حازم سعيد :

 

تمهيد :

هذه هي المقالة الثالثة من سلسلة " نحو حسم ثوري لا يسرقه العسكري " .. وأخصصها اليوم للحديث عن العلمانيين ، ساعد على أن يكون هذا هو توقيت الحديث عنهم ضمن السلسلة ما جرى في الانتخابات التونسية من غلبة التيار العلماني ( الفلولي ) بستة عشر مقعداً حيث فاز بخمسة وثمانين وفاز النهضة بتسعة وستين .

وأقر النهضة ( إخوان تونس ) بالنتيجة وعدالتها ونزاهة العملية الانتخابية ، تبع ذلك احتفاءاً من العلمانيين بمصر وتونس بالنتيجة والثناء على النهضة وإقراره بها ، وتبرير بعض المنتسبين للتيار الإسلامي أن ذلك كان ذكاءاً ودهاءاً من النهضة بتونس وأنهم تعلموا من تجربة الإخوان بمصر ، وبالتالي لم يغالبوا وفقط ضمنوا ما يسمى بالثلث المعطل الذي يضمن عدم مرور تشريعات لا يرضون عنها ، وفي المقابل لا يتحملوا ضريبة الحكم لبلد أفسده حاكموه على مدار عقود مديدة ، كما حدث لإخوان مصر ...

 

1.  هل حقاً كان النهضة أذكى من إخوان مصر ؟ وهل نطمئن لذلك ؟

إن من يتحدث في هذا الموضوع فإنما يتحدث بالنظر تحت قدميه وبمآلات ما حدث باللحظة الراهنة والتي لا تمكن من الحكم على الأشياء لأنها جولة تدافع علا فيها صوت الباطل قليلاً بانقلاب عسكري خسيس .

وفكرة استفادة إخوان تونس من تجربة إخوان مصر هي فكرة تسعدني لأن الإخوان في تونس هم الإخوان في مصر ، ونصرة ما يتبناه الإخوان من أفكار وعقائد وأيديولوجيات في كل بقعة من بقاع الأرض هو واجب على كل أخ من الإخوان وكذلك فإن ما يسعد الإخوان في تونس بالقطع يسعدهم في مصر والعكس صحيح .

ويقيناً .. لا أعتقد أن هناك مقارنة من الأصل بين الحركة وبين الإخوان في مصر فالكل في سلة واحدة والمبدأ الذي يحرك الجميع واحد ( الله غايتنا - الرسول قدوتنا - القرآن دستورنا .... الخ ) .

وبنظرة مبدئية فإني - وللأسف الشديد - لا أطمئن لما أسفرت عنه النتيجة هناك ، فالموضوع في النهاية هو تمكن وغلبة للعلمانيين ، ومثلي بعد تجربة الإخوان المريرة بمصر لا يسعدني إلا تغلباً يدعمه قوة ، أما ساس يسوس فهو سائس سياسة ، تغلب أم شارك أم رضي بالثلث المعطل فإن كل ذلك يدخل تحت باب ضعفٍ محتمل أمام غلبة للآلة العسكرية التي يتحكم فيها العالم الصليبي والصهيوني ، حيث متى شاء فإنه يأتي بعميل خائن خسيس هاشتاج على ظهر الدبابة فيلغي تلك الساس يسوس فهو سائس سياسة .

يمكنني أن ألتمس عذراً للإخوان بتونس أن ذلك البلد كنت فيه منذ قريب لا تستطيع دخول المسجد إلا بكارنيه ، وشاهدت بعيني الحبيب بورقيبة وهو يخلع حجاب امرأة مسلمة مسنة عائدة من رحلة حج أو عمرة فقابلها في المطار وخلع بيديه الآثمتين حجاب تلك المرأة كي يقول أنه لا حجاب في تونس .

أما أن أبرر فوز النهضة بالمرتبة الثانية والثلث المعطل بأنه ذكاء ودهاء وحنكة واستفادة من التجربة المصرية فإني أرفض هذا التبرير وهذا المنطق .

والذي أفهمه شخصياً على أنه استفادة من تجربة مصر أن يكون لك قوة تدعم فوزك وغلبتك السياسية حتى لا يأتي الخائن بآلة إعلامية جبارة ومعه حشد خليط من الأيديولوجيين ( مسيحية وشيوعية وعلمانية ) وفريق من السذج البلهاء الذين لا يعرفون لم خرجوا ، مع قلة شباب تافه فاتته فرصة ثورة سابقة فأراد اللحاق بقطارها بدون فهم ولا فقه ، فينسف نسفاً - بقوة السلاح المدعومة من هؤلاء - غلبتك السياسية المستحقة ... ما عدا ذلك فلست أراه حنكة ولا استفادة من تجارب .

