بقلم : محمد منصور

لقد أصبحت أتمنى أن أعيش بلا قلب ، فلا أشعر بخير الحياة و شرها و سرورها و حزنها ، و لولا الوفاء لدعوة الله و ما تربيت عليه في محاضنها لآثرت عالم الصمت .

و لم لا ؟! ... فما حدث  _ و لا يزال _ لا يُطاق ؛ مطاردة و سجن و تشريد و نفي و قتل ، و شياطين خرس تعرف الحق و تكتمه.

و مستبدون سفلة لا ينفع معهم تقليم أظافرهم ، و لا يتركون غرورهم ، مهما تلطف معهم المصلحون ؛ ذلك أن عقولهم المستبدة لا تعرف معنى التفاهم ، و لا تُطيق الأخذ و الرد للوصول إلى الحق ، و يكاد لا ينبعث صوت للخير حتى يلاحقه سوطهم يطلب إما خرسه و إما قتله.

و قضاة ظلمة لا يستحون من خيانة الشعب على الهواء مباشرة ، و لا مانع لديهم من أن يعيدوا الظالمين إلى مقاعدهم آمنين ؛ خوفاً من هفوة يحاسبهم عليها مٓنْ منحهم الأراضي و توريث القضاء و الكرسي الذي يجلسون عليه ؛ مخافة أن يسلبهم إياه ، أما إنصاف المظلوم و الضرب على يد الظالم و رد الحقوق إلى أهلها و إنزال العقوبات منازلها ، فهي عندهم ذيول و أذناب لا يأبهون لها و لا يحتفلون بشأنها.

و سياسيون أفاقون بضاعتهم الكذب و النفاق ، و قبلتهم المصلحة و المال ؛ قد لبسوا فروة السبع ، و اتخذوا من مصطلحاتهم و مراوغتهم أظفاراً كأظفاره و أنياباً كأنيابه ؛ فشحذوا الأولى و كشروا عن الأخرى ، ثم هجموا على مٓنْ عاونهم و حماهم بأرواحهم في أحرج لحظات الثورة هجمةً لا يعودون منها إلا بأنفس هؤلاء المناضلين النبلاء التي بين جنوبهم.

 و رغماً عن بشاعة المشهد و مفرداته القاسية ، فإن هناك ما يغسل الروح من الغم و الوجع و يسكب في قلبي الطمأنينة و يُذهب عنها القلق و يفيض عليها الرضى و الثقة و اليقين ؛ ذلك أن الله يرانا و يرى جهادنا و أنه سبحانه يعرف طاقتنا و لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، و أنه  _ و الكلام لسيد قطب _ "يهدي المؤمنين و يمدهم بالعون من عنده لاجتياز الامتحان ، حين تصدق منهم النية ، و تصح العزيمة ، و إذا كان البلاء مظهراً لحكمته، فاجتياز البلاء فضل رحمته " إن الله بالناس لرؤوف رحيم ".

و صدق من قال :
لا تأسفنَّ على غدرِ الزمانِ لطالما ---  رقصت على جثثِ الأســودِ كلابُ
لا تحسبن برقصها تعلوا على أسيادها --  تبقى الأسودُ أسوداً والكلابُ كِلابُ

و ليس من الجهد ما يُهدر ، و لكن النجاح قد يتأخر ، ( و يقولون : متى هو ؟ ، قل : عسى أن يكون قريباً ).