بقلم:محمد ثابت
لما قال أحد علماء الدين، وأحد من الذين أحسبهم على خير، ليلة اكتشاف وفاة الدكتور الشهيد، بإذن الله، الأربعاء الماضي، إن مثله كثيرون في السجون المصرية يمرضون ويتوفون ولا نعرف عنهم شيئاً أمنت على كلامه في نفسي، وسآلتها عن سر عدم (تمام) قدرتنا، نحن الذين نحسب إننا نمضي على طريق الحق، منحازين إلى الجانب الذي يغلب الحق على توجهاته وخطواته، وإن لم يخل من الخطأ للأمانة والحقيقة، يموت منا في السجون والبيوت والحجز والمعتقلات كل آن عشرات؟ ولا نقبل أن نسلم او نرفع راية الهزيمة معلنين إننا لم ننحز إلى جانب الرئيس الدكتور محمد مرسي، أو الإخوان المسلمين، ومن حقهما على كل حر أن ينصرهما ما استطاع ضد بغي وجور الجيش الذي كان من المفترض أن يدافع عنهما، وعن حدود مصر، لا أن يصوب سلاحه نحو وجه وظهر شعب اختار رئيساً على غير هوى المفسدين، وانحاز إليهم وإلى توجههم من آسف جيش مصر ..
لما قال الرجل الكلمات أدركت من جديد إن معركتنا جزء أصيل منها الإعلام، وإننا فاشلون بدرجة كبيرة في الأخير، وإن الله تعالى أراد للشهيد أن يعلمنا، بل يبهرنا حتى بعد موته، وإن الصديق عالم الدين أخطأ التقدير تماماً لما قال بإن مثله كثيرون، وإن صدق في المعلومة، وأخطأ الفهم، فبعد وفاة الشهيد بيومين، أي الجمعة الماضية فقط، توفي شهيد جديد، واليوم علمنا ان مهندسة اسمها سلوى عثمان توشك على الشهادة، اللهم هون عليها واحفظها، في سجون العسكر.. أما جديد الشهيد الدكتور الغندور .. بعد وفاته فتمثل في صور ثلاثة وشجاعة لا متناهية من أهله..
يتفوق علينا، نحن معاشر المنتسبين لشرف الإسلام، يتفوق علينا في تقنيات الصورة، إن لم يكن الإعلام كله، ولا أقصد بالتقنيات زوايا وقدرات الكاميرا، بل إلتقاط الصورة المأساوية المناسبة في اللحظة الخاطفة من عمر الزمن، ثم سرعة نشرها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ومنها إلى شاشات الفضائيات والصحف، الأمر لا يستلزم إلا دقائق معدودة وسرعة في اتخاذ القرار، وهم والغرب أساتذة في هذا، والأمثلة أكثر من أن تعد او تحصى، من مشاهد بكاء مدعي الثورية على أبيه الرجل الرجل الفاضل لكن الميت ميتة طبيعية، والمؤثر في الصورة أن الابن كان في السجن عند وفاة الأب، والسبب الاتهام بالتظاهر بغير ترخيص، ويبقى أن درجة الظلم الأقل يتم التركيز الكامل عليها بفعل صورة، فيما الظلم الذي لا حدود له نفتقد عنده الصورة، ربما لأسباب خارجة عن إرادتنا، أو تكاسل، وعدم فهم، والشهداء كثيرون برأي القائل..
ليلة استلمتْ أسرة الشهيد الغندور جثمانه، شرّف سريره من جديد، أما ابنه الأصغر فقد ظن أباه جاء إلى البيت بعد قرابة عام من الاعتقال، فنام، كالملاك إلى جوار الشهيد، فيما (ركنتْ) زوجة الشهيد رأسها على صدره وأخذت في البكاء، مشهد طبيعي في ظل هذه الأجواء، لكن ملتقط هذه الصورة، ورافعها على صفحات التواصل الاجتماعي أخذ قراراً شجاعاً بل نادراً في عالم الإسلاميين، ربما كان بعضهم يظن الضعف عيباً أن يبدو أمام عيون الآخرين، وربما كان البعض يتشدق بأمور أخرى، ولكن تبقى الشجاعة المتناهية من أهل الفقيد..
إنني أزعم إن هذه الصورة صوّرت المأساة بدقة متناهية، وايقظت قلوباً لم تكن آلاف المقالات لتوقظها، ورب صورة فاقت مليون كلمة!
أما الأصل في الموضوع فيعود إلى أفضال الراحل الشهيد الدكتور طارق الغندور علينا وعلى الصورة، الرجل العالم في الطب، الحافظ لكتاب الله المتمتع بوجه بالغ الإناقة، يعلمنا أنه سيظل وقوداً للثورة حتى بعد موته بعدة صور تمثل مأساة انتهاء حقوق الإنسان في مصر.. وتلك إحدى أبرز أفضال الشهيد علينا وعلى الثورة حتى بعد وفاته!