د فتحى أبو الورد
من العبادات الاجتماعية المهمة التي يتعدى نفعها، ويمتد أثرها، نفع الناس، ومن أحب الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله إدخال السرور على القلوب بأية وسيلة، وبأية صورة، وبأي لون من ألوان القربات، وهذا جوهر رسالة الإسلام.
قال رسول الله : «أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كربًا، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا». أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج بإسناد حسن.
وفي الحديث عن أبي هريرة أن النبي قال: «من نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» رواه مسلم .
وقد نذر الصالحون أعمارهم لفعل الخير، وتمنوا لو طالت بهم الآجال في قضاء حوائج الناس.
قال المرداس بن حدير: يا ليت لي نفسين: نفسًا تجاهد في سبيل الله، ونفسًا تسعى للمسلمين في حوائجهم .
وقد وقفوا أموالهم في وجوه الخير والبر، وعرف التاريخ عن المسلمين نظام الوقف الخيري في أروع صوره.
لقد كانوا يرون أن قضاء حوائج الناس من العبادات الاجتماعية التي يتعدى نفعها، وهي أولى بالتقديم من القرب المحضة إذا تعارضتا، حتى قال الحسن البصري: لأن أقضي لأخ حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف شهرين .
وكان بعضهم يتفقد البيوت المحتاجة ويسألهم: هل لكم زيت؟ هل لكم ملح؟ هل لكم حاجة؟
ولما مات زين العابدين بن الحسين، وجدوا أثناء الغسل في ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب - الكيس - إلى بيوت الأرامل والمساكين.
ولما كتب الحجبة إلى عمر بن عبد العزيز أن يأمر للبيت بكسوة، كما كان يفعل من كان قبله، كتب إليهم: إني رأيت أن أجعل ذلك في أكباد جائعة، فإن الأكباد الجائعة أولى بالنفقة من كسوة البيت.
ولقد طرق سلفنا الصالح أبواب الخير كلها، وكان لهم في كل ميدان من ميادينه أثر كريم، حتى لا تكاد تجد بابًا من أبوابه إلا وجدتهم شهودًا على أعتابه، لقد أنفقوا في إطعام الطعام، وإكساء الحلل، وتفريج الكربات، وفك الأسير، ورعاية الأيتام، ومداواة المرضى، وسداد ديون المدينين، وتوفير المسكن لمن لا مسكن له، وإيواء الغريب، وتزويج المحتاجين من الفقراء، وتفطير الصائمين، والكفارة عمن وجبت عليه ولم يستطع أداءها، والمساهمة في إعداد الولائم لمن لا يستطيع ذلك، ونشر الدعوة والعلم، وتحمل الديات عن القاتل في القتل الخطأ، حتى قال القرطبي في هذا الصنيع في الدية: إنه مواساة محضة.