د / إبراهيم كامل محمد
الحمد لله القائل في كتابه " فإذا عزمت فتوكل على الله " وقال أيضا "ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " والصلاة والسلام على رسول العالمين الذي بعث الهمم في نفوس المؤمنين فقال لهم " من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة " الترمذي بسند حسن – أدلج أي شمَّر في الطاعة بقوة ونشاط
ياأيها الأحرار أنتم المقصودون بكل حال والمشار إليهم بكل معنى
فعندما كتبت المقالة السابقة بعنوان " السعيد من سيذهب إلى الله في حياته " لأنني قصدت مخاطبة الأحرار وهم أهل الحق والشرعية بهذا العنوان " علو الهمة من سمو الغاية " حتى ننشغل بغايتنا والتي نصيح بها في الوجوه الكالحة والنفوس المشتراة والضمائر السيسية المنعدمة ولانلدغ مرة أخرى من الإبريلية والعلمانية وغيرها ولن نسمح لأحد يسرق نصرنا أو يتسلق أكتافنا فقد قدمنا أعز مانملك لله .
تأملوا معي حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ" الترمذي وصححه الألباني
هَمَّهُ) أَيْ قَصْدُهُ وَنِيَّتُهُ. (جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ) أَيْ جَعَلَهُ قَانِعًا بِالْكَفَافِ وَالْكِفَايَةِ كَيْ لَا يَتْعَبَ فِي طَلَبِ الزِّيَادَةِ (وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ) أَيْ أُمُورَهُ الْمُتَفَرِّقَةَ بِأَنْ جَعَلَهُ مَجْمُوعَ الْخَاطِرِ بِتَهْيِئَةِ أَسْبَابِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِهِ– انظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري
فصاحب الإرادة لابد أن يعيش الهمَّ أولا كما قال علماء اللغة " الهمُّ مبدؤ الإرادة والهمة نهايتها " وقال ابن سيده " الهمام: اسم من أسماء الملك لعظيم همته، وقيل: لأنـه إذا هـمَّ بأمر أمضـاه لا يُرد عنه بل يَنْفُذ كما أراد " انظر صلاح الأمة في علو الهمة
ياأيها الأحرار الأبطال
ليس في السَّيْرِ إلى الله توقُّف لأنكم لاترضون الدُّون أو الدنيَّة في الدين
فقد وهبتم النفس والمال لله وهذه بيعة رابحة وتجارة لن تبور لأن المشتري هو الله تعالى "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " التوبة 111
والسائرون إلى الله تتفاوت هممهم " ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِـمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْـخَيْرَاتِ بِإذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ " فاطر 32
هل تذكرون كلام فضيلة المرشد ؟
هل تذكرون عندما قال لقضاة جهنم بعد أن أصدروا الحكم الجائر على فضيلته ومن معه بالإعدام ؟
فقد صاح في وجه هؤلاء من مردة الشياطين الانقلابيين الصهيونييين " والله لاأنكص عن الحق " ثم قال " إننا لم نكن نهذَى حين قلنا : الموت في سبيل الله أسمى أمانينا "
هل تذكرون ماقاله فخامة الرئيس الشرعي محمد مرسي " الأسد الثائر " الذي لم تهتز له شعيرة وهو تحت تهديد جنرالات الجيش المصري " الأسير في يد الصهاينة المعتدين " عندما صاح في وجوههم وهم جلوس حوله فمنهم من يحمل مسدسه ومنهم من يحمل مدفعه ومنهم المدججون بالأسلحة الثقيلة حيث صاح في المصريين يذكرهم يأيام مجدهم وعِزِّهم " " ليعلم أبناؤنا أن آباءهم وأجدادهم كانوا رجالاً، لا يقبلون الضيم ولا ينزلون أبداً على رأي الفسدة ولا يعطون الدنية أبداً من وطنهم أو شرعيتهم أو دينهم " مما جعل هؤلاء الجنرالات – أشباه الرجال – يبولون في سراويلهم خوفا وهلعا من فخامته لأنهم لوتركوه سيلتهمهم ويطهر المصريين من ظلمهم وإجرامهم وسرقاتهم التي طالت كل بيوت المصريين لعقود طويلة من الزمن وسيلحق ضررُهم أجيالا مصرية لم تولد بعد .
