بقلم: محمد ثابت
ويل للخلي من الشجي ..
كلما نظرتُ في الأيام وتداعياتها وما تأتي به تذكرتُ قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لو تعلمون الغيب لاخترتم الواقع، صدقت يا حبيبي يا رسول الله..
كلما تذكرتُ الفترة التي مرت من عمري منذ السبعينيات ووعيّ على الحياة، والثمانينيات ومحاولتي اللحوق بركب المستقبل، وكنتُ أظنني سأسعد جميع البشر، ويعلمون محبتي لهم فيبادلونني الشعور بل الأفعال، ثم التسعينيات واكتشافي إن الواقع العملي بالغ المرارة، وإن السادة من أتباع مبارك وأجهزته السيادية لم يتركوا بشراً ولا شجراً فيه الرمق والاخضرار إلا حاولوا القضاء عليه، أما العشر سنوات الأولى من الألفية الجديدة فكانت امتحاناً صعباً للثبات وفقني الله فيه ضمن زمرة من الذين يظنون أنفسهم سائرين إليه، اللهم تقبل..
رغم الكرب، الذي علم الله به إبانها، إلا إنه تعالى يعرف كم كان مثلي صافي النفس، وإن كان مثلي في غربة يجوب أفخم أنواع الفنادق، ويرى ما لا يُرى من ملذات الطعام بالذات، ويخجل من نفسه لإنه يعرف إن فقراء في بلده لا يجدون لقمة من تلال الطعام التي ترمى عقب الفعاليات الصحفية الإعلامية التي يدعا إليها بصفته صحفياً في أرقى صحيفة خليجية وراتبه لا يكفي لتأجير شقة لمجىء زوجه وصغاره، وكنتُ أردد مع ناظم حكمت، رحمه الله، إنني شديد الخجل من نفسي لتركي وحيداً في هذه البلاد ..
ولكني كنتُ صافي النفس مثلي كمثل ملايين الملايين المصريين والمسلمين بوجه خاص .. أطبق سلامة النيّة على ما يصلني من أخبار العلماء وأراهم على خير، وأسخر من سخرية الزملاء في الجريدة الليبرالية العلمانية بمحرر فيها في ابرز مكاتبها، وأحد أغلى مدن العالم الثريّة بالفعاليات المستجلبة خصيصاً من باريس ولندن بل واشنطون.. وهو متعلق بإهداب دينه..
ذات صباح حدثتني أكثرهم أدباً ومهنية:
ـ الشيخ محمد حسان مين يا عزيزي الذي تحسن الظن به؟..إنه يسكن بجوارنا وأحد أبنائه الصغار أسمعنا ما لم نسمع في حياتنا ..
كنتُ أعرف إن الشيطان من أبرز وسائله لإبعاد الناس عن الدين.. تشويه صورة العلماء في نفوسهم، ولم تكن الحكاية كاشفة فلم تجرح صورة الرجل، أو من كنتُ أظنه كذلك لديّ، ولإنني كنت الخلي.. فقد محوتُ المحاورة من الوجدان .. وسبحان من علم الإنسان ما لم يكن يعلم ولم يكن يخطر له على بال، وفجيعتي ليست في حسان وحده بل أتراب له كثر..
سمعتُ الشيخ محمد عبد المقصود في رابعة يقول له:
ـ يا أيها الأحمق الشباب التي حرقت شمس يوليو في الحر أقمصتهم وفي الصيام يعودون إلى بيوتهم لأجل وعد تحمله بإن السيسي لن يتعرض لهم؟ وهل هم جبناء يريدون السلامة مثلك؟
وكان أقصى ما فهمته، بعقلي المحدود عن "ذنب" الحياة إن الرجل منسحب من المشهد .. لكنه يريد أن يكون في صدارته .. كما اعتاد .. حتى وهو منسحب..
وهو الرجل الذي كان في صدارة المشهد الديني وبخاصة بالرقائق بعد وفاة الشيخ الشعراوي، رحمه الله وطيّب ثراه وجعل الجنة مثواه..
ولكن الأيام جاءت بما لم يكن يخطر على بال:
منذ أيام قال الشيخ سلامة عبد القوي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف إنه يتحدى حسان في قول كلمة الحق في السيسي وعصفه أو محاولات عصفه بمظاهر الدين في مصر، وصمت الشيخ كالعادة.. ولكن السيسي لم يصمت إذ قال في لقاء له مؤخراً إنه برىء من دماء معتصمي رابعة والنهضة، الآلاف التي قُدرت بستة على الأقل، وإن العتب على الشيخ حسان لإنه ألقى بمبادرة صلح مع الإخوان لم تنجح، ومضمون الكلام إن الإخوان لم يكونوا على حق وإلا لانحاز إليهم حسان!
وصمت الشيخ صمت القبور، مع الاعتذار للأبرياء الأتقياء الأنقياء الذين في القبور!
ولكن مفآجأة نفس اليوم، الأربعاء الماضي، جاءت على يد الشيخ سلامة نفسه..
فيديو من قناة الرحمة قبل الإنقلاب على الرئيس مرسي.. والقناة الأخيرة مملوكة لمحمد حسان وآل بيته، وفيها يقول شاب مدعي إنه شاعر عامية عن الرئيس مرسي وفترته:
والدم سال غرق كل ميدان!
وريسنا "مصهين ولا على باله"
أبو دم خفيف .. إيه إللي جرالّه؟!
....
فين الشرع ياريس قول؟
....
ياريس مرسي أنا كافر بيك
ياتديرها يا تسيبنا وتمشي
الله يخليك!
هذا الكلام يُقال قبل الإنقلاب لمن شهد القاصي والداني بحفاظه على الأرواح .. وعدم قدرته على العصف بمعارضيه ولو حملوا السلاح عليه.. وهذا الكلام في حضور الشيخ محمود المصري، العالم صديق حسان، ولو لم يكن على هوى الأخير ما أذيع منه فيمتو ثانية..
ألا يا نعرة حياء الرجال أين أنت؟!
يا شيخ حسان ألا ترعوي وتقول كلمة حق في مظاهر وشعائر دين يراد لهما أن يزالا من مصر؟
ألا تنطق بعدما سجنت البنات والنساء فكن أكثر رجولة منك في زمن الإنقلاب؟
ألا تقول لمن أراق الدماء .. وقتل الشرفاء كلمة حق؟
أمثال أبنائك تكسر اعناقهم ولا ينامون الليل في البيوت.. والصغار قبل الكبار يعانون الجوع قبل الفقد .. أفلا تقول كلمة واحدة لله كالرجال قبل المسلمين؟!
ستموت عما قريب وتحشر إلى الله وحدك .. فماذا ستقول له عما يحدث في بلدك اليوم؟ وكيف ستعتذر لرسوله، صلى الله عليه وسلم، ألم تعلم إن لقمة قُدرت لك لن يأكلها غيرك.. وإن صمتك لن يعفيك مما كتبه الله لك .. أين القرآن وكلمات العزيز الحكيم عن الرزق والموت ..
يا فضيلة الشيخ:
كن رجلاً على قدر المسئولية كما كانت وتكون النساء اليوم!