ معها إضراب المعلمين ، والذى رفض الإخوان المشاركة فيه ، كعهدهم القريب في الامتناع عن الإضرابات الفئوية أو المظاهرات ( ذات سقف المطالب غير المحددة ) أو الاعتصامات المتعارضة مع دولاب العمل ...
إضرابات المعلمين وامتناع الإخوان عنها بالذات بعد يومين أو ثلاثة من نجاح الإخوان في انتخابات نقابة المعلمين ، دفعت بعضهم لتوجيه سهام نقد شديدة للإخوان ، وكلامهم يتركز حول أننا أعطيناكم أصواتنا وثقتنا ثم أنتم هؤلاء مع أول جولة تخذلونا ، وهو ذات النقد الذى وجه للإخوان من المتظاهرين بالتحرير لمطالب غير محددة المعالم يتمطي العلمانيون مطيتها ، وكذلك هو ذات النقد الذى وجهه أنصار ( لا ) للتعديلات الدستورية ضد الإخوان من قبل .
ولنا مع كل هذا مجموعة من الوقفات :
-         أولا ً : الإضراب عن العمل أو التظاهر أو الاعتصام هي كلها وسائل سلمية تكفلها حقوق الإنسان ، وهى حق كل مظلوم لا يستطيع الحصول على حقه بالوسائل القانونية المعتادة أو بالتفاوض السلمي المباشر ، وهو حق لا ينكره الإخوان على أحد أبداً ، فهو وسيلة تعبير حضارية عن رأي المظلوم ، وآلية محترمة من آليات وسنن التدافع بين الناس .
-         ثانياً : بيد أنى أري خيطاً رفيعاً يفصل بين الإضرابات والتظاهرات والاعتصامات في كل المجالات ، ونظيرتها في مجالي الصحة والتعليم ، فكيف لطبيب معالج أن يرى مريضاً يتألم بين يديه وقد يموت ثم يضرب عن علاجه لأي سبب كائناً ما كان .
كذلك كيف لمعلم آتاه الله علماً لينفقه في تعليم أبناء أمته ومستقبلها ، ثم هو يمتنع عن ذلك ويكتمه ويرفض إعطاءه لأسباب مادية أو غيرها ؟
هذان مجالان التمس فيهما ما شئت من الوسائل التي تجبر المجتمع على أن يعطيك ما تستحقه من الأجر فيما عدا أن تمتنع عن إنفاق العلم الذى أعطاك الله إياه فتكتمه فيلجمك الله به في النار ، لا يصح أن تمتنع عن علاج مريض ، وكذلك لا يصح أن تكتم علماً .
-         ثالثاً : قرار المشاركة في إضراب أو اعتصام أو مظاهرة هو من المسائل الاجتهادية التي تتم وفق الموازنة بين المصالح والمفاسد ، حيث يتم تغليب دفع مفسدة على درء مصلحة أو تغليب مصلحة على أخري أو جلب مفسدة أقل من أختها ، وهكذا ، وهى كلها من الأمور الاجتهادية التي تتفاوت فيها التقديرات ، لذا فإني أحسبها في أغلبها الأعم مما لا إنكار فيه ، طالما حسنت الظنون في نوايا بعضنا البعض .
-         رابعاً : وبناءاً على هذا أرى أنه ليس من حق أحد أن يجبر الآخر على المشاركة طالما رأي رأياً واجتهد اجتهاداً ، بله عن أن نتهمه أو نلصق به النقائص ، وهذا المبدأ هو عين ما حرص عليه الإخوان أيام كانت الإضرابات أو الاعتصامات أو التظاهرات تجر للإخوان الاعتقال والتضييق والسحل في الشوارع والميادين ، وكان غيرهم يلزمون قعر بيوتهم ، ولم يكن الإخوان يتذمرون أو يتهمون أو يشككون في نوايا القاعدين .
والآن بعد أن تغيرت الأمور ولم تعد الإضرابات أو التظاهرات تجر على صاحبها شيئاً يذكر ، وشارك فيها من شارك ، ينكرون على الإخوان ( الذين لم يقعدوا عن المشاركة في الإصلاح والتغيير والمطالب العامة المشتركة ) أقول : ينكرون على الإخوان عدم مشاركتهم والتى جاءت بناءاً على اجتهاد في المصلحة العامة ، وليس تغليباً للدعة والركون أو التنازل عن حقوق الشعب المشروعة .
أحسب أن هذا الموقف من المنكرين ليس عدلاً ولا إنصافاً . ويعكس قدراً كبيراً من غياب ثقافة الاختلاف عن قطاعات كبيرة من أبناء جلدتنا .
-         خامساً : أما عن تهمة الصفقة مع الجيش , فأكرر ما ذكرته فى مقالة سابقة أن الجيش ليس عدواً لنا حتى نتهم بالصفقة معه ، بل إن موقف الجيش من ثورتنا المباركة والقرار الجرئ للمجلس العسكري بالانحياز لهذا الشعب فى وقفته ضد الظالمين والمفسدين هو موقف شجاع وسيسجل لهم فى التاريخ ، وأحسب ( وأتمنى ) أن يكون الجيش صادقاً فى وعوده بنقل السلطة لحكومة مدنية والعودة للثغور وتحصينها أمام أي قوى أجنبية وهى مهمة العسكر الأولى ..
ثم إن الإخوان انحازوا ضد بعض اختيارات الجيش فى الفترة الأخيرة لما خالف الاختيار مبدأً اساسياً للإخوان مثل الموقف من قانون الطوارئ أو مداهمة قناة الجزيرة ، وهى مواقف تقول أن الإخوان ليسوا أولاً عدواً للجيش لأن الجيش هو من نسيج هذا البلد ، ثم إنهم لا يعارضون لمجرد المعارضة أو يوافقون لمجرد الموافقة ، بل هم أصحاب مبداً واضح يوافقون على موافقته ، وينصحون وينقدون إذا رأوا خروجاً عنه .
ثم وأخيراً ما أكثر ما اتهم الإخوان بالصفقة والمهادنة حتى وهم في غياهب السجون ، وهو ما يفقد التهمة جدواها وقيمتها ويجعلها عديمة القدر وممجوجة .
-         سادساً : أما عن موقف الإخوان من هذا الإضراب وغيره ، فهو موقف مبدئي أنهم لا يريدون كل ما من شأنه إثارة نوع من الفوضى وعدم الاستقرار في هذا البلد ، وكل ما من شأنه تعطيل دولاب العمل ، وإثارة القلاقل التي توجب تأجيل الانتخابات وبالتالي تأجيل اختيارات الشعب التي أبداها بالموافقة على التعديلات الدستورية وتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة تنقل بلدنا مصر لما نريده لها من الخير .
فهو إذن موقف مبدئي واضح وبسيط ، لا تهمة ولا صفقة ، إنما هو اجتهاد للصالح العام .
-         سابعاً : وهذا الموقف هو منقبة وميزة تشرف الإخوان ، حيث أن المشاركة في الإضراب كانت كفيلة لهم بجلب رضا شريحة من الناس لا تقل عن إثنين أو ثلاثة مليون ، وهى أصوات مضمونة بالحسابات الانتخابية البسيطة للبرلمان القادم ، ولكنهم فضلوا الصالح العام والرؤية العامة عن المصلحة الخاصة الضيقة ، فالإخوان – أقولها تأكيداً – ليسوا ميكيافيليين تبرر الغايات عندهم الوسائل ، إنما هم أصحاب مبدأ يوالون عليه ، ويفضلون المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية .
-         ثامناً : ويبقى نقطة أخيرة وهى أن وفوداً من الإخوان تشكلت وقابلت المحافظين في كثير من المحافظات والمسئولين في التعليم للتفاوض حول مطالب المعلمين ، وهو ما يجيب بوضوح عن عنوان المقال ، ويؤكد أن الإخوان رغم تفضيلهم للصالح العام وانحيازهم له ، فإنهم لم ينسوا إخوانهم ولا مطالبهم ولم يخذلونهم ، ولكن الإخوان يتحسسون الخطى ويوازنون المصالح فيأخذون من الأسباب الموصلة لها أصلحها وأنفعها وأقلها ضرراً بإذن الله.