بقلم / شرين عرفة :
مصدوم ؟! تشعر بالحسرة ؟!
مؤلم هو مشهد المرأة التي رفضت مستشفى "كفر الدوار" بالبحيرة إستقبالها وهي في حالة ولادة، فافترشت الأرض، وتطوعت بعض النسوة من المارة في مساعدتها على وضع مولودها في عرض الطريق ؟!
هل كنت تظن حقا أن المستشفيات في مصر ،انشئت للعلاج ؟!
ألم تشاهد "فيديو" المريض الذي القت به مستشفى أسوان الجامعي على عتباتها ، وتركته يعاني مرضه الذي يمنعه من الحركة ، فظل ملقى على الأرض ، كقطة ضالة، دهستها سيارة، في طريق عام ؟
أم لم تشاهد صورة المريض التي استمرت جثته ملقاة على الأرض ثمانية ساعات كاملة أمام مستشفى التأمين الصحي بمدينة نصر ؟
لم تستوعب بعد قصة مقتل طفل في مطروح ،سقطت بوابة المدرسة الحديدية فوق جسده النحيل، وهو يلهو أثناء فسحته ، فأردته جثة هامدة ؟!
هل تعتقد ان اولادنا يلتحقوا بالمدارس كي يتعلموا ؟!
هم يذهبون اساسا ليموتوا ،
يذهب ابنك الجميل "يوسف" إلى مدرسته في "المطرية" ، في ثاني ايام الدراسة ، وهو يحلم بأن ينجح و يلتحق بكلية الهندسة ،ثم يطلب منه زميله غلق النافذة ، ليسقط عليه لوح الزجاج فيذبحه ويقطع شرايين عنقه ،تستهين إدارة المدرسة بحالته ، وتتصل بك لأخذه ، تذهب به إلى أربعة مستشفيات في القاهرة، فيرفضون جميعهم علاج ابنك، يواصل نزيفه فوق ذراعيك إلى أن يموت.
احمد الله ، مات قبل ان يدخل كلية الهندسة ، نجا من رصاص قوات الأمن ومن قذائف المدفعية وطلقات الخرطوش التي كانت ستمزق جسده إربا ،حينما يصرخ في الجامعة مطالبا بحقه !!
ما الذي يحزنك تحديدا؟؟ نوافذ المدارس التي تذبح الطلبة؟؟ ام بواباتها التي تهشم عظامهم؟؟ أم المستشفيات التي تمنعهم حقهم في العلاج؟!
يكفيك أنك لست في سوريا أو العراق...
تخرج من بيتك مبكرا ،تسير في طرقات غير ممهدة ،ثم تعبر فوق أطنان من القمامة، وكي تحصل على خبز يسد جوعك، عليك أن تتجرع قبلها ألوانا من العذاب،
تلهث وراء حافلة تقلك ،وحين يحالفك الحظ، ستجد فوق أرضها شبرا تضع عليه قدميك، وبضع سنتيمترات، تمد فيها أنفك لتتنفس، تصل إلى عملك ذليلا مهانا؟!
اشكر الله ، بأنك لم تصل إلى قبرك، في واحدة من حوادث الطرق ،والتي تتبوأ فيها مصر المركز الأول عالميا وبلا منازع، بمعدل قتيل واربعة مصابين في الساعة.
أكمل يومك ، تحمل ضغط مديرك الفاسد ، والمسئولين المرتشين ، وارض بالفتات الذي يلقون به إليك ، فبالتأكيد أنت أسعد حظا من أكثر من ثلاثة ونصف مليون عاطل عن العمل أو ما يعادل ربع شباب مصر ؛ طبقا لإحصائية (الجهاز المركزي للمحاسبات) هذا العام .
راتبك من عملك الخاص لا يكفيك ؟! تدفع من جيبك نظير دروس تعليمية خاصة لأولادك ، حيث لا تعليم في المدارس،ثم تدفع من جيبك لطبيب خاص يفتح عيادة داخل شقة ، حيث لا تأمين و لا علاج في المستشفيات !
تشتري من جيبك مولدا للكهرباء ، كي لا تعاني من قطعها يوميا بالساعات ،ثم تلتهم فاتورتها ميزانيتك آخر الشهر،
تشتري مولدا للمياه التي بالكاد .. تصل لمواسير شقتك ساعة او ساعتين يوميا ،ثم تخشى على صحتك وصحة أولادك ؛من مياه تنزل من الصنبور بلون بني ، فتشتري مياه معبأة تلتهم الباقي من أموالك .
تبيع "شبكة" زوجتك وتقترض من البنك؛ كي تحافظ على ما تبقى من ذرات في كرامتك المهدرة ، تدفع بهم مقدمة لأرخص سيارة تباع في الأسواق،
ثم تسرق من أمام بيتك في وضح النهار !! فتدفع فدية للبلطجية كي يعيدونها إليك ، فضباط الشرطة في بلادك ليس مهمتهم القبض على اللصوص ، بل فقط قتلك في الشوارع إذا خرجت ثائرا تطالب بحقك ،أو ضربك و سحلك في الأقسام إذا دخلت إليهم شاكيا من ظلمك ،أو فقط إذلالك في الأكمنة وإهانتك ، إذا -ضابط الشرطة- لم يعحبه شكلك .
عدت إلى بيتك سالما ؟؟ نجوت من القتل والسحل والتعذيب ؟؟ أغلق عليك بابك ، وضع لسانك في فمك ، وارض بمعيشتك ،
واحمد الله أنك لست في سوريا أو العراق ...فتلك دول بها حروب طاحنة، بين شعوب أرادات الحرية وطغاة مجرمين ،
أما سيادتك ، عزيزي المواطن المصري ..فأنت لا تملك دولة من الأساس!!!