أيها الأحرار شتان بين غاية وغاية
هؤلاء المجرمون السيسيون الانقلابيون غايتهم في الحياة أن تكون خزائنهم قاورنية وموائدهم فرعونية ووزارتهم هامانية على حساب الفقراء البسطاء الشرفاء ولاعجب من وصف القرآن لهم " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم " محمد 12 . وقال الله تعالى " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها مانشاء ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا " الإسراء 18 . لذا تراهم كالمهابيل لايفكرون إلا في شهواتهم ويقتلون حتى أبناءهم ونساءهم إذا فكروا مجرد الوقوف في طريقهم وهذه آسيا امرأة فرعون وكانت سيدة مصر الأولى فلما دخل الإيمان في قلبها لم ترض بجبروت فرعون وظلمه ، واختارت الله ورسوله ، فتخلص منها وخان سنوات العشرة ، لكنها قّدِمَتْ على رب رحيم يكرم أولياءه وعباده المؤمنين " وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين " التحريم
أضف إليهم ساستهم وقساوستهم وأصحاب اللحى الكاذبة من حزب الزور وغيرهم من الذين يلمعون –يلونون – لحاهم حسب لون جزمة القزم السيسي ويمرغون أنوفهم وجباههم تحت بيادة العسكر ، كل هؤلاء فقد فضح القرآن غاياتهم فقال " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون " الأعراف 175 – 176
أيها الأحرار اعلموا أن غايتكم واضحة ونيتكم صالحة ولهذا سترزقون النصر
قال تعالى " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " وقال صلى الله عليه وسلم " من سأل الله الشهادة بصدقٍ، بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه " رواه مسلم وغيره ، ولقد فاقت همتكم كل الهمم وسبقتها " " سبق درهم مائة ألف "، قالوا: يا رسول الله كيف يسبق درهم مائة ألف ؟
قال : رجل كان له درهمان ، فأخذ أحدهما ، فتصدق به ، وآخر له مال كثير ، فأخذ من عَرْضها مائة ألف " رواه أحمد وغيره
أيها الأحرار هل تعلمون أسرار شعاركم " الله غايتنا والرسول قدوتنا ... والموت في سبيل الله أسمى أمانينا " ؟
الله غايتكم أسمى الغايات وأحلى الأمنيات وبدونها تكون كل الغايات وضيعة ، الله غايتكم تحرك الصخور المتراكمة والجاثمة على النفوس لترفعها نحو المعالي ، الله غايتكم شعار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، الله غايتكم تجعل من الضعيف أسدا ثائرا وتجعل المارد الفرعوني السيسي فأرا في مصيدته حائرا ومن كان الله غايته فمن ذا الذي يقدر عليه ؟ فأين عبدالناصر وأين شهيد الإسلام سيد قطب ؟
وهؤلاء الانقلابيون يعلمون علم اليقين أنكم لم تكونوا تهذون أبدا في شعاراتكم ، ولاتهذون في كلمة واحدة من كلامكم التي قطعتموها على أنفسكم وحملتموها أمانة لدعوتكم ، وإلا لماذا انقلبوا على فخامة الرئيس الشرعي للبلاد والعباد ؟ لأنه أراد أن يحرر الأمة من عبوديتها ، تنتج رغيفها وسلاحها ودوائها ، كيف تهذون وقد سبقكم أعز أحبابكم وفلذات أكبادكم بعد أن بيضوا وجوهكم " وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون " آل عمران ، كيف تهذون وقد اخترتم هذا الشعار خصيصا لدعوتكم " ماركة مسجلة وحقوق الصدق محفوظة " ، وهو طريق الأنبياء من قبلكم ، وأتحدى غيركم أن تتبنوا هذا الشعار
وأخيرا فإن علو الهمة من سمو الغاية وإليكم الأدلة
1 – حال موسى عليه السلام قبل البعثة " وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين " القصص ، وبعد أن كلفه الله بالنبوة أصبح الله غايته فلم يخف بطش فرعون وجبروته ، بل دخل عليه في قصره " وقال موسى يافرعون إني رسول من رب العالمين . حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل " الأعراف ، بل وهدده ونهره وتحداه " قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يافرعون مثبورا " أي هالكا خاسرا
2 – سحرة فرعون كانت غايتهم وضيعة يريدون فقط أن يفوزا برضى فرعون وهداياه " وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين . قال نعم وإنكم لمن المقربين . قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين . قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم " الأعراف
لكنهم بعد إيمانهم بالله ورجوعهم إليه ورفعوا شعار الله غايتنا وتعاهدوا على نصرة نبيهم موسى لم يرهبهم تهديد فرعون وسيسي زمانه لهم " قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى " طه ، بل فضحوه وحقَّروا من شأنه ولم يبالوا بما سيصدره من إعدامات وتعذيب " قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ " طه
وفي الحديث بقية لننطلق نحو نصر الله بقلوب راضية وإيمان ثابت عميق " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " وسترون أعجب الأقدار من ربكم ولن يخذلكم ولن يتركم أعمالكم وسُحِق وسقط حكم العسكر