العلمانيون في كل بلد أثبتوا خسة ونذالة نجاسة ( معنوية من بعد حسية ) في تركيا وفي الجزائر وفي تونس وفي مصر ، وهم من بعد نقدٍ وشتيمة وتجريح لإخوان تونس ، يمتدحون الآن ويثنون بعد أن اطمئنوا للنتيجة !!!

 

2. شهادات العلمانيين للإخوان بعد معركة الجمل :

وعندنا في مصر تجربة قريبة بعد واقعة الجمل ، حين أثنى كثير من العلمانيين من أمثال ساويرس وممدوح حمزة وبلال فضل وغيرهم على الإخوان ، حين لم يكن هناك انتخابات ولا منافسات ، وقالوا في الإخوان شعراً ، وقالوا أنه لولا الإخوان لذبح الثوار في ميدان التحرير ، وأن الإخوان فصيل وطني ساهم في الثورة ، وأن ... وأن ....

فلما نافس الإخوان وفازوا في خمس جولات متتالية وظهرت قوتهم في الشارع ، إذا بهم يفعلون ما هو معلوم من تآمر وخسة ونجاسة وتهليل للانقلاب ورضا وتحريض على سفك الدماء البريئة الطاهرة وإظهار للدموية والفاشية والنازية  بصورة علنية صارخة ، ونسوا ما كانوا يقولون من قبل عن الإخوان وسلميتهم وطهارة يدهم وثوريتهم ووطنيتهم .

وكان أولئك النجساء أحد أهم دعائم الانقلاب وأركانه ومؤيديه وناصريه ، في تناقض بين في المبادئ والشعارات .

 

3. خسة العلمانيين : تتدروش أقبلك ، تنافس أو تحكم تبقى عدوي :

والمبدأ الرئيسي عند العلمانيين هو ، تتدروش وتتوافق وتزهد في الحكم والسلطة إذن فأنت وطني وأنت حر وأنت ثوري ، أما أن تحكم وتتحدث عن ما يطلقون عليه هم : " إسلام سياسي " ، ونطلق عليه نحن : الإسلام الشامل وتحكيم شرع الله ، وهيمنة الخالق العظيم على خلقه وأن له الخلق والأمر سبحانه ، فحينها فأنت العدو وأنت المتطرف وأنت الإرهابي .

وحينها فليس هناك شئ اسمه الديمقراطية ، أو كما قال ناعقهم " تولع الديمقراطية " ، وحينها ليس هناك ما يسمى " حرية الرأي أو التعبير أو الإبداع " ، فهذه الحريات هي في الانتقاص من كل الثوابت العقائدية ، تؤلف كتاباً عن الخالق العظيم وعن رسله الكرام وتسميهم " أولاد الإله " وتتعدى فيه على مقام الرب الكريم ثم تعيد التسمية فتقول " أولاد حارتنا " فهو الإبداع وحرية الرأي .

أما أن تكتب في تفسير القرآن أو توضح مبادئ من العقيدة لا يختلف حولها أحد وتسير الحياة في فلكها ، وتسميها " معالم في الطريق " فأنت إرهابي سادي دموي تكفيري قطبي .

والخلاصة في هذه النقطة أن العلمانيين يريدونك درويشاً صوفياً قبورياً ، حينها تكون منصفاً متديناً عاقلاً ، أما أن تنتقل بدينك لحيز الواقع والتطبيق وتغالب من أجل أن يسود ويطبق ويحكم فأنت الإرهابي المتطرف ... هذه رسالة ليس لنا هنا في مصر وحدنا ، بل لإخوان تونس أيضاً ، فاحذروا هذه الثناءات ، فأولئك القوم لا عهد لهم ولا دين ، أولئك القوم لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة ، وهم العدو فاحذروهم ، ولا يرضون منكم إلا بالدنية ، وإن فكرتم في رفع رأسكم يوماً ما فستجدوا ما لا يسركم ولا يسرنا .

 

4. خلاصة النجاسة العلمانية ( روشتة للنهضة التونسية ) :

وطالما نحن في مجال الاستفادة من الخبرات ، فأنا أوجه رسالة لإخوان تونس ، ولنا أيضاً في مصر للاستفادة والعبرة وحتى نكون فهماً شاملاً يقودنا للحسم الثوري ، ألخص فيها صفات العلمانيين كما رأيتها رأي العين في التجربة المصرية ، وكما قرأت عنها واستقرأتها في التجارب السابقة كتجربتي الجزائر وتركيا :

أولاً : العلمانيون دمويون وقد قتلوا وشجعوا على قتل وأثنوا على من قتل الإخوان بدءاً من الاتحادية ومروراً برابعة والنهضة وإلى الآن .

