د/ إبراهيم كامل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد
لقد تحول السحرة من نصرة فرعون إلى نصرة الله ورسوله بعد أن ذاقوا حلاوة الإيمان في قلوبهم ولم يبالوا بفرعنة فرعون حيث رفعوا في وجهه شعار " الله غايتنا " وإليكم المزيد من الأدلة : 
2 – داوود عليه السلام " الشاب صاحب الهمة العالية " والذي كان جنديا من جنود المسلمين في جيش طالوت الملك ، وبدون الدخول في تفاصيل الحدث إلا أنه يجب الوقوف على الدروس المهمة فيها :
أ – متابعة الحدث أولا من خلال الآيات " فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " البقرة 249 .
ب – من خلال هذا الدرس التربوي البليغ " السمع والطاعة في المنشط والمكره والتي من خلالها سيبني القائد خطة المواجهة مع أعداء الله " سقط الآلاف من أصحاب الهمم الدنيئة والتي لاتُصلح هممهم إلا لبطونهم وشهواتهم وديوثتهم ، وقد رأينا ذلك رأْي العين حين سقط الأفاكون والمنافقون والكذابون بعد أن  كنا نصفّهم في مصاف الأتقياء فإذا هم من السيسيين الخسيسيين الجبناء ، ويقول السدي " كان الجيش ثمانين ألفا شرب منهم ستة وسبعون ألفا وتبقى أربعة آلاف ، ولبركة السمع والطاعة للأمير المؤمن أسرار لأن طاعته واجبة –  قال ابن عباس" من اغترف منه بيده روي، ومن شرب منه لم يرو " وكذا رواه السدي عن أبي مالك، عن ابن عباس " كنا - أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم- نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت، الذين جازوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلاثمائة " رواه البخاري .
ج – لابد من غرابيل الاصطفاء أومصافي الاختبار
وهكذا تتم التصفية، ففي البداية سبق لهم أن تولوا وأعرضوا عن القتال إلا قليلا، وهنا امتنع عن الشرب قليل من القليل، وهذه غرابيل الاصطفاء أو مصافي الاختبار، فقد يقوى واحد على نصف المشقة، ويقوى آخر على ثلث المشقة، ويقوى ثالث على ربعها. لقد بقى منهم القليل، لكنه القليل الذي يصلح للمهمة؛ إنه الذي ظل على الإيمان ، وانظر كيف تكون مصافي الابتلاء في الجهاد في سبيل الله؟ حتى لا يحمل راية الجهاد إلا المأمون عليها الذي يعرف حقها . انظر كتاب الحاوي في التفسير
د – " قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " هذه الفئة المؤمنة " كأنهم أدخلوا ربهم في حسابهم فاستهانوا بعدوهم، لكن الفئة السابقة عزلت نفسها عن ربها فرأوا أنفسهم قلة فخافوا. لقد كان مجرد ظن الفئة المؤمنة أنهم ملاقو الله قد جعل لهم هذه العقيدة، وإذا كان هذا حال مجرد الظن فما بالك باليقين؟ انظر كتاب الحاوي في التفسير والتفسير المأثور
هـ - لكن الشاهد الذي نريده هو كيف كان يفكر هذا الشاب " داوود " ومالذي كان يدور بعقله ؟
حيث استشعر الخوف من الله وحده فحقَّر اللهُ جالوتَ في نظره واستهان به ووصلت همته أن يقتل جالوت المرعب الذي يحارب الله ورسوله ، ولكي تصل إلى جالوت من خلال مئات الآلاف من الحرس السيسي الجالوتي  المدجج والمدرعات العسكرية والقوات الخاصة من بوليس محمد ابراهيم وأبواق الإعلام المخيفة التي يقودها أبراشي جالوت وعُكَّاشِه فلاشك ن ذلك يحتاج إلى تخطيط من نوع خاص ، لكنه مع علو همته وإصراره وصل إلى غايته وقتل الله جالوت على يد هذا الفتى الذي يُدعى داوود ، ومن يصل إلى هذه الغاية بإيمان عميق لهو أقدر أن يحمل بقية المهام والمسئوليات  وآتاه الله الملك والحكمة.
و –  يذكرنا هذا الموقف بمعاذ ومعوذ عندما سألا الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - عن أبي جهل لأنه كان يؤذي الله ورسوله – وهما غلامان صغيران " وبينما يتعجب عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه من سؤالهما لحداثة سنهما ولشدة بأس أبي الجهل وقوته لكنهما كانا يحملان همة عالية وغاية واحده ألا وهي قتل هذا الصنديد ورأس الكفر الذي كان يؤذي الله ورسوله .
3 – غايتكم  عظمى وهدفكم أسمى وهو مرافقة الحبيب صلى الله عليه وسلم في الجنة 
يا سلعة الرحمن لستِ رخيصة         بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمـن ليس ينالها           في الألف إلا واحد لا اثنان
قال الإمام ابن الجوزي " وماتقف همة إلا لخساستها ، وإلا فمتى علت الهمة فلاتقنع بالدون ( انظر لفتة الكبد إلى نصيحة الولد ) وقيل للإمام أحمد متى يجد العبد طعم الراحة ؟ فقال عند أول قدم في الجنة .
