بقلم: محمد ثابت

     كانه كان ينظر بنور الله تعالى لما يحدث في مصر..
     تكاملت أمور لديه منها الدراية بشخصية الرئيس المخلوع الآن، الذي كان يحكم أثناء فترة حياة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي الأخيرة، رحمه الله تعالى، كما إنه دقق في طبائع الأمور ومن قبلها سنن الله الكونية، بخاصة في مصر، وقد عاشر شعبها على مدار عمره الطويل، باختصار روى لي الموقف التالي من لستُ أشك في صدقه، فكتمتُه أكثر من عام ونصف العام، ولكن صدى كلمات الموقف، على قلتها وبالغ حكمتها تردد بداخلي مئات المرات حتى كون قناعة موازية لسابق قناعتي بصدق راوي الموقف، حتى تكونت لدى صاحب هذه الكلمات قناعة جديدة أخرى بموافقة رؤية الإمام للواقع الحالي .. موافقة منطقية لإعماله عقله فيما تكون لديه من حقائق استشرف معها الغد دون التفاصيل الدقيقة ..
    قال الرجل:
     كان الإمام يحب بين الحين الآخر التخفي حتى من مريديه ومحبيه المحيطين به أغلب الوقت، ويركن إلى بيت ما في منطقة كرداسة بالهرم، توصله السيارة حتى بابه وتأخذه منه، ليعبد ربه ويتفكر في الكون على وجه رآه مفيداً من خلال تجربته، وفي عام قريب جداً من عام وفاته، لعله عام 1997م، ذهب الشيخ إلى ذلك البيت، واستدعى محدثي ليبقى معه وقتاً حدده، على أن يجىء آخر يؤنس وحدة الشيخ بقية الليلة ويقوم على خدمته، ولما صليا المغرب معاً، ويضيف الراوي أن الشيخ كان يصلي في البيت منعاً لتعرف الناس إليه، مع بعض التعب الذي كان يلم به لكبر السن، وقد توفي، رحمه الله، في مارس 1998م..
   فور انتهاء الشيخ من الصلاة رن جرس الهاتف المحمول، وكان جديداً آنذاك، فتغيرت أسارير الراحل، فلعل الرقم ليس مع كثيرين، ومعنى أن يطلبه أحدهم فإن الأمر جلل:
ـ متى سيتصل يا بني عشرة دقائق.. فقط قل له إنني رجل كبير لا أقوى على طول الانتظار .. السلام عليكم ..
    المتصل هو رئاسة الجمهورية تخبر الإمام إن المخلوع الآن .. الرئيس محمد حسني مبارك يود التحدث إليه، قال الشيخ لمحدثي:
ـ ليته ينسى أو يشغله شاغل عني .. فهو لا يتصل بي إلا نادراً ولما (يحزبه) أمر يخص الشرع .. ولا يجد عندي ما يناسبه دائماً، ولكن لله في خلقه شئون..
   دقائق وعاود المحمول الرنين:
ـ أهلاً وسهلاً .. تفضل .. لا هذا الأمر ليس مما يجيزه الشرع، ... وفقاً لما تقوله الآن فإن عليها التصرف في هذا الأمر فهو يخصها، وقد (كان) يخصك، ويلزمك توبة ..عنه..تريد تعويضها؟! نعم على ظان يكون من حر مالك لا مال الآخرين، نعم ليس من مال الشعب
يقول محدثي:
ـ كانت كلمات الشيخ قليلة، ويعطي الفرصة لمحدثه أكثر .. ويكرر نفس الكلمات مرة بعد اخرى مصراً على موقفه، مكرراً ليس لدي سوى حكم الشرع الذي ارتضاه الله.. ولا استطيع الفتيا بغيره.. لكن درجة تحمل الشيخ قلّت بعد حين قليل .. وأضاف:
ـ إن افتيا لك بذلك فالأمر يخصهما .. الدين واحد .. نعم .. لكن انظر يا (سيادته) لدي أمر يحسم الأمر بداخلك، ويواري على حيرتك التراب إلى الأبد، دعك من كلامي، لا ليس من كلامهما، بل من كلامي ثم كلامهما، وانظر إلى ما يرتاح إليه قلبك، وسأدعوا لك أن يوفقك  الله إلى الصواب .. لا ليس لدي ما أضيفه، وفي هذا الأمر لا تتعب احداً بالاتصال بي فلن اغير حكم الشرع الذي أنا متأكد به الآن .. وحتى ألقى الله.. وعليكم السلام يا (سيادته)..
   فور إغلاق الخط .. بدأ الضجر على وجه الإمام، رحمة الله عليه..
   حاول محدثي التوغل لمعرفة كنّه الفتيا، ومن (تلك) التي ينبغي عليها أن تتولى أمرها، لكن الشيخ أفاده بإنها أسرار أستؤمن الإمام عليها، وإن كان تعجب ممن يفتون بما يخالف الشرع مع علمهما بذلك، وأيضاً رغبة المخلوع في اخذ كلمة (جائز) من فمه هو ..
     أما القضية التي أهّمت الشيخ الإمام لحظتها فقد لخصها في كلمات:
ـ ستظل مصر من سىء إلى أسوأ فترة حياة هذا الرجل .
أما إذا مات، وهذا ما أرجو الله ألا أحضره وألا أراه، فإن المتنازعين على الحكم من بعده من عسكريين ويمكن مدنيين سيكون كأمواج البحر يضرب بعضهم بعضاً، ويضربون جميعهم الشاطىء، الذي هو مصر.. فترة طويلة، لعلها سنوات طويلة، يعلم مداها الله تعالى .. حتى تهدأ رويداً فرويداً .. وتستقر مصر، ولو استقراراً ظاهرياً من جديد ..
    رحمة الله تعالى على الإمام الراجل محمد متولي الشعراوي فقد كانت (رؤيته) عن واقع اليوم بالغة الدقة، وإن كان مبارك قد طال العمر به حتى يراها، ويشارك فيها بشره..