بقلم / محمد منصور
إن الأخ الصادق في رحلته مع كتيبة الحق إذا استُنفِر بادر و إن بادر أتقن و إن حمي الوطيس صبر ؛ فارس بالنهار في ميدان الدعوة و الحياة، يسحرك بأخلاقه وبالحق الذي بين جنبيه و بنفسيته التي أقبلت على الله ، متوهج توهج الأحجار الكريمة نور و لا نار، راهب بالليل قد نزع نفسه من بين أحضان الدنيا ؛ يلتمس الرضا و العون من رب السماء ؛ يدعوه : يدعوه ثبت قدمي في المضي على دربك و امنحني القوة للتضحية بالنفس في سبيلك و هب لي قوة الصبر و التحمل ) .
إذ قد علم أن حزن القلب و تحرك ماء العين لا يكفيان عندما تكون الثغور مكشوفة و العدو يتربص بدعوته الدوائر ، موقنا أن مداد الدعوة هو التضحيات و أن صاحب الدعوة الصادق هو أهل التضحية و الفداء الذي وصفه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : « مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِى الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ» وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته ) رواه الإمام احمد و ابن حبان .
هذا الغرس الطيب النبيل الذي تظهر قوة إيمانه في النكبات لا في الركعات و في الرزايا لا في الزوايا و الواقع و الواجب يفرضان عليه أن يخلع ثوب الكسل و حالة الترهل الدعوى التي لو صاحبت كل عمل مهما كان عظيما لكان هو و العدم سواء و قد حذر منها الشيخ محمد الغزالي فقال : ( إن العواطف الفاترة و الأنفاس الباردة لا تحمي حقا و لا تصون عرضا ) .
لذا فالأخ الصادق حياته شوق إلى الله ؛ من أجله يضحي بالغالي و الرخيص و النفس و النفيس حتى صارت حياته في هذا الجو الحركي النابض سعادةً لا يحلم بها أثرياء العالم حتى و لو كانت حياته في ظاهرها متقشفة خشنة متواضعة محددوة و لكن في قلبه من السعادة ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم إذ هو المقصود بالحديث القدسي : ( إن أغبط أوليائي عندي ـ أي أحق من يتمنى الناس مثل حاله ـ لمؤمن خفيف الحاذ ـ أي خفيف الظهر من العيال و متع الحياة ـ ذو حظ من الصلاة أحسن عبادة ربه و أطاعه في السر و كان غامضا في الناس و لا يشار إليه بالأصابع و كان رزقه كفافا فصبر على ذلك ، ثم نقر ـ صلى الله عليه و سلم ـ بإصبعيه فقال : عُجلت منيته ، قلت بواكيه ، قل تراثه ) رواه الترمذي و حسنه ابن ماجه .
و ما أجلى وأصدق قول الإمام المُجَدِّد حسن البنا، في وصفه حيث يقول: "أستطيع أن أتصور المجاهد شخصًا قد أعدَّ عُدَّتَه، وأخذ أهبته، وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه، فهو دائم التفكير، عظيم الاهتمام، على قدم الاستعداد أبدًا.. إن يُدْعَى أجاب، أو نُودِيَ لبّى، غدوه ورواحه، وحديثه وكلامه وجده ولعبه ، لا يتعدى الميدان الذي أعدَّ نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته، يجاهد في سبيلها، تقرأ في قسمات وجهه، وترى في بريق عينيه، وتسمع من فلتات لسانه ما يَدُلّك على ما يضطرم في قلبه من جوى لاصق وألم دفين، وما تفيض به نفسه من عزة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة".