عبدالعزيز مجاور

(لو أنا مش قادر أديك هتكلوا مصر يعني) (أنتو هتاكلوا مصر يا مصريين) كانت تلك الكلمات التي قالها قائد الانقلاب العسكري للرد على المطالبين بحقهم في حد أدنى للعيشة الكريمة، وهي كفيلة بتلخيص كيف ينظر العسكر للشعب المصري، فالدولة في مفهومهم تختلف عن المفاهيم التقليدية من حيث أنها تحوي إقليم وشعب وسلطة حاكمة لتتقلص إلى حفنة عسكر مصالحهم هي مصالح الدولة وإرادتهم هي إرادة الدولة فهم الدولة التي في سبيل تحقيق أغراضها الغير شريفة يتم قتل الشعب صاحب الحق الأصيل في الأرض والسلطة.

ولكن مفهوم (الدولة- العسكر) لا يتوقف عند مجموعة العسكر بل يتمحور حول شخص واحد ليتحول إلى (الدولة-السيسي) فإذا طالبت بإسقاطه فأنت تطالب بإسقاط الدولة وإذا تجرأت ووجهت نقداً له فقد وجهت سهامك نحو الدولة، لذا يقوم عباس مدير مكتبه وصاحب التسريبات الشهيرة بإلقاء الأوامر للنائب العام برفع حظر السفر عن أبن المفكر الكبير، والتلاعب بقضايا القتل لسجناء الرأي، ومنع صوت الرئيس مرسي ووضعه في صندوق زجاجي يحجبه عن الجميع، وعلى النائب العام أن ينفذ لأنه يشعر أنه بفعله هذا يحافظ على رضاء الدولة وحتى تتحقق أحلام وآمال مصر أقصد قائد الانقلاب، ولربما كانت زلة اللسان التي قالها القاضي الذي يحاكم الرئيس مرسي عندما سأله عن وظيفته فرد سريعاً أنه رئيس جنايات مصر ولك أن تتخيل الإجابة وتعلم مدى صحتها باستبدال مصر بمرادفاتها في مفهوم العسكر.

 ولأن المصريين لا ينبغي أن يأكلوا مصر، ولأنهم ليس لهم حق فيها، فمن الطبيعي أن يتم قتلهم بدماء باردة بتحريض فاضح من وسائل الإعلام التي تتلقى تعليماتها من عباس مدير مكتب مصر، ليتحولوا إلى أرقام يتم قتلهم بلا محاسبة لأحد.

ولأن الثوار في شوارع مصر يدركون جيداً أن أرض مصر ومقدراتها ملك لهم، وأنهم وحدهم أصحاب الحق الأصيل في تحديد من يحكمهم، ولأنهم ثاروا أكثر من ثمانية عشر شهراً في سلمية تامة يخرجون في المظاهرات فيتم قتلهم ولا تفرق الرصاصات بين شيخ كبير أو شاب او فتاة صغيرة، وفي كل مرة يخرج علينا وزير داخلية الانقلاب باتهام المتظاهرين بقتل أنفسهم، وأن العسكر بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فكان التطور المتوقع والذي نادى به الكثير أن يدافع المتظاهرين عن أنفسهم بسلمية مبدعة بعيدة عن حمل السلاح، وكانت الذكرى الرابعة للثورة يوماً مشهوداً من مظاهرات سلمية خرجت من كل ربوع مصر تطالب باسترداد ما سلب منها، والقصاص للشهداء الذين ارتقوا منذ يناير/كانون الثاني 2011 وحتى كتابة هذه السطور.

هذا التطور الذي ظهرت فيه حركات شبابية ثورية قررت ألا تترك سفينة الوطن للعسكر ليغرقوها ويغرقوا أهلها، فكانت العمليات الثورية التي تخرق تلك السفينة كما فعل الخضر في قصة موسى عليه السلام حتى لا يأتي من يأخذ كل سفينة غصبا، وهذا التطور يؤكد أن الشباب هو من يقود الثورة فلا يحمل معه حسابات الشيوخ وتخوفاتهم.

لقد أثبتت الموجة الثورية الجديدة بتطورها الإيجابي أن الثورة مازالت مشتعلة في نفوس الشباب، ولقد كانت ملحمة المطرية بالقاهرة وصمود شبابها أكبر دليل على ذلك، رغم ارتقاء نحو 20 شهيداً برصاص العسكر ولم يعبئ الشباب بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع واستمروا في فعاليتهم ومقاومتهم للقتلة بسلمية مبدعة.

لو جاز لنا اختزال مفهوم الدولة في أحد مكوناتها فلن يكون إلا الشعب، ولو صح تمثيل أحد عن هذا الشعب فلن يكون إلا الشباب الذي عرف طريق الحرية ولن يحيد عنها، وعلى العسكر وحلفائهم في الخارج أن يعي الدرس جيداً، لأن العمل الثوري إذا بدأ فلن يكون له ثقف يقف عنده، وإذا كانت هذه موجة ثورية جديدة فمن المؤكد أن لها ما بعدها، ولن ينفع عندها أوامر مدير مكتب مصر.