بقلم: محمد ثابت
من نفس الجانب الخطير الذي نأمنه، كإسلاميين، مازلنا نؤتى بخاصة في مصر، والمثل العربي الأصيل يقول: يؤتى الحذر من مأمنه، أي إن الرجل الحذر لا يقع في الخطأ من الجوانب التي فكر فيها، بل من الجانب الذي يأنس وبالتالي يأمن إليه، وما ينطبق على الرحل ينطبق على الأمم والجماعات، أما في حالة الصدام البالغ الضراوة بين الشرفاء في مصر، سواء أكانوا من صادقي التيار الإسلامي وبقية التيارات النادرة الصدق، بالإضافة إو في الأساس .. جماعة الإخوان المسلمين من ناحية أخرى، ولي في الأمر قناعة مُرّة، فلولا السلاح الذي تم رفعه في وجوههم في مصر، ومن قبل لولا الدور القذر الذي لعبه الإعلام، واعتذر عن اللفظ في الحقيقة لأنه غير كاف للتعبير عن الدور البالغ المرارة الذي قام ومايزال يقوم الإعلام الإنقلابي، المفترض أن يكون رسمياً، أي من مال البسطاء، ليعود عليهم بالوبال والخداع والتزييف والتدليس .. وهلم جراً من كلمات لا توفي هؤلاء، وللأسف تقصر اللغة دون التعبير عنهم..ومن ناحية أخرى فإن فشل الشرفاء، أو بمعنى أدق واصدق وأوضح، تراخي الإسلاميين في طرق مجال الإعلام بنجاح جزء المشكلة الأكبر ..
في أحد أهم فروض الإسلام الحج، تسآل سيدنا إبراهيم، عليه السلام: لما قال الله تعالى له:( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)) سورة الحج..إلى أي مدى يصل صوته، فأجابه الله تعالى، كما في الحديث الشريف، وكما قال، صلى الله عليه وسلم، عليك الآذان وعلينا التبليغ، إلى هذا الحد كان الإعلام بمكان، وما يزال ..
أما في حادث محاولة القضاء على الثورة المصرية، وسيل طوفان من دماء المصريين، وما يزال الأمر مستمراً، وقد استمعت من ثوان لفيديو نشره الموقع الإليكتروني لإحدى الصحف الخاصة الإنقلابية لاعتداء عميد شرطة على متظاهرين منسوبين إلى الإخوان، بعد قيام مئات الأيدي من العامة بضربهم، وهكذا تضرب الشرطة .. فيما قطاع من الشعب المصري يبارك.. وهذه إحدى عجائب تأثير ونقل الإعلام المصري..أي التأثير المتزايد..
أما العجيبة التي لا أدري كيف لا ينتبه الإخوان إليها حتى اليوم، فإن كانت بعض منابرهم الإعلامية، التي نرجو منها ولها الكثير، ما تزال في طور الإعداد المُركز، لخطورة الفترة التي ستنطلق فيها، وترصد الكثيرين لها، فماذا عن التصريحات التي تصدر أحياناً عن الإخوان، وهي تحمل معان بالغة الإشراق، فيعمل الإعلاميون فيها معاولهم، وحيّات ألسنتهم، فيعود إليها معناً لم يخطر لهم على بال، والامثلة أكثر من أن تعد وتحصى..
على أني، ومع احترامي الكامل وتقديري لفضيلة الشيخ وجدي غنيم، ولتاريخه الطويل، ولنضاله وجهاده، وهو لا يحتاج لمثل هذه الكلمات من الأصل، لما له من مكانة في قلب كل صادق، ولكن أن ينبري الشيخ بعد ساعات من تراجع عدد المقاعد التي حصلت عليها حركة النهضة مقابل مقاعد قائمة نداء تونس، حصدت الأخيرة 84 مقعداً مقابل 68 مقعداً للنهضة، ليشن الشيخ وجدي أعنف هجوم سمعته منه، وأعتقد غير شاك، في تاريخه كله، ضد إسلاميي تونس، وحركة النهضة، بل ضد الشيخ راشد الغنوشي نفسه، واصفاً الأمر بالخبل والجنون، لأن أسلاميو تونس اعترفوا بما آلت إليه الصناديق، ومفتتحاً الكلمة ومغلقها بنكتة الطبيب الذي ضحى بالجنين والأم لأجل أن يعيش الأب، او المستشفى، وفي المنتصف جاء ذكر الكاتب فهمي هويدي لأنه أشاد بالتجربة، اما أكثر الكلمات مرارة، وكلها مرّ، علم الله، فوصف الشيخ وجدي للديمقراطية بالكفر، ولعلمانيّ تونس بنفس الوصف.. وأعتقد أن الأمر تعدى إلى غيرهم، بل مطالبة الشيخ وجدي للإسلاميين بتكفير من تنطبق عليه قواعد الكفر، ولا أدري لو تاب أحدهم من الذين سيكفره الإسلاميون.. من ساعتها سيكون الكافر في ظل حديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، فقد باء بها أحدهما؟ أي الوصف اللازم بالكفر، إن صدر عن مسلم واصفاً به آخر وكان لا ينطبق على الآخر، فقد عاد على الأول..
واياً ما يكون من أمر ومن مرارة التجارب الديمقراطية مع الإسلاميين، فهل نطالب بالإنقلاب على نتائج اصناديق في تونس؟
وإلا فلماذا نعترض على الإنقلاب على نتائج مثلها في مصر ومن قبل الجزائر؟
ولماذا تسيل دماؤنا؟ وتصعد إلى رب العزة الأرواح إذن؟
ولماذا يصاب من يصاب ويطارد من يطارد؟
إذا كنا سنخسر عبر الصناديق فلا نقبل بالخسارة، فمن حق الطرف الآخر عدم القبول إذن، وليس لنا حق الاعتراض، ونيل الأجر من الله إذا كانت الديمقراطية كفراً..
أعرف تماماً الملابسات التي تمر الجماعة ويمر فضيلة الشيخ بها، وأشعر أنه تسرع في الفيديو الأخير الذي روج له موقع (اليوم السابع) في سابقة أولى وأنكرته الجماعة أو على الأقل لم تروج له، ولا أظنها ستفعل، واعتقد أن الشيخ وجدي قادر على الدفاع عن نفسه، وعن مأزق التحليلات الوقحة التي بدأت تنساب من الطرف الآخر، ولكني أدعوا إلى جبهة موحدة، أو مجموعة مؤصلة، أو هيئة عالمة، أو أياً من هذا القبيل، مختصة في الإعلام، ويرأسها احد الأفذاذ فيه لمراجعة كل قول يصدر عن مشاهير الجماعة بل والشرفاء الواقفين ضد الإنقلاب، ولا يقولن لي أحد إن هذا رأي خاص، فكم أوتينا من الآراء الخاصة، وإن لم يكن لنا منبر إعلامي حتى الآن، فلتكن لنا هيئة إعلامية موقرة من مختصين، على أن يلزم كبار علمائنا أنفسهم ألا يصدر عنهم تصريح إلا عبرها .. فإنهم في النهاية علماء.. وليسوا إعلاميين ..
وعفواً كفى ما كان..