بقلم: محمد ثابت

    أزعم إن الصراع الدائر على أشده الآن في مصر أنسى الكثيرين، من آسف إنسانيتهم، بخاصة "بعض" الإسلاميين من آسف شديد ثانية، أما أتباع السيسي والعلمانيين والليبراليين وأذناب العسكر فهولاء لم تكن لديهم إنسانية من الأصل، وأوضحتْ الأيام مقدار "الدونية" في قلوبهم والوقاحة في نفوسهم، إذ يأكلون ويشربون ويتناسلون كالثعابين، ويلوكون شهادة الباطل بأفواههم وعمل أيديهم..                                                                              
   مساء الجمعة والسبت الماضي استبق الإنقلاب في مصر الذكرى الرابعة للثورة بقتل اثنتين من زهرات الوطن، الشهيدة سندس أبو بكر مساء الجمعة، والشهيدة شيماء الصباغ مساء السبت، وكلنا أمل في ان يتقبلهما رب العزة ضمن موكب شهيدات الثورة، غير إننا فوجئنا بطوفان من كلمات المنتسبين إلى الإسلام يسألون عن سر الاهتمام بشهيدة السبت شيماء غير المحجبة ولا المنتمية لما يُسمى بمناصرة الشرعية وتناسي الشهيدة، بإذن الله، سندس أبو بكر المحجبة المناصرة للشرعية وهي ذات سبعة عشر ربيعاً فقط..                                  
    الأسئلة التي ملئت فضاء العالم الافتراضي وصفحات التواصل الاجتماعي عصفت بحقائق أشد ضراوة، فضلاً عن أهمية، وأثارت أسئلة بالغة المرارة بدلاً منها، بل صعبت من مهمة من يريد التجاوز عنها، كما هو المعتاد في مثل قضايا اليوم التي بدأت بالالتباس بخاصة فيما يخص الدماء! وجعلها على هيئة نقاط مرقمة أراه أفضل للعارض لها والمتلقي:                                                                   
1ـ قلنا وكررنا من قبل إن أزمة الاتيار الإسلامي اليوم في جزء منها "أزمة صورة"، أي عدم مواكبة الصورة للمأساة الشديدة التي نمر بها، بمعنى إن استشهاد، رحمة الله عليه، الدكتور طارق الجوهري هزّ مصر كلها، واجبر صاحب كل قلم حر على تناول مأساته، وقد يكون في الشهداء، بخاصة الاطفال والشهيدات، من هو أشد ضراوة من مأساته ولكن نظراً للحساسية داخل التيار الإسلامي من التصوير، بخاصة لما يرتبط بمأساة مثل الموت في ظل المأساة الإنقلابية الضارية.. فإن الأمر يصبح أشد تعقيداً، والقراءة الأولية لتأثير قصة شيماء الصباغ يقول إن الأمر مرتبط ب"فيديو" نقل طريقة مقتلها وأبكت حتى مصطفى العطار القيادي المُسن .. فهل خان دماء الشهيدات الأخريات؟..                                                           
2ـ حينما يكتب كاتب.. مخلص شريف.. عن أنهار الدماء في مصر فإنما يأسى لكل شهيد وشهيدة، ولو كانت كلماته خاصة بشهيدة فإنما الدم كله حرام، وإذا كان الإسلاميون أنفسهم يعيبون على غيرهم عدم استنكار الدم كله، فكيف يعيبون على أنفسهم عدم استنكار الدم العلماني والليبرالي ضمن منظومة استنكار القتل كله.. سياسياً؟!                                 
3ـ لما يخرج قائد الإنقلاب "عبد الفتاح السيسي" بنفسه ليقول إنه يعطي مهلة للمخابرات أربعة وعشرين ساعة من يوم الأحد الماضي لكشف لغز مقتل شيماء الصباغ فإن الإسلاميين فاتهم الكثير لفهم الحادث الذي هو أكثر بمراحل من القول بإن "قتلها" جاء للقول لإثبات إن العلمانيين والعلمانيات كانوا "معنا" "حال حدوث النصر"، كما قالت إحدى الأخوات الفضليات على الفيس بوك، وبالتالي فإن التصوير الرائق بالفيديو، الذي صاحب مقتلها كان عملاً مخابراتياً أو من تمام العمل المخابراتي بامتياز شديد،..وهو المتمم لقتلها، وهنا يصبح تصويرها أحد خدع الإنقلاب بجدارة..من باب "محاولة الإنقلاب" على السيسي بإهانته لدى الغرب بقتل شيماء وأثبات عدم سيطرته على الاوضاع!                                          
4ـ ووفقاً لهذا السياق الأقرب للعقل فإن أجهزة مخابراتية ترصد سقوطاً بطيئاً للغاية، من وجهة نظرها، للسيسي لذلك فهي تعجل بسقوطه، عبر قتل شيماء وتسريبات الجزيرة والشرق ومكملين التي لم تنته بعد.. وطبعاً مر الخبر الذي نشرته المصريون الأحد مرور الكرام!      
5ـ الغرب قام والبرادعي ومن دار دورهم ولف لفهم أدان.. وما أدانوا ولن يدينوا الدم الإسلامي، هؤلاء لا يهمهم الدم ولو كان علمانياً ليبرالياً اشتراكياً .. هؤلاء يهمهم استمرار مصر كما يريدونها، والإبانة عن حقدهم للتيار الإسلامي مثلهم مثل أكابر الحزب الذي نظم المظاهرة وهربوا لما بدأتْ عملية قتلها.. وهي لواحدة منهم..                                     
6ـ لكن المأساة فينا نحن لما نرد الكيل للغرب وأتباعه في بلادنا بنفس مكيالهم، بخاصة الاشتراكيين وغيرهم، ونبطن عدم البكاء على "شهدائهم" ونأتي بأسانيد عقلية وشرعية على ذلك، بداية من فيديو "شتم" الراحلة والشهيدة بإذن الله شيماء للإخوان، ونهاية بفيديو رغبتها في حضور حصة التربية الدينية مع المسيحيين .. يا سادة ألا يكفيكم أن الله اختارها للشهادة .. وأخركم.. وأخر صاحب هذه الكلمات؟!                                                            
   أو ليس قتلها على هذا النحو مبرراً "ظاهرياً على الأقل" لغفران ملك الملوك لها ذنوبها، ومن منكم يجزم بمن الشهيد والشهيدة "شرعياً"؟                                                   
                                                          
     ألا إن بوادر احتدام الصدام بين التيار الإسلامي وغيره حتى بعد سقوط أو إسقاط الإنقلاب قد بدات تظهر .. ألا فتعقبوها.. ولينتبه القادة إليها كما ينتبهون لأماكن التظاهرات واستراتيجية المظاهرات..                                                                                         
    اللهم ارحم وأعف وسامح بفضلك لا بعدلك: سندس أبو بكر.. وشيماء الصباغ وكل شهداء الثورة المصرية أمس واليوم وغداً..