ثانياً : العلمانيون فاشيون نازيون ، رضوا وأيدوا وشجعوا على الاعتقالات والسجون ، والطرد والإبعاد والرفت والفصل للطلاب والسجن للبنات والأطفال ، وحرقوا بيوت ومقار ومواطن عمل وشركات منتمين للإخوان ، وشجعوا وصادروا أموالهم ، كل ذلك لأنهم غالبوهم فغلبوا ، ونافسوهم ففازوا ، ولو فعل الإخوان ذلك لاحقاً في تونس فسيفعلون مثلها حذو القذة بالقذة ، ولا يظنن إخوان تونس أنهم سيتدثرون بالعامة من الشعب فأولئك غثاء وأولئك لهم حديث آخر في هذه السلسلة إن شاء الله .

ثالثاً : العلمانيون متناقضون يقولون ما لا يعتقدون ويرفعون شعارات ويعلنون نظريات ليس لهم منها إلا الإعلان ، ولا يعملون بحقيقتها ، من ذلك مصطلح الديمقراطية ، ومصطلح حرية الرأي ، ومصطلح الإبداع .

رابعاً : العلمانيون أفقهم ضيق وعقلهم ضحل ، وحين غلبهم الإخوان وفازوا عليهم في خمس أو ست جولات متتالية فإنهم لم تهدهم بصيرتهم إلى طريق أو سبيل ليغالبوا الإخوان ويغلبوهم ، فلم يكن أمامهم إلا قوة الدبابة والنزوع إلى العسكري اضطراراً وقلة حيلة وفشل .

خامساً : العلمانيون ظلاميون ، تبنوا الكبت والتضييق والاعتقالات وانتهاك الحرمات وارتكاب المظالم والموبقات ، هم ظلاميون تكفيريون ، أخرجونا من الإنسانية ووصمونا بما ليس فينا ، واستعانوا علينا بمأجورين من الإعلام طعنوا فينا بكل المطاعن وشتمونا وسبونا بكل النقائص حتى أخرجونا من الدين والملة .

تلك هي صفاتهم من الغدر والخيانة فليعيها الإخوان في مصر حتى إذا ما عادوا إلى المشهد - وهم عائدون لا محالة إن شاء الله - فلا يأمنوا إلى هؤلاء الغادرين ، ولا يكون منهم إزاءهم إلا الطرد والإبعاد .

وكذلك ليعيها إخوان تونس ، ولا يظنوا أنهم قد جلبوا رضا العلمانيين ونجوا من غدرهم بعدم مغالبتهم ، فغدرهم يقين ، ورضاهم لا رجاء فيه .

 

5. رضا العلمانيين غاية لا ترتجى :

نعم رضاهم غاية لا ترتجى وذلك مصداق قول الله عز وجل : " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " .

والعلمانيون أشد كفراً ونفاقاً ، ورضاهم غاية لا ترتجى ، وأثبتت الأيام وأكدت التجربة أنهم قوم لا خلاق لهم ، وأنهم لا عهد لهم ولا ذمة ولا ميثاق ، وإن أعجب فمني ومن إخواني كيف ظننا في يومٍ من الأيام أنه يمكن لنا أن نبني وطناً مشتركاً مع هؤلاء !

وأعجب مني ومن إخواني كيف ملنا وملت يوماً ما إلى أن نتوافق على رئيس أو على سلطة أو على آلية حكم مع هؤلاء !

لقد أثبتت الأيام بما لا يقطع مجالاً للشك أنه لن يقف معي في خندقي إلا الإسلاميون ، وقلة قليلة لا تبلغ أن تعد على أصابع اليد الواحدة ممن ألهمه الله العقل والبصيرة فهو إسلامي الخلق وإن كان على غير الملة ، ولا يبنى على مثله حكم .

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم .    - يتبع إن شاء الله -

 

كبسولة : رغم إعلان الإخوان من قبل في أكثر من بيان وموقف رفضهم القاطع لأي مبادرات وأي محاولات تفاوض مع العسكر الآثمين القتلة المجرمين إلا أن بعض الناس يوماً بعد الآخر يخرجون علينا بمبادرات وتصريحات في غير وقتها وتحمل ذريعة انتقاص لهم خاصة وهي تقترن بأوقات يعلو فيها مد الشرعية وأنصارها ، ويخبو ويخفت فيها صوت العسكر ومن يؤيدونهم بكثرة بلاوي العسكر وفشله في كل المجالات .

أيها الناس كفوا عنا أذاكم وفوضاكم ، فما فوضناكم وما خولناكم نحن أنصار الثورة أن تتحدثوا عنا ، لن ننكث أيماننا ولا عهودنا ، لن نفض بيعتنا مع الله على نصرة الحق والقصاص لدماء شهدائنا ، ولن نفاوض أو نهادن على دم إخواننا ولن نخونهم ولن ننساهم ، فأزيحوا همكم عنا أثابكم الله .

------------

[email protected]