بقلم - عبدالعزيز مجاور
(الإطاحة بالرئيس تمت من خلال القضاء والمجلس العسكري) هكذا كتب كارتر عن الحالة المصرية في وسط حالات الربيع العربي في مقاله المنشورة بمركز الدراسات في فبراير الماضي، ولم يدر بذهنه أن القضاء سيصبح أداة من أدوات العسكر في محاولته اليائسة في تمرير الانقلاب وتثبيت أركانه من خلال أحكام الحبس للمعارضين، ولم يصل خيال أحد أن يصبح القضاء أداة للقتل كالرشاش والمدفع يطلق رصاصاته من خلال أحكام الإعدام التي تصدر في هيستيرية تحتاج لعلاج نفسي سريع لمن يصدرها.
فلم يكتفي القضاء بتبرئة قتلة أكثر من ألف شخص خلال ثورة يناير 2011، وما لحقها من أحداث في محمد محمود، وماسبيرو ومجلس الوزراء، وحصول الجميع وعلى رأسهم الرئيس المخلوع ووزير داخليته على براءة مشفوعة بشهادات ثناء وإشادة، وليس كافياً أيضاً أن القضاء وقف صامتاً أمام مقتل أكثر من سبعة آلاف منذ تاريخ الانقلاب وحتى نوفمبر 2014 ولم يقدم شخصاً واحداً للمحاكمة على الرغم من تصوير القتل في هذه المجازر بالصوت والصورة والنقل على الهواء مباشرة، واعتراف لجانهم لتقصي الحقائق بحدوث قتل ما فمن القاتل إذاً؟.
ولم يقتنع ذلك القضاء بحبس الفتيات والقصر بسنوات فاقت ما يحكم بها على تجار المخدرات أو ما تم الحكم به فعلاً على الضباط الذين قتلوا بضع وثلاثين شخصاً بسيارة ترحيلات (أبو زعبل)، أو التغاضي عن دعاوى التعذيب وسوء حالة المعتقلين في السجون والتعدي المستمر عليهم في محبسهم، أو استخدام وسيلة الحبس الاحتياطي لمدة تزيد عن العام ثم الحكم بالبراءة دون اعتذار.
لقد استصغر القضاء الشامخ دوره في اسقاط دولة الدستور والقانون، ودوره في نشر شريعة الغاب في المجتمع بتغاضيه عن أحكام القصاص، فتقدم خطوه باستخدام وسيلة أحكام الإعدام وارتضائه بأن يكون أداة للقتل كما أسلفنا، ويكفي أن تقرأ ما كتبته رضوى الشاطر نجلة نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، إن القاضي الذي ينظر في قضية والدها قال نصاً أن "اللي هياخد مؤبد يوزع شربات"، مشيرة إلى أن أحكام الإعدام هي الوسيلة الجديدة لقتل المعارضين وأن أحكام السجن المؤبد هي التخفيف.
إن ما تعيشه مصر منذ بداية الانقلاب وحتى الأن هو صورة من صور جريمة التطهير العرقي والقتل الجماعي ونوع من أنواع الإبادة لفصيل من الشعب المصري بسبب انتمائه الفكري، ويكفي أن تعرف أن أحكام الإعدام تتم بالجملة ففي قضية واحدة لقطع طريق تم الحكم على 683 مصرياً، وفي أخرى على 529، ليصل عدد المحكوم عليهم منذ يونيو 2013، وحتى نوفمبر 2014 عدده 1447 مصرياً بخلاف 188 تم الحكم عليهم في 2 ديسمبر فيما عرف بقضية كرداسة، والعدد مرشح للزيادة طالما بقيت المنظومة بلا محاسبة.
ترى ما الفرق إذاً ما بين ضابط يأمر بإطلاق الرصاص على متظاهرين وقاضي يأمر بالإعدام على أبرياء؟ والحقيقة إنه لا فرق بينهما، بل إن اطلاق مسمى قاضي على من يتجاهل أحكام القانون هو نوع من الظلم البين، ويكفي أن تدرك العلاقة بين قيادة الانقلاب ومجموعة من القضاة المنتقين بعناية لتمرير الجريمة من خلال التصريح الشهير لقائد الانقلاب في أحد تسريباته بأنه لن يحاكم ضابط أو جندي اعتدى على متظاهر، وهذا ما حدث بالفعل أو من خلال متابعة التسريب الأخير لمكتب ذات الشخص وهو يظهر كيف يشارك النائب العام في تزوير الأوراق الرسمية لتلفيق التهم والتلاعب بالأحكام.
ولكن ما الذي يدفع الانقلاب عبر قادته لاستخدام أحكام الإعدام على الرغم من أنها تقابل بمعارضة خارجية وانتقاد من المؤسسات الدولية؟ والإجابة تتلخص في دفع الشعب للعنف بعدما فشلت كل وسائل القمع في عسكرة الثورة المصرية، والعمل على إصابة الشعب بالإحباط واليأس من المقاومة والإذعان لقهر المؤسسة العسكرية، ولكن ينجح العسكر في كلا الأمرين.
ما يحدث بالفعل هو إبادة جماعية وجريمة ضد الانسانية مكتملة الأركان يجب أن لا تقف أمامها مؤسسات حقوق الإنسان العالمية مكتوفة الأيدي، ومخاطبة شعوب العالم الحر للضغط على حكوماتهم فلا تكتفي بإعلان القلق إزاء أحكام الإعدام، والمطالبة بإهدار كافة أحكام القضاء المسيسة، وعلى هيئات الدفاع أن تنأ بأنفسها عن المشاركة في تلك الجريمة ولتنسحب من كل القضايا، وتوجيه تهمة القتل العمد لهؤلاء القضاة مع إيداعهم فوراً مصحة نفسية للعلاج.