الهمة ترك متاع الدنيا وسمو الغاية هو مرافقة الحبيب صلى الله عليه وسلم في الجنة ، وكلاهما صعب وليس الإيمان بالتمني ، لكن عندما نرفع الهمم عن وحَل الدنيا وشهواتها ونحقق  " الله غايتنا " فمن المؤكد أننا سنلقى الأحبة محمدا وصحبه على الحوض بإذن الله تعالى بعد أن يتغمدنا الله في رحمته لأن كل الأعمال الصالحة لاتساوي نعمة من نعم الله علينا ، عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال " كنت أبيتُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأتيتُه بوَضوئِه وحاجتِه . فقال لي" سلْ " فقلت: أسألُك مرافقتَك في الجنةِ قال: "أو غيرَ ذلك ؟ " قلت: هو ذاك قال: " فأعنِّي على نفسِك بكثرةِ السجودِ".رواه مسلم وغيره
في غزوة كانت أم عمارة – نسيبة بنت كعب رضي الله عنها وأسلمت في بيعة العقبة الثانية – تسقي العطشى وتعالج الجرحى ثم تركت هذه المهمة وحملت السيف لما رأت الغدر يحوم حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكل شجاعة ظلت تدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى منها هذه البطولة وهذه الشجاعة قال لها صلى الله عليه وسلم في أرض المعركة " من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة ؟ سليني يا أم عمارة، قالت: أسألك مرافقتك في الجنة يا رسول الله، قال: أنتم رفقائي في الجنة
وكلنا يعلم الموقف البطولي الذي قدمه ولدها حبيب أمام مسيلمة الكذاب حينما سأله مسيلمة أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قيقول نعم أشهد ، ثم يقول له وتشهد أني رسول الله ؟ فيقول لاأسمع إن في أذني صمم ، وظل يعذبه ويقطع من جسده بالسيف لكي يأخذ منه اعترافا واحدا تحت ضغط التعذيب لكنه فشل كعادة السيسيين المجرمين عبر العصور والأزمنة ، وعندما وصل الخبر لأمه نسيبة رضي الله عنها فقالت : أنا لهذا اليوم أعددته .
4 – عندما تسمو الغاية بصاحبها لايرى الدنيا إلا كالعدم ولنا وقفة مع الصحابي الجليل حارثة رضي الله عنه عندما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أصبحت ياحارثة ؟
 قال : أصبَحْتُ مؤمنًا حقًّا قال : إنَّ لكلِّ إيمانٍ حقيقةً فما حقيقةُ إيمانِك قال : عزَفَت نفسي عن الدُّنيا فأظمَأْتُ نهاري وأسهَرْتُ ليلي وكأنِّي بعرشِ ربِّي بارزًا وكأنِّي بأهلِ الجنَّةِ في الجنَّةِ يتنعَّمونَ فيها وكأنِّي بأهلِ النَّارِ في النَّارِ يُعذَّبونَ ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصَبْتَ فالزَمْ مؤمنٌ نوَّر اللهُ قلبَه
رواه الهيثمي وابن تيمية وابن حجر وغيرهم  بسند ضعيف وله شاهد كما قال ابن حجر في مختصر البزار .
وهذا حارثة بن سراقة رضي الله عنه يسمو بهمته نحو الجنة وتطمئن عليه أمه حيث تقول الرواية " أنَّ حارثةَ بنَ سُراقةَ خرج نظَّارًا فأتاه سهمٌ فقتلَه فقالت أُمُّهُ يا رسولَ اللهِ قد عرفتَ موضعَ حارثةَ مِنِّي فإن كان في الجنَّةِ صبرتُ وإلا رأيتَ ما أصنعُ قال يا أمَّ حارثةَ إنها ليست بجنَّةٍ واحدةٍ ولكنَّها جِنانٌ كثيرةٌ وإنَّ حارثةَ لفي أفضلِها أو قال في أعلى الفِردوْسِ " صححه الألباني والحديث صحيح على شرط مسلم .
وأخيرا أيها الأحرار اعلموا أنكم تسيرون إلى الله بقلوبكم لاببدنكم
قال ابن الجوزي " اعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته لاببدنه والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لاتقوى الجوارح " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " الحج .
وقال " وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لايدرك بالنعيم وأن من آثر الراحة فاتته الراحة وكل مافيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة " وهو ماقاله لكم فخامة الرئيس محمد مرسي " رده الله لمصر سالما آمنا حاكما " حيث قال " إنما النصر صبر ساعة " فهنيئا لكم همتكم العالية وغايتكم السامية  وسنشارككم فرحة النصر ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله وسقط سقط حكم العسكر