عبدالوهاب عمارة
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله ؛ وبعد.
يبث المنافقون وضعاف الإيمان وعملاء الشيطان ومرتزقة الإعلام ومنتفعي بقاء الانقلاب يبثون جميعا الرعب والهلع في نفوس ضعاف القلوب والإيمان يخوفونهم الموت وفوات الرزق والسجون والتعذيب وشتى وسائل تنكيلهم ويعظمون في نفوسهم ثقلة الأرض التي تجذب إلي القعود ؛ وهنا أسوق آية من كتاب ربنا ؛ دستورنا الخالد نحيى به ونستضيء به طريقنا ونستمد منه قوتنا ؛ إنه العتاب الرباني للقاعدين عن نصرة الحق وتمكين الدين بل هو التهديد بعاقبة التثاقل والتردد عن الجهاد في سبيل اللّه ، والتذكير بقدرته على النصر بدونهم وساعتها يكون الخسران والبوار للمتخلفين {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ } (1) ما هذا التثاقل ما هذه الكلاحة ما هذا التباطؤ أهو الخوف على الحياة ، والخوف على المال ، والخوف على اللذائذ والمصالح والمتاع .. أهو الركون للدعة والراحة والاستقرار ..إنها اللذات الفانية والمتع الزائلة والأجل المحدود والهدف القريب والثمن الرخيص .. يا قومنا الآجال بيد اللّه ، والأرزاق من عند اللّه .
قال الشاعر: من لم يمت بالسيف مات بغيره * * * تعددت الأسباب والموت واحد
من لم يمت شهادة في سبيل الله مات بالأطعمة المتسرطنة أو بالأدوية الفاسدة أو بغيرها وها هو خالد بن الوليد لما جاءه الموت، وشعر بدنو أجله، قال : لقد شهدت مائة معركة أو زهاءها، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وهاأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير، ألا فلا نامت أعين الجبناء .
{أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } يا ليت كان هناك أي دنيا فأي متعة وأي حياة هذه ؟ !! إنها حياة الذل والعار .
هل هناك أي خير في حكم العسكر ؟! هل طبقوا الحد الأدني للأجور ؟! هل وفروا الخبز والغاز ؟! هل أوجدوا من يحنوا علي الشعب ؟! هل للمواطن كرامة أو حرية أو صوت يجهر به ؟! وإن كانت هذه أمور لا تذكر بجانب ضياع الدين والشريعة !! فلا أقاموا دنيا ولا أبقوا علي دين فضيعوا الدين وضاعت الدنيا .!!
يقول سيد قطب : إن الاستعلاء على ثقلة الأرض وعلى ضعف النفس ، إثبات للوجود الإنساني الكريم. فهو حياة بالمعنى العلوي للحياة : وإن التثاقل إلى الأرض والاستسلام للخوف إعدام للوجود الإنساني الكريم. فهو فناء في ميزان اللّه وفي حساب الروح المميزة للإنسان. (2)
فيا عجبا ما الذي يثقلكم ما الذي يؤخركم ما الذي يمنعكم ؟؟!! أرضيتم بالذل والعار والقتل والاعتقال وهتك أعراض المسلمات العفيفات في السجون وأقسام الشرطة ؟! أرضيتم بنهب ثروات ومقدرات البلاد ؟! أرضيتم بتنحية الدين وحرب الفضيلة ؟! أرضيتم بسجن العلماء والشرفاء والأحرار ؟! أرضيتم بحكم الراقصات والفاجرات ؟! أرضيتم بالتبعية لبني الغرب والشرق بني صهيون ؟! أرضيتم أن نكون أمة متخلفة في ذيل الأمم ولا نكون أمة رائدة أستاذة للعالم كما كانت ؟! وما أصابنا كل هذا إلا بحكم العسكر منذ عقود . فلم ترضون بحكم الذل والعار حكم العسكر ؟!!!
{ إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }والكلام للشهيد سيد قطب: والعذاب الذي يتهددهم ليس عذاب الآخرة وحده ، فهو كذلك عذاب الدنيا. عذاب الذلة التي تصيب القاعدين عن الجهاد والكفاح، والغلبة عليهم للأعداء، والحرمان من الخيرات واستغلالها للمعادين وهم مع ذلك كله يخسرون من النفوس والأموال أضعاف ما يخسرون في الكفاح والجهاد ويقدِّمُون على مذبح الذل أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة لو قدَّمُوا لها الفداء. وما من أمة تركت الجهاد إلا ضرب اللّه عليها الذل ، فدفعت مرغمة صاغرة لأعدائها أضعاف ما كان يتطلبه منها كفاح الأعداء. (3)
عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة :
أكدت النصوص من السنة أن القعود عن الجهاد والرضا والرضوخ للظلم والظالمين عقابه الذل والصغار والعذاب ومنها:
قوله صلى الله عليه وسلم « إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى
دِينِكُمْ » (4) وقَالَ « مَا تَرَكَ قَوْمٌ الْجِهَادَ إِلَّا عَمَّهُمُ اللهُ بِالْعَذَابِ » (5) وقال «....لاَ قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لاَ يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ » (6)
وغير متعتع بفتح التاء أي مِن غير أن يصيبه أذى يقلقه ويزعجه."
وهذا ينطبق تمام الانطباق علي شعبنا في مراكز الشرطة في المستشفيات في المصالح الحكومية لا كرامة للإنسان , لك واسطة تأخذ حقك وإلا فلا قيمة لك .
وفي الحديث « إِذَا رَأَيْتُمْ أُمَّتِى تَهَابُ الْظَالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ إِنَّكَ أَنْتَ ظَالِمٌ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ » (7) وأيضا « مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » (8)
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا ( عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ » وَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِى ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُوا إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ » (9)
« لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ ( بالحاء المكسورة والراء الخفيفة- هو الفرج والمراد أنهم يستحلون الزنا.) وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ (أي الجبل) يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِى الْفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُوا ارْجِعْ إِلَيْنَا غَداً . فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ ( أي يهلكهم الله ) وَيَضَعُ الْعَلَمَ ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » (10)
« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلاَ يُنْكِرُوهُ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ » (11) فهذا الحديث الشريف يبين لنا فيه الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- أن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة إلا إذا انتشر المنكر بين الناس وأقروه ولم يحاولوا مقاومته، فهنا ينزل العذاب على العامة جزاءً وفاقًا؛ لأنهم لم تتغير وجوههم، ولم تحزن قلوبهم على حرمات الله المنتهكة ولم يتحركوا لتغيير المنكر .
عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ رضى الله عنها أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعاً يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ » . وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِى تَلِيهَا . قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ « نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ » (12) وأي خبث بعد ما يحدث في بلادنا ؟!
خائف ومتردد ؟! :
أتشعر بالخوف والتردد ؟ أم أنك تقول وما قيمة صوتي ؟ ويجيب رسولنا صلي الله عليه وسلم « لاَ يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَحْقِرُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ قَالَ « يَرَى أَمْرًا لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ ثُمَّ لاَ يَقُولُ فِيهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِى كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ خَشْيَةُ النَّاسِ .فَيَقُولُ فَإِيَّاىَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى » (13) وإن عجزت عن الخروج فلا تعجز عن مساعدة ومساندة من يخرج « مَنْ لَمْ يَغْزُ أَوْ يُجَهِّزْ غَازِياً أَوْ يَخْلُفْ غَازِياً فِى أَهْلِهِ بِخَيْرٍ أَصَابَهُ اللَّهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ » (14) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَنْفَرَ حَيًّا مِنَ الْعَرَبِ فَتَثَاقَلُوا فَنَزَلَتْ ( إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ) قَالَ كَانَ عَذَابَهُمْ حَبْسُ الْمَطَرِ عَنْهُمْ » (15)
عَنْ أَسْلَمَ أَبِى عِمْرَانَ التُّجِيبِىِّ قَالَ كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيماً مِنَ الرُّومِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا سُبْحَانَ اللَّهِ يُلْقِى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِىُّ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَلَوْ أَقَمْنَا فِى أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا ( وَأَنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاَحَهَا وَتَرَكْنَا الْغَزْوَ فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصاً فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِأَرْضِ الرُّومِ . (16)
ترك الجهاد والقعود خوفا علي الأموال أو الأولاد أو من الموت تهلكة .
قال عمر بن الخطاب: « خربت العرب وهي عامرة ، قالوا : ولم ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : إذا ظهر فجارها على أبرارها ، وساد القبيل العظيم منافقوه » {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (17)
كل هذه نصوص أردت أن أملأ سمعك وبصرك ولسانك بها لتزدد يقينا في الله .
ولتعلم أن الدين منتصر منتصر وأن الانقلاب منكسر منكسر بنا أو بغيرنا لأنه لا فلاح للمفسدين فلنعمل أن ننال هذا الشرف وساعتها يكون فوز الدنيا والآخرة وهذه سنة الله التي لا تبدل ؛ نصره للحق مهما طال الأمد وليست هذه أول معركة ينهزم فيها الباطل ويندحر , فكما كانت المعركة الأولي في رحلة الهجرة تكون معركتنا الآن { إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ} يوم أن خرج الرسول وحيدا مع صاحبه الصديق ليس معهما جيش أو شرطة أو حراسة ليس معهما أي سلاح وعدوهم كثر معهم السلاح والمال والجاه والسلطان وكل شيء ومع كل هذا فلتطمئن قلبا ولتهدأ بالا ولتقَرَّ عينا ولا تخزن ما كنت مع الله معتصما بالله مجاهدا في سبيل الله فإن تجردت من كل قوة وفزت بقوة الله ومعية الله فلن تغلب , وعدوك إن ملك كل القوي فقد خسر قوة الله فلا بد أن يقهر{إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}
ولا تسأل كيف ؟ فما عليك إلا الجهاد والعمل والحكم لله يفصل بين الحق والباطل ويدبر بحكمته ويحكم بإرادته كما يشاء وإذا أراد هيأ لإرادته الجنود والأسباب {... وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ}(18) { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } سيد قطب : فكلمة اللّه هي العليا طبيعة وأصلا ، بدون تصيير متعلق بحادثة معينة. واللّه «عزيز» لا يذل أولياؤه «حكيم» يقدر النصر في حينه لمن يستحقه. ذلك مثل على نصرة اللّه لرسوله ولكلمته واللّه قادر على أن يعيده على أيدي قوم آخرين غير الذين يتثاقلون ويتباطأون. وهو مثل من الواقع إن كانوا في حاجة بعد قول اللّه إلى دليل! وفي ظلال هذا المثل الواقع المؤثر يدعوهم إلى النفرة العامة ، لا يعوقهم معوق. ولا يقعد بهم طارئ ، إن كانوا يريدون لأنفسهم الخير في هذه الأرض وفي الدار الآخرة (19)
فوالله ليذلَّنَّ الله الانقلابيين وليكسِرَنَّ الله الانقلاب لاشك عندي في ذلك , فما عليكم إلا النفرة والإعذار إلي الله { انْفِرُوا } انزلوا وواجهوا الباطل اقطعوا طريق الظلم أعلنوها كلمة حق أمام العالم وأمام الله انزلوا وأنتم خائفون وأنتم ضعفاء وأنتم قلة انفروا علي كل حال { خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
وإلا نفعل يأتي الله بمن ينصر دينه ويبيع لذلك كل متاع الدنيا ويكون هذا قدحا في عقيدتنا وضعفا في إيماننا ففي الحديث « مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ » (20)
فالقعود عن الجهاد وعدم مجابهة الظلم نفاق واستزلال من الشيطان {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (21)
وجنس الجهاد فرض عين:
إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، وإما باليد والقلم وكل وسيلة شرعية. فيجب على المسلم أن يجاهد في سبيل الله بنوع من هذه الأنواع حسب الحاجة والقدرة. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ » (22) تمكيناً لدين الله وإقامة شرعه وأن نخلي بين الناس وبين دينهم وبتعبير عصري إعطاء الناس حرية الاعتقاد وحرية ممارسة العبادة , ونصرةً للمظلومين، وردًّا للعدوان وحفظاً للإسلام ورداً للبغاة المعتدين وللدفاع عن الدين، والنفس، والأهل والمال. قَالَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم « مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ » (23)
وقال أيضا « مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ » (24)
وقَالَ « مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ » (25)
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِى قَالَ « فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ » . قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِى قَالَ « قَاتِلْهُ » . قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِى قَالَ « فَأَنْتَ شَهِيدٌ » . قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ « هُوَ فِى النَّارِ » (26)
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عُدِىَ عَلَى مَالِى قَالَ « فَانْشُدْ بِاللَّهِ » . قَالَ فَإِنْ أَبَوْا عَلَىَّ . قَالَ « فَانْشُدْ بِاللَّهِ » . قَالَ فَإِنْ أَبَوْا عَلَىَّ . قَالَ « فَانْشُدْ بِاللَّهِ » . قَالَ فَإِنْ أَبَوْا عَلَىَّ قَالَ « فَقَاتِلْ فَإِنْ قُتِلْتَ فَفِى الْجَنَّةِ وَإِنْ قَتَلْتَ فَفِى النَّارِ » (27)
والنصوص لم تحدد كم هي النقود التي من أجلها يقاتل المسلم ويُقتل وإننا لم تسرق منا حافظة نقود إنما سرقت منا حريتنا وثورتنا وإرادتنا سرقت
منا مصرنا سرقت منا نحن الشعب ثروات ومقدرات بلادنا وانتهكت حرمات نسائنا واعتدي علي أعراضنا وسرق منا ديننا .
الحراك الثوري أفضل الجهاد :
مجابهة الباطل جهاد في سبيل الله بل أفضل الجهاد والقائم بها إن أصيب بأي أذى فأجره علي الله وإن قتل فهو سيد الشهداء بمنزلة حمزة بن عبدالمطلب عم النبي صلي الله عليه وسلم وهو القائل { سيدُ الشهداءِ حمزةُ بنُ عبدِ المطلِبِ ورجلٌ قامَ إلى إمامٍ جائِرٍ فأمَرَهُ ونهاهُ فقتَلَهُ } (28)
وأيضا « أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ » . أَوْ « أَمِيرٍ جَائِرٍ » (29)
وفي الحديث « .... أَلاَ إِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ أَلاَ وَأَكْبَرُ الْغَدْرِ غَدْرُ أَمِيرِ عَامَّةٍ أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ رَجُلاً مَهَابَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْحَقِّ إِذَا عَلِمَهُ أَلاَ إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ » (30)
{ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(31)
[email protected]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (التوبة :38-41)
(2) ظلال القرآن :سيد قطب
(3) ظلال القرآن :سيد قطب
(4) رواه أبو داود عن ابن عمر وصححه الألباني
(5) رواه الطبراني بإسناد حسنه الألباني .
(6) رواه ابن ماجة عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وصححه الألباني قال البوصيري " هذا إسناد صحيح رجاله ثقات
(7) قال أحمد شاكر إسناده صحيح وصححه السيوطي. من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
(8) رواه أحمد عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ وحسنه السيوطي.
(9) رواه الترمذي وأبو داود وأحمد وصححه الألباني والسيوطي وأحمد شاكر والنووي.
(10) رواه البخاري عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِىُّ
(11) رواه أحمد
(12) رواه البخاري
(13) رواه ابن ماجة عَنْ أَبِى سَعِيدٍ وقال ابن حجر العسقلاني حسن ولأصل الحديث طرق أخرى (الأمالي المطلقة).
(14) أخرجه أبو داود والدارمي وابن ماجه والطبراني عَنْ أَبِى أُمَامَةَ وحسنه الألباني
(15) رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وعبد بن حميد والبيهقي أبو داود
(16) رواه الترمذي وقال حديث غريب صحيح وصححه الألباني .
(17) (الإسراء :16)
(18) [المدثر : 31]
(19) ظلال القرآن :سيد قطب
(20) رواه مسلم وأبو داود والنسائي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
(21) [آل عمران : 155]
(22) رواه أبو داود والنسائي وأحمد واللفظ له عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وصححه الألباني
(23) البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنهما
(24) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وقال الترمذي حديث حسن صحيح وصححه الألباني
(25) رواه النسائي وأحمد عَنْ أَبِى جَعْفَرٍ وصححه الألباني
(26) رواه مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
(27) رواه النسائي وأحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وصححه الألباني
(28) رواه الترمذي عن جابر رضي الله عنه والحاكم وقال صحيح الإسناد وصححه الألباني.
(29) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وصححه الألباني
(30) رواه أحمد عَنْ أَبِى سَعِيدٍ
(31) [الصافات : 